دعوة حقيقية إلى صحوة المسلمين ضد الإرهاب أم طريقة لإركاعهم؟

أدان بالإجماع المجتمع الفرنسي المنقسم على نفسه الوحشية الجهادوية وجرائم جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. الصحفية بيرغيت كاسبر تسلط الضوء من مدينة تولوز الفرنسية لموقع قنطرة على ردود فعل الإعلام الفرنسي والسياسيين الفرنسيين والجمعيات الإسلامية في فرنسا.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Kaspar

يتَّفق الفرنسيون في هذه الأيَّام مع رئيسهم غير المحبوب في موضوع يتمثَّل في عدم تقبُّل همجية الجهادويين. فمنذ صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل وحشي في العراق وسوريا يزداد في فرنسا استنكار مختلف السياسيين وكذلك الزعماء الدينيين والناس العاديين في الشوارع والأسواق ورفضهم لجرائم تنظيم "داعش" الوحشية.

فقد باتت المجلات السياسية الفرنسية تُكرِّس لـ"سادة الإرهاب الجديد" (حسب وصف مجلة نوفيل أوبسرفاتور) قصصًا كبيرةً بشكل أسبوعي تقريبًا. وصار الخوف ينتشر في فرنسا، بحيث يمكن للمرء أن يشعر تقريبًا وكأنَّ مقاتلي داعش باتوا يقفون على مسافة قريبة من برج إيفل. لقد تم تحديد العدو للمجتمع كله: الإسلام المتطرِّف والمحاربون الهمجيون.

يوجد من بين الجهاديين في سوريا والعراق حاليًا بحسب معلومات وزير الداخلية نحو تسعمائة شخص فرنسي أيضًا - من بينهم الكثيرون من الناشئين والشباب، وهذا يجعل التعامل مع هذا التطوّر أمرًا غير سهل. إذ لم يعد يتم تجنيد هؤلاء الشباب فقط من الفئات المهمَّشة في الضواحي الفرنسية. فالكثيرون منهم ينحدرون من أسر الطبقة المتوسطة، وحتى أنَّ بعضهم ليسوا من أصول مسلمة.

"يجب على فرنسا أن تعلم أنَّها محمية وفي أمان". هذا ما أعلنه الرئيس فرانسوا هولاند بملء فمه في التاسع عشر من شهر أيلول/سبتمبر 2014، عندما أخبر المواطنين الفرنسيين حول الغارات الجوية الأولى التي شنتها طائرات رافال الفرنسية في العراق ضدَّ مواقع الجماعة الإرهابية تنظيم "الدولة الإسلامية".

محاربة الإرهاب تُخفي مخاطر أمنية، ولكنها تمثِّل أيضًا مسألة مهمة وعظيمة، مثلما أكَّد الرئيس فرانسوا هولاند، الذي لم يعد يتمتَّع بالثقة السياسية إلاَّ لدى خمسة عشر في المائة فقط من المواطنين الفرنسيين البالغ عددهم خمسة وستين مليون نسمة. وفي المقابل تحظى المشاركة الفرنسية في الحملة العسكرية في العراق ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية بشعبية لدى المواطنين الفرنسيين: فبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسَّسة إيفوب لصالح صحيفة "جورنال دو ديمانش" فإنَّ نصف الفرنسيين يؤيِّدون هذه المشاركة. 

Frankreichs Präsident Hollande; Foto: picture-alliance/dpa/Yoan Valat
مواجهة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية بكلِّ حزم وإصرار - "يجب على فرنسا أن تعلم أنَّها محمية وفي أمان"، هذا ما أعلنه الرئيس فرانسوا هولاند في التاسع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر 2014. في هذا اليوم كانت فرنسا أوَّل دولة أوروبية نفَّذت ضربات جوية إلى جانب الولايات المتَّحدة الأمريكية في العراق ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية.

"اقتلوهم بأية وسيلة أو طريقة كانت"

 بعد إعلان الحرب الفعلي من قبل فرانسوا هولاند ضدَّ الإرهاب، صار تنظيم الدولة الإسلامية يهدِّد فرنسا بشكل صريح. فمن جانبه وجَّه أبو محمد العدناني المتحدِّث باسم هذا التنظيم نداءً إلى جميع أنصاره، قال فيه: "إذا قدرت على قتل كافر أمريكي أو أوروبي - وأخصُّ منهم الفرنسيين الأنجاس - … فتوكَّل على الله واقتله بأية وسيلة أو طريقة كانت". وبعد أيَّام قليلة قام "جند ​​الخلافة" في الجزائر، الذين يعلنون ولاءهم لتنظيم الدولة الإسلامية، بقطع رأس الدليل السياحي الفرنسي المختص في تسلق الجبال هيرفي غورديل في جبال منطقة القبائل. ونتيجة ذلك خرجت من جميع أنحاء فرنسا صرخة رعب وفزع.

ولذلك بات الكثيرون من المسلمين في فرنسا، البالغ عددهم نحو أربعة ملايين مسلم، يشعرون بأنَّهم مدعوّون إلى اتِّخاذ موقف واضح. وعلى الفور دعت كبرى الجمعيات والمنظمات الإسلامية في فرنسا، مثل "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" (CFCM) و"اتِّحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" (UOIF) وكذلك "اتِّحاد المساجد في فرنسا" (UMF)، إلى الخروج في مسيرات احتجاج ضدَّ همجية تنظيم "الدولة الإسلامية".

