هل تخلت تركيا عن تحالفها الاستراتيجي مع نظام الأسد؟

تتابع تركيا تطورات الوضع في سوريا باهتمام بالغ منذ بدء الاحتجاجات، إذ اتصلت بالقيادة السورية وعرضت أفكاراً للخروج من الأزمة، وفي الوقت نفسه اتصلت بالمعارضة وسمحت لها بعقد مؤتمر في انطاليا لبحث عملية التغيير في سوريا. عارف جابو يستقصي هذه المسألة.



تعتبر سوريا حليفاً رئيسياً لتركيا في الشرق الأوسط وبوابتها إلى منطقة الخليج والعالم العربي، وتعززت العلاقات بين الجارين في الأعوام الأخيرة، حيث تم مضاعفة التبادل التجاري بينهما وألغيت تأشيرات الدخول بين البلدين. لكن مع استمرار موجة الاحتجاجات في سوريا منذ 15 مارس/ آذار الماضي تغير الوضع، إذ بدأ القلق ينتاب تركيا وتخشى من تطورات الوضع وما ستؤول إليه الأمور، نظراً لانعكاسها المحتملة عليها أيضاً. لهذا حاولت أنقرة لعب دور في الأزمة التي تمر بها دمشق، فاتصلت بالقيادة السورية على أرفع المستويات، وأرسلت مبعوثين إلى دمشق للتشاور مع مسؤولي النظام حول الوضع والمساعدة في إيجاد حل للأزمة.

لكن الجهود التركية لم تثمر ولم تستطع أنقرة إقناع القيادة السورية بالاستجابة لمطالب المحتجين ونبذ العنف في قمع الاحتجاجات، فأرقام المصادر الحقوقية إلى مقتل أكثر من 1100 شخص واعتقال مالا يقل عن 10 آلاف من المتظاهرين.
ولم تقتصر اتصالات تركيا بالنظام السوري فقط، وإنما فتحت قنوات مع المعارضة أيضاً، إذ استضافت بعض قيادييها وسمحت لهم بعقد مؤتمرات صحفية وملتقى في استانبول وصولاً إلى مؤتمر انطاليا الذي يشارك فيه معارضون من مختلف الأطياف ولاسيما جماعة الإخوان المسلمين.


تركيا حريصة على مصالحها

الصورة د ب د
اختار النظام السوري الحل الأمني في التعامل مع الأزمة التي تمر بها البلاد وأقحم الجيش في قمع الاحتجاجات

​​


أما سبب اختيار المعارضة السورية لتركيا مركزاً لنشاطاتها السياسية ومؤتمراتها، فيرجعه المحلل السياسي التركي د. سمير صالحة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوجالي باستانبول، إلى مواقف قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم، والتي دعمت المعارضة السورية في هذا الاتجاه "رغم الاعتراضات والانتقادات الواردة من دمشق، ولم تتراجع حكومة أردوغان عن مواقفها بل تمسكت بها، حيث أن الأزمة إذا ما استمرت فستنعكس على تركيا ومصالحها بأكثر من اتجاه".


كذلك تريد تركيا من خلال السماح للمعارضة السورية بالاجتماع والنشاط على أراضيها توجيه رسالة واضحة إلى النظام السوري، مفادها أن أنقرة في تعاملها مع تطورات الوضع تركز على معادلة أساسية تقوم على التمييز بين نظام الأسد وسوريا كدولة، وتمنحها الأولوية حسب رأي صالحة الذي أضاف في حواره مع دويتشه فيله بأن أنقرة "إذا ما أجبرت على الاختيار بين دعم نظام الرئيس الأسد وبين دعم الجار السوري، فإنها ستقف إلى جانب الجار السوري".


لكن هل يعني هذا أن تركيا تخلت عن تحالفها الاستراتيجي مع سوريا ومستعدة للتضحية بنظام الأسد والمراهنة على سقوطه واستباق الأحداث بكسب ود من يمكن أن يخلفوا نظام الأسد حفاظاً منها على مصالحها الإستراتجية في المنطقة وبوابتها السورية إلى العالم العربي؟ الأمور لم تصل إلى هذا المستوى بعد، لكن إذ لم تتعامل القيادة السورية بجدية مع مطالب المعارضة والحراك الشعبي ولم تنفذ وعودها الإصلاحية بأسرع ما يمكن فإن "تركيا ستجبر على سلوك سياسي جديد في علاقاتها مع دمشق"، حسبما يقول صالحة.


التغيير ودعم الثورة السورية

الصورة ا ب
استمرار الاحتجاجات في سوريا منذ منتصف مارس/آذار

​​وبالنسبة إلى الصدع الذي أصاب علاقات دمشق وأنقرة بعد مواقفها تجاه الأزمة السورية وضغوطها على الأسد ونظامه للرضوخ لمطالب المحتجين، فلا يمكن رأبه ولن تعود للمياه إلى مجاريها بين الطرفين بسرعة. في هذا الإطار يخشى صالحة من "أن تتوتر العلاقات أكثر فأكثر (بين دمشق وأنقرة) ولن يكفي أي اتصال هاتفي بين القيادات على أرفع المستويات لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً"، إذا ما استمر النظام السوري في نهجه الدموي تجاه الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.


هذا وأطلقت المعارضة على مؤتمرها في انطاليا اسم "المؤتمر السوري للتغيير" بهدف "بحث سبل دعم الثورة السورية في الداخل وتأمين استمرارها". وأنهى المؤتمر يومه الأول بحضور نحو 300 شخص تجاهلوا العفو الرئاسي الذي أعلنه الرئيس السوري عن السجناء السياسيين، في حين دعا غالبية الخطباء إلى العمل على إسقاط النظام.


ومؤتمر انطاليا هو المؤتمر الفعلي الأول للمعارضة السورية منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في منتصف آذار/ مارس الماضي في سوريا. ويأتي بعد ملتقى استانبول الذي عقد في الـ26 من أبريل/ نيسان الماضي، وكان بدعوة من منظمات مجتمع مدني تركية دعت شخصيات معارضة سورية لبحث مجريات الاحداث في سوريا.

 

عارف جابو
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011