قناة للحوار ومنارة للتسامح

قبل أكثر من ثمانية أعوام أنشئت في ألمانيا مؤسّسة تعني بدفع عجلة الحوار بين الإسلام والمسيحية واستلهمت تلك المؤسسة اسمها وأهدافها من الأب جورج قنواتي، الذي كرّس حياته للحوار المسيحي الإسلامي. مارتينا صبرا تعرفنا بهذه المؤسسة.

شعار المؤسسة
يعد الأب جورج قنواتي العالم والراهب الدومينيكاني من الرواد في الحياة الفكرية العربية والإسلامية والمسيحية ودعاة التسامح

​​ تكرس مؤسسة جورج قنواتي، التي تأسّست عام 2000 في مدينة آرنسبيرغ الواقعة في ولاية شمال الراين واستفاليا، جهودها لدعم مشاريع صغيرة مؤثرة لإيجاد نقاط تلاق بين الديانتين المسيحية والإسلامية ودفع عجلة الحوار بينهما، وهي تعد لذلك نموذجا على التواصل والحوار بين المسلمين والمسيحيين. وفي هذا الإطار، استقبلت المؤسسة ضياء الدين حسنين منذ ثلاث سنوات، وهو مدرّس للدين الإسلامي في المدرسة الألمانية الإنجيلية في القاهرة، ليدرس الطرق المتبعة لتدريس الأديان المختلفة في مدراس ولاية هامبورغ.

نموذج هامبورغ للدروس الدينية المشتركة

وخلال فترة إقامته، يشارك حسنين البالغ من العمر 37 عاما، في حصص مادة الدين والأخلاق في عدد من الفصول المدرسية، وبيده كاميرا وآلة للتسجيل ومفكّرة لتدوين ملاحظاته. فالمدرس المصري يريد أن يقوم بدراسة تطبيقية للتعرف على "نموذج هامبورغ" لتدريس الأديان، والذي يعتمد على تدريس التلاميذ الألمان المنتمين لمختلف الجنسيات والأديان مادّة دينية واحدة يطلق عليها الدّين والأخلاق. ويسعى حسنين من خلال دراسته "لنموذج هامبورغ" إلى تطوير نماذج تعليمية دينية لتلاميذ من مختلف الانتماءات والمُعتقدات الدينية على أمل التمكن من تطبيقها في يوم من الأيام في المدارس المحلّية في مصر، فهو يرى أن هذا النموذج قد يناسب المدارس المصرية، التي ينقسم شعبها إلى أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية تشكل نحو 10 بالمائة.

دروس دينية مختلطة يشارك فيها تلاميذ من مختلف الانتماءات الدينية

​​ ويرى المدرس المصري أن الدروس الدينية المشتركة التي تتعدى الاختلافات، والموجودة بالفعل في مدرسته بالقاهرة، تعد نموذجاً فريداً ورائداً ويقول في هذا الإطار: "عادة يتم فصل التلاميذ خلال الدروس الدينية حسب انتماءاتهم الدينية منذ السنة الدراسية الأولى وحتى الثانوية العامّة (الباكالوريا)، ففي الوقت الذي يتلقّى فيه التلاميذ المسلمين دروسا في التربية الدينية الإسلامية، يتلقى التلاميذ المسيحيين دروسا في الدين المسيحي. ولا يعرف التلاميذ المسلمون أي شيء عن الأديان الأخرى. ولا أعتقد أن المسيحيين يعرفون شيئاً عن الإسلام". ولولا مؤسّسة جورج قنواتي لما كان بإمكان المدرّس المصري القيام بدراسته التطبيقية، فهذه المؤسسة، التي يعمل في إطارها كاثوليك وبروتستانت ومسلمون على حدّ السواء، تدعم مثل تلك المشاريع التي تعطي الفرصة لدعم الحوار.

المؤسسة ترفض اعتبار الإسلام ديناً معادياً

وعن أهداف المؤسّسة يقول غريغور فون فورستينبيرغ، عضو مجلس إدارة المؤسّسة "إعطاء الفرصة للتلاقي والتواصل وتبادل التجارب". ويضيف فون فورستينبيرغ إنّه يتعين على المسيحيين وعلى المسلمين على حدّ السّواء التحرّك والتقارب فيما بينهم"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "اتهام كلّ المسلمين في ألمانيا أو في العالم بالتطرّف والإرهاب" أو "وصفهم بمواطنين مثاليين، هراء" ولا يدعم عملية التقارب والحوار. كذلك تعدّ المؤسسة من ضمن الجمعيات والمؤسّسات التي تؤكّد على أن ألمانيا بلد مهاجرين، على عكس بعض الأحزاب السياسية التي تنفي هذه الفكرة، كما ترفض مؤسسة جورج قنواتي في ميثاقها تصوّرات ترى في الإسلام دينا مُعاديا للغرب.

