إشكاليات وآفاق تنظيم الممارسة الدينية في الغرب

يركز الجدل حول الجاليات المسلمة في أوروبا على السبل السليمة والعقلانية لتنظيم ممارساتها الدينية. هذه الإشكالية طرحها مؤتمر دولي نهاية هذا الأسبوع في الدار البيضاء بمشاركة باحثين أوروبيين وأمريكيين ومغاربة. محمد المزياني حضر فعاليات هذا المؤتمر ويطلعنا على أهم فعالياته.

يركز الجدل حول الجاليات المسلمة في أوروبا على السبل السليمة والعقلانية لتنظيم ممارساتها الدينية. هذه الإشكالية طرحها مؤتمر دولي نهاية هذا الأسبوع في الدار البيضاء بمشاركة باحثين أوروبيين وأمريكيين ومغاربة. محمد المزياني حضر فعاليات هذا المؤتمر ويسلط الضوء على أهم مجرياته.

لوحة إعلانية
كشف المؤتمر بوضوح حجم التحديات التي فرضت نفسها على السلطات الدينية التقليدية والسياسية في أوروبا لبلورة استراتيجية مشتركة تضمن العيش الكريم لجميع مكونات المجتمع الواحد

​​ أسدل الستار الأحد (21 يونيو/ حزيران 2009) على أعمال المؤتمر الدولي الذي دعا إليه على مدى يومين مجلس الجالية المغربية بالخارج بمشاركة عشرات الخبراء من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب. ونبعت فكرة عقد هذا الملتقى من حقيقة الاهتمام الدولي المتزايد بواقع الجالية المسلمة في أوروبا التي تحولت في العقود الأخيرة إلى جزء من النسيج الثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي الأوروبي. وبما أن هذه الفئة لم تعد مرتبطة بمهاجرين سيغادرون يوما ما بلدانهم الأوروبية المضيفة، بات من الضروري العمل على ايجاد الحلول السليمة والعملية للإشكاليات التي تواجهها من أجل تحسين ظروف عيشها وإنجاح اندماجها داخل المجتمعات الأوروبية.

وبحكم أن وجود المسلمين في أوروبا رافقته في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية إشكاليات فكرية واجتماعية، تعكف مختلف الجهات الأوروبية منذ فترة على تنظيم الممارسات الدينية للجالية المسلمة في إطار قانوني يضمن احترام المبادئ الأساسية الأوروبية المتمثلة في العلمانية والتعددية. ومن تم جاء اختيار عنوان هذا المؤتمر:" الإسلام في أوروبا، أي نموذج؟ ".

وفي هذا الإطار يقول الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبد الله بوسوف إنه "بحكم أن الإسلام أصبح احدى مكونات الفضاء الديني الأوروبي، وهو لم يكن موجودا في الفترة التي اعتمدت فيها الدول الأوروبية نصوصها التشريعية فإنه أصبح من الضروري البحث عن النموذج القادر على خلق نوع من الملاءمة مع المجتمعات الأوروبية، خاصة وأننا نعلم أن الدين الإسلامي دين واحد ولكن هناك عدة مفاهيم ثقافية واجتماعية مرتبطة به، نريد لها أن تندرج ضمن الصيرورة التاريخية الغربية حتى لا تعيش على هامشه أو تشكل هاجسا للمجتمعات الأوروبية".

أبرز محاور المؤتمر

وتمثل أحد أبرز محاور هذا المؤتمر الدولي في رصد خريطة الإسلام في أوروبا ووصفها. وفي هذا السياق قدمت جوسلين سيزاري مديرة برنامج الإسلام بالغرب بجامعة هارفارد الأمريكية وصفا عاما عن وجود المسلمين في أوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإدراك الرأي العام الأوروبي لهم كأشخاص منحدرين من أصول مهاجرة . في حين أن النظرة إزاء المسلمين في الولايات المتحدة مختلفة بحكم أنهم هناك يعتبرون عنصرا لا يتجزء من المجتمع المتعدد الثقافات. وشددت جوسلين سيزاري على أن النظرة العامة إزاء الجالية المسلمة في أوروبا لا تميز بين الإسلام والسمات الثقافية والجغرافية لأفراد هذه الجالية المنحدرين من فضاءات ثقافية واجتماعية متنوعة، مؤكدة على أن عدة صور نمطية تجاه المسلمين يتم ربطها تلقائيا بالإسلام .

"تفوق نموذج الاندماج الألماني على المستوى الأوروبي"

وفي خضم حديثه عن الدين في أوروبا الحديثة من زاوية اجتماعية قانونية أوضح المفكر الإيطالي ألساندرو فيراري أن الدول الأوروبية أضحت في العقود الثلاثة الأخيرة تفكر بجدية أكبر في كيفية التعامل مع الإسلام في الغرب على أساس النظام العلماني والدستور الذي يضمن حرية الممارسة الدينية. ولاحظ فيراري أن الأنموذج الألماني في إنجاح عملية اندماج المسلمين متفوق مقارنة مع عدة دول أوروبية أخرى، وهو " يحمل صفات مميزة ، إذ نجد بعض الولايات الألمانية قد أدرجت مادة تعليم الديانة الإسلامية في مقرراتها المدرسية، كما أن هناك نقاشا متطورا حول متطلبات المسلمين في البلاد، لكن تبقى هناك مشكلات مرتبطة بإدماج هوية ثقافية محددة داخل ما هو مألوف كهوية وطنية وكثقافة رائدة، وهذا قد يؤدي أحيانا إلى توترات".