وكذلك قام عدد من الأشخاص المسلمين المعروفين بنشر بيان في صحيفة "فيغارو" اليومية المحافظة تحت عنوان "نحن أيضًا فرنسيين أنجاس". وعلى موقع تويتر انضم العديد من المسلمين الفرنسيين إلى حملة PasEnMonNom# (ليس باسمي)، التي تم إطلاقها أصلاً في بريطانيا، وأكَّدوا براءتهم من الإرهابيين في تصريحات جاء فيها "الإرهابيون لا ينتمون لنا" أو "أيها المسلمون، استيقظوا! لم يعد بإمكاننا البقاء صامتين والنظر بعيدًا".

لم يكن ذلك كافيًا بالنسبة لهيئة تحرير صحيفة "فيغارو" على الإنترنت، التي عادةً ما تنتقد الإسلام. فبعد يوم من قتل هيرفي غورديل نشرت هذه الصحيفة في موقعها على الإنترنت سؤالها اليومي للقراء على هذا النحو: "هل تعتقد أنَّ إدانة هذه الجريمة من قبل المسلمين الفرنسيين تعدّ عملاً كافيًا؟". 

Französische Kampagne #PasEnMonNom - Nicht in meinem Namen; Quelle: #PasEnMonNom
Umstrittene "Pas-En-Mon-Nom"-Kampagne: "Warum sollten die Muslime ihre Stimme gegen Extremisten erheben, zu denen sie keine Verbindung haben und für deren Taten sie in keiner Weise verantwortlich sind?"

اشتباه عام بجميع المسلمين؟

أدَّى ذلك إلى موجات غضب عالية في وسائل الإعلام الاجتماعية، ولذلك فقد سحبت نشرة "فيغارو" على الإنترنت هذا السؤال. ومنذ ذلك الحين نشب جدال حاد في فرنسا، يركّز على سؤالين جوهريين: هل يجب على المسلمين اتِّخاذ مواقف واضحة في هذه الحالات؟ أم أنَّ مثل هذا الطلب يمثِّل دليلاً ضمنيًا على وجود اشتباه عام بجميع أفراد مجموعة سكَّانية، وذلك فقط لأنَّهم يعتنقون الديانة الإسلامية؟

أثار ذلك استياء موقع سفير نيوز "saphirnews.com" المسلم، الذي تساءل: "لماذا يجب على المسلمين رفع أصواتهم ضدَّ المتطرِّفين، الذين لا يوجد لدى المسلمين أي اتِّصال بهم والمسلمون غير مسؤولين بأي شكل من الأشكال عن أعمالهم؟". كذلك نأى "مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا" (CCIF) بنفسه عن الدعوات إلى المظاهرات. وقال: "يجب على المسلمين ألاَّ يشاركوا في لعبة الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام هذه، التي تكمن في تقديمهم دائمًا على أنَّهم جناة مذنبون أو مشتبه بهم مثاليون، وبالتالي دفعهم باستمرار إلى تبرير أفعال الآخرين".

ولهذا السبب أيضًا انتقد مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا حملة "ليس باسمي" على موقع تويتر، سواء بصيغتها الإنكليزية NotInMYName أو الفرنسية PasEnMonNom. وعلى موقعه على الإنترنت نشر هذا المرصد فوق صورة راهب بوذي السؤال التالي: "هل يجب عليَّ الاعتذار عن الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينجا في بورما؟".

اعتذارات المسلمين

وعلى موقع تويتر ظهر بعد فترة قصيرة هاشتاغ جديد بعنوان اعتذارات المسلمين lesmusulmanss'excusent#، تتم فيه صياغة تصريحات ابتعاد المسلمين عن جهاديِّي تنظيم الدولة الإسلامية باعتذارات فكاهية للغاية ومثيرة للسخرية، مثل: "المسلمون يعتذرون عن اختفاء الشعاب المرجانية في جزر المالديف" أو "المسلمون يعتذرون عن الأمطار في شهر تموز/ يوليو".

كذلك ردَّت بعض وسائل الإعلام اليسارية بهذا المعنى: ففي تعليق لها تساءلت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية الفرنسية: "ماذا نريد بعد؟ هل سنطلب من المسلمين الركوع؟ أم الذهاب إلى الحرب ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية".

وفي المقابل قال رئيس "اتِّحاد المساجد في فرنسا" محمد موسوي، الذي يضم اتِّحاده هذا خمسمائة بيت للعبادة في فرنسا: من الضروري أن يواصل المسلمون الفرنسيون معركتهم ضدَّ الإرهاب بصوت مرتفع. وذلك لأنَّ الصمت لا يؤدِّي إلاَّ إلى دعم الذين اعتبروا ردود فعل المسلمين مجرَّد كلمات فارغة، مثلما كتب في موقع أمّة "Oumma.com".

Olivier Roy, Islamexperte und Professor am Europäischen Hochschulinstitut in Florenz; Foto: AP
Identitätskrise, Fatalismus, Todessehnsucht: Olivier Roy, Islamexperte und Professor am Europäischen Hochschulinstitut in Florenz, spricht von einem Nihilismus, der im Zuge der Globalisierung verlorene junge Menschen befallen habe.

وكسبب آخر لاستنكار الإرهاب، وجِّه محمد موسوي رسالة واضحة إلى الإرهابيين، مفادها أنَّ همجيَّتهم لا تحظى بتأييد المسلمين الفرنسيين. وأضاف أنَّ هذا يمكن أن يساهم أيضًا في منع الفرنسيين الشباب من الانضمام إلى ما يسمى بـ"جهاد داعش".

يتساءل العديد من الأئمة في فرنسا، كيف يمكن الوصول إلى هؤلاء المسلمين الشباب، الذين غالبًا ما يصبحون متطرِّفