إنصاف الجنوب والاستجابة لنبض الشارع...مفتاح نجاح حوار الفرقاء في اليمن

يسعى مؤتمر الحوار في صنعاء إلى حل أزمات اليمن بدراسة قضايا عدة ومن أهمها مطالب انفصال الجنوب والتمرد الحوثي في صعدة إلى جانب العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وصياغة دستور جديد للبلاد، في وجود اتجاه إلى تبني نظام فيدرالي في اليمن. لكن ما هي فرص نجاح هذا الحوار؟ وماذا لو فشل؟ يوسف بوفيجلين يطلعنا على أهم خلفيات ذلك.

بينما انطلق الحوار الوطني اليمني، يوم الإثنين الثامن عشر من مارس/ آذار 2013، الهادف إلى وضع دستور جديد للبلاد، وحل الأزمات الكبرى التي يتخبط فيها اليمن، نزل الآلاف إلى الشارع في عدن وفي مدن جنوبية أخرى رافعين شعار "لا للحوار، نعم للاستقلال"، ما أدى إلى مقتل متظاهر في مدينة تريم بمحافظة حضرموت. ومن المفترض أن يستمر مؤتمر الحوار الشامل لمدة ستة أشهر، ينتهي بإقرار الدستور وإجراء انتخابات جديدة.

قضية الجنوب من بين أكبر التحديات أمام المجتمعين في صنعاء وهو الأمر الذي قد يتسبب إما في نجاح أو فشل هذا الحوار، خاصة في ظل مقاطعة التيار المتشدد في الحراك الجنوبي بزعامة نائب الرئيس اليمني السابق المقيم في المنفى علي سالم البيض، لمؤتمر الحوار.

كذلك قاطعت الحوارَ بعضُ المكونات الشبابية وأيضا الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، قائلة إنها لن تشارك احتجاجا على تهميش الشباب الذين قادوا الحركة الاحتجاجية في اليمن ومشاركة جهات متورطة في قمعهم الدامي على حد قولها.

الرئيس اليمني الانتقالي عبده ربه منصور هادي في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء 18 مارس / آذار 2013. رويترز
الرئيس اليمني الانتقالي عبده ربه منصور هادي في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء يوم الإثنين 18 مارس / آذار 2013.

​​

ويناقش المؤتمر من خلال جلساته العامة تسع قضايا تشمل "القضية الجنوبية" ومطالب فك ارتباط الجنوب عن الشمال، إضافة قضية التمرد الحوثي الشيعي في محافظة صعدة بشمال الشمال، والقضايا ذات البعد الوطني ومنها قضية النازحين واسترداد الأموال والأراضي المنهوبة، فضلا عن قضية المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وبناء الدولة والحكم الرشيد وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما المستقبلي.

ومن ضمن القضايا الرئيسية التي تشكل المرحلة الثانية من التحول السياسي في البلاد بعد تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، سوف يتمخض عن المؤتمر لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد والإعداد للانتخابات البرلمانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في عام 2014.

الجنوب هو المفتاح

بالرغم من مشاركة معظم التيارات والأحزاب في الحوار الوطني، إلا أن بعض المراقبين يشككون في نجاح الأطراف المتحاورة والمتباينة بطبيعة الحال في التوصل رؤى موحدة لمستقبل البلاد. الصحفي والكاتب اليمني نشوان العثماني يصف هذا الحوار بأنه "خطوة جديدة بين الفرقاء اليمنيين ويقدم فرصة أخيرة لهم لحل عدد من القضايا العالقة من بينها قضية الجنوب".

القيادية في ثورة التغيير والصحافية والناشطة الحقوقية اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام: توكل كرمان. د ب أ ب
كما جاء في تعليق توكل كرمان على صفحتها الرسمية في فيسبوك، في أول يوم للحوار الوطني الشامل في اليمن: "نظراً لبقاء الجيش منقسماً وبسبب اختلال تمثيل الشباب والمرأة والمجتمع المدني في مؤتمر الحوار، حيث جرى تمثيلهم تمثيلاً ديكورياً وهمياً وغير حقيقي .. في الوقت الذي تم فيه الزج بالكثير من المتورطين بقتل الشباب والمحرضين على قتلهم للمشاركة في المؤتمر: لذلك ولغيرها من الأسباب يمكن القول إن هذا ليس مؤتمر الحوار الذي طالبنا به ودعونا إليه. وفي الوقت الذي سنبقى ندعو إلى تصحيح مسار الحوار. نتمنى للمتحاورين التوفيق، ونأمل من أطراف الحوار أن يحلوا مشاكلهم وخلافاتهم وأن لا ينقلوها إلى مستقبلنا، كما أننا سنعمل من خارج المؤتمر على الضغط على الحكومة الانتقالية والرئيس الانتقالي ومراقبة أدائهم من أجل تحقيق أهداف الثورة الشبابية".