تنظيم الممارسات الدينية في الغرب بما يتلاءم مع قيم المجتمع العلماني من جهة ولايلغي الحرية الدينية من جهة أخرى.

​​ واعتبر هذا المفكر الايطالي أن "مفهوم الثقافة الرائدة أو السائدة الذي كان مطروحا منذ مدة على الساحة السياسية والثقافية في ألمانيا هو ملاحظة مثرية للنقاش، لكن بعض السياسيين ووسائل الإعلام استغلوا هذا المفهوم في النقاش العام كوسيلة للتهميش والهيمنة من أجل فرض نظام طبقي بين الثقافات".

وطرح فيراري في مداخلته مفهوما حديثا يساعد في تسهيل عملية تعاطي الدول الأوروبية مع تعدد الثقافات في مجتمعاتها، ألا وهو مفهوم التعددية الثقافية المندمجة بمعنى أنه " مع انعدام الفصل بين الأشخاص والسلطة السياسية والثقافة يجب التسليم بأن حياة الأشخاص تعكس سمات متعددة من بينها الدين في إطار شمولي وأن لا نفكر في أن المسلمين هم فقط مهاجرون، وبالتالي يجب مراعاة كل سمات الحياة اليومية للأشخاص دون محاولة إخفائها ".

التنسيق مع دول الأصل عنصر أساسي

أما أستاذ القانون الكنسي ألكس سغليرس غوميس كينتيرو من جامعة برشلونة فقد سلط الضوء في مداخلته على المسلمين في أوروبا والعلمانية التي لا تتدخل في حرية الممارسة الدينية للأفراد و تحجيمها ، ومن تم فإن الدولة الاسبانية مثلا مطالبة بالتعاون مع جميع فئات المجتمع لتنظيم الممارسات الدينية بشكل ينسجم مع قانون البلاد الأساسي . في المقابل انتقدت خيما مارتين مونيوس مديرة البيت العربي بالعاصمة مدريد تعامل دول الاتحاد الأوروبي بصفة انفرادية في فترة سابقة مع ظاهرة الهجرة التي تطورت بسرعة وأجبرت هذه الدول على التنسيق فيما بينها للخروج بحلول تنظم الممارسة الدينية للمسلمين في أوروبا. وشددت مونيوس على "أهمية تنسيق الدول الأوروبية مع دول الأصل للمهاجرين ، لاسيما وأن أكاديميين ومفكرين مسلمين قادرون على المشاركة في إنجاح هذا الحوار، كما أن عددا كبيرا من المسلمين مهتم بإصلاح أوضاعه للحفاظ على عناصر الهوية والانسجام مع الحداثة.

يشار إلى أن مجلس الجالية المغربية بالخارج قد اختار عقد فعاليات هذا المؤتمر الدولي في الفندق الذي شهد انفجارات الـ 16 من مايو 2004 بالدار البيضاء من أجل توجيه نداء معنوي إلى جميع الفاعلين للتأكيد كما قال أمينه العام عبد الله بوسوف على أن "هذا المكان يمكن أن يكون أيضا أرضية انطلاقة للتعايش واحترام الآخرين وبناء مجتمع إنساني خال من التطرف ومن الخوف من الآخر".

محمد المزياني - الدار البيضاء
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

لقاء بين يورغن هابرماس وطارق رمضان:
"لا وجود لأوروبا من دون المسلمين"
لم يعد دمج المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا يشكِّل منذ فترة طويلة مشروعًا، بل واقعًا - حسب رأي طارق رمضان. لكن على الرغم من ذلك يتحتَّم دائمًا على المهاجرين إثبات ولائهم لأوروبا. والآن التقى في مؤتمر عقد مؤخرًا الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مع الشخصية الإشكالية طارق رمضان، الذي يعد أحد أهم ممثلي المسلمين في أوروبا. كيف سيكون في المستقبل شكل العلاقة بين أوروبا والحداثة والإسلام؟

نداء من أجل رؤية ثقافية جديدة للاتحاد الأوروبي:
نحو اتحاد أوروبي يتعدى الحضارات والثقافات والدين
لِمَ ينبغي لنا أن نكف عن الجدل حول الثقافات والديانات وما الرؤية الجديدة التي يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسير فيها بوصفه مشروع سلام واندماج؟ في المقالة التالية يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها أيهان كايا، أستاذ العلوم السياسية ومدير المعهد الأوروبي بجامعة بلجي في اسطنبول.

قمة الاندماج الثالثة في برلين:
بين قراءات الساسة وروايات الواقع
أكَّد سياسيو الحكومة الائتلافية الألمانية في قمة الاندماج الثالثة وجود "حالة تحوّل واسعة النطاق في سياسة شؤون الاندماج في جميع أرجاء ألمانيا". غير أن الباحثة المختصة في شؤون الهجرة، أولغر بولات تعارض في تعليقها التالي هذا التصوير، كما تطالب باتِّخاذ إجراءات موضوعية من أجل تحسين وضع المهاجرين في سوق العمل.