مؤسسة جورج قنواتي تدعم مشاريع صغيرة ولكن واعدة، حيث يتمّ إعطاء منح لمشاريع حوار أكاديمي أو دعم عروض فنية حول النّساء المسلمات في ألمانيا

​​

يشار إلى أن مؤسسة جورج قنواتي تدعم مشاريع صغيرة ولكن واعدة، حيث يتمّ إعطاء منح لمشاريع حوار أكاديمي أو دعم عروض فنية حول النّساء المسلمات في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك تهدف المؤسّسة إلى فتح المجال للرّأي العام الألماني للتعرّف على الفكر الإسلامي الحديث وذلك من خلال تمويل سلسلة من الدراسات العلمية التي تنشرها دار هيرده للنشر. وبعد صدور كتابين، الأول حول "أخلاق الطبّ الإسلامي، والثاني حول "التفسير الحديث للقرآن في تركيا"، صدر منذ فترة وجيزة كتاب يتضمّن نصوصا للمفكّر الإصلاحي المصري نصر أبو زيد، الذي كان فسّر القرآن من منظور تاريخي نقدي.

وفي هذا الإطار، يقول غيرغور فون فورستينبيرغ إن هذه المشاريع تهدف إلى "كسر الأفكار المسبقة والتخوّف من الآخر من خلال التعرّف على الآخر وذلك من خلال مراحل عدّة: من خلال التواصل اليومي وكذلك من خلال كسب معرفة أفضل عن الآخر من خلال القراءة والمطالعة". ومؤسسة جورج قنواتي، التي تتخذ مقرّها في ألمانيا، قد استمدت فكرتها من رجل مصري لعب دورا تاريخيا مميّزا في مجال حوار الأديان ولكنّ صيته وشهرته بقيت مقتصرة على بعض الأوساط فحسب.

جورج قنواتي - أحد أهم دعاة الحوار بين الأديان

جورج قنواتي، سوري الأصل ولد في مدينة الإسكندرية عام 1905، وبعد دراسة الصيدلة، قرّر عام 1934 الالتحاق برهبنة الآباء الدومينيكان ورسم قسيساً في عام 1939. درس الأب قنواتي الأدب العربي الكلاسيكي قبل أن يصبح مديرا للمعهد الدومنيكاني للدّراسات الشرقية في القاهرة، الذي كرّس العاملون فيه جهودهم لدفع الحوار بين الدينين الإسلامي والمسيحي، وكتب طيلة حياته أكثر من 250 كتابا ومقالة علمية حول مواضيع إسلامية متنوّعة من العلوم الإسلامية مرورا بالتاريخ الإسلامي وصولا إلى الفلسفة الإسلامية والتصوّف. كما مكّنته تجربته العلمية ودراساته في إطار الحوار الإسلامي المسيحي من العمل كمستشار في عدد من اللّجان البابوية في الفاتيكان، فساهم في الستينات في انفتاح الكنيسة الكاثوليكية الرسمية إزاء الإسلام.

الأمر الذي أدهش مدرس الدين الإسلامي ضياء الدين حسنين، الذي قال إنه لم يكن يعرف من قبل أن مصريا كان له تأثير من ذلك الوزن على الكنسية الكاثوليكية. ويشير المدرّس المصري إلى أن جورج قنواتي يمكن أن يكون قدوة ومثالا لعديد المصريين، المسلمين والمسيحيين على حدّ السواء. ويضيف أنه لم يهتم قط بمعرفة الانتماء الديني لزملائه المدرّسين ولكنّه أشار في الوقت نفسه إلى أن المسلمين والمسيحيين لا يعرفون الكثير عن بعضهم بعضا. ويقول المدرّس المصري إنه على الرغم من وجود محاولات رسمية للتقريب بين الدينين، إلاّ أن الحوار بين الناس العاديين يكاد يكون منعدما، مشدّدا على ضرورة وجود هذا الحوار في الحياة اليومية. يُشار إلى أنه من المنتظر أن تصدر عام 2010 سيرة ذاتية لجورج قنواتي باللّغة الألمانية.

مارتينا صبرا
ترجمة: شمس العياري
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

مؤسسة أنا ليند للحوار بين الثقافات:
مبادرة أورو-متوسطية جديدة على شاطئ الإسكندرية
على أنغام الموسيقى الشعبية التقليدية لدول المتوسط والموسيقى الأوروبية الكلاسيكية افتتحت مؤسسة أنا ليند الأورو-متوسطية للحوار بين الثقافات في 20 ابريل/نيسان الجاري حيث تتخذ من مكتبة الإسكندرية والمعهد السويدي بالإسكندرية مقرا لها. تقرير نيللي يوسف.

الغرب والعالم الإسلامي:
لا غنى عن حوار الثقافات!
منذ اعتداءات الحادي من سبتمبر/أيلول بدأ يطرح شعار حوار الثقافات على الساحة السياسية. وترى الباحثة نايكا فروتان أنه لا غنى عن اتباع استرتيجية الحوار بين الثقافات في السياسة الخارجية في زمن أثبتت الأساليب العسكرية فشلها.

عبث القيم الأوربية ولماذا يمكن "للآخر" أن يكون على حق
الخطأ والصواب في حوار الثقافات
أضاع العالم الكثير من الوقت في العقدين الماضيين في ما يتعلق بحوار الثقافات. فقد بذلت جهود كثيرة ولكنها ظلت في إطار فكري ضيق للحوار وظلت تدور في أجواء منطق سيناريوهات الصراع الثقافي العاجزة عن تقديم الأجوبة الصحيحة. مقال كتبه تراوغوت شوفتالر