​​

غير أنه يستدرك بالقول "لكن في المحصلة فإن الحوار تعتريه الكثير من النواقص، إذ أن عدم الاستماع لنبض الشارع سيكون عائقا أمام نجاح الحوار"، في إشارة منه إلى المظاهرات التي تطالب بحل قضية الجنوب على قاعدة فك الارتباط.

وقد أكد الرئيس التوافقي لليمن عبدربه منصور هادي أثناء افتتاح مؤتمر الحوار أن "المفتاح الأساسي لمعالجة كافة القضايا هي القضية الجنوبية داعيا إلى "التوافق على رؤية عقلانية حول القضية " ومحذرا من "العودة إلى النفق المظلم" إذا فشل الحوار الذي قال إنه يشكل "لحظة فارقة تتطلب منا إرادة قوية (...) ولن يكون اليمن بعدها كما كان قبلها".

لكن يبدو أن فصائل من الحراك في الجنوب لم تكترث كثيرا بما قاله هادي، إذ أكد الأستاذ في جامعة عدن، الدكتور حسين العاقل: "إن هذا الحوار لا معنى له، كونه مغالطة لتغطية الوقائع على الأرض" مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "النضال السلمي الذي انتهجه الجنوبيون خلال السنوات الخمس الماضية لاستعادة الاستقلال، وهو نضال لم يغير من الواقع أي شي"، على حد تعبيره. وتُقاطِع الحوارَ فصائلُ من الحراك الجنوبي لاسيما تيار الزعيم الجنوبي حسن باعوم وتيار نائب الرئيس السابق علي سالم البيض.

الدور الخارجي هو المنقذ؟

لكن يبقى السؤال الذي يجب على كل الأطراف اليمنية أن تطرحه الآن هو: ماذا لو فشل الحوار اليمني؟ من المؤكد أن أي نتيجة سيخرج بها المتحاورون ستؤدي إلى إعادة تقسيم الأدوار بين الأطراف المتجاذبه داخل هذا البلد، والحديث عن الأدوار يقودنا حتما إلى الحديث عن المصالح والمكاسب التي سيجنيها كل طرف.

احتجاجات لبعض فصائل الحراك الجنوبي مطالبة بانفصال جنوب اليمن عن اليمن. عدن 21 فبراير/ شباط 2013. رويترز
الجميع في اليمن مجمعون على أهمية رفع المظالم عن أبناء جنوب اليمن، وخاصة التي فرضت عليهم في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح: الحراك الجنوبي في جنوب اليمن يمثل عشرات الفصائل ومنها مَن يطالب بالانفصال ومنها من يطالب بالفيدرالية.

​​

ويرى الكاتب اليمني نشوان العثماني أن فشل الحوار يعني أننا أمام "مشاريع طائفية، ومناطقية وقبليه ودينيه وعسكرية وهو الأمر الذي لن يسمح به المجتمع الدولي طالما أن اليمن يقع في أهم الممرات البحرية الدولية".

ويشير العثماني إلى الدور الدولي والإقليمي في تحديد مسار الحوار الوطني اليمني بالقول: "أستطيع التأكيد أن التأثير الخارجي هو أقوى، وهنا أشير إلى التأثير الأمريكي والأوروبي والخليجي السعودي"، فإنجاح هذا الحوار يعني نجاح المبادرة الخليجية ومن ثم نجاح جهود الأمم المتحدة الساهرة على تطبيق المبادرة.

وينعقد الحوار برئاسة الرئيس هادي وبرعاية الأمم المتحدة الممثلة بمبعوثها الخاص جمال بن عمر، ومجلس التعاون الخليجي، وتمت الدعوة إلى الحوار بموجب اتفاق انتقال السلطة "المبادرة الخليجية" الذي أسفر عن تخلي الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. ودعا بن عمر في كلمة في افتتاح الحوار إلى معالجة "المطالب المشروعة" للجنوبيين، وتداعيات الحروب مع التمرد الحوثي الشيعي في صعدة.

 

يوسف بوفيجلين
تحرير: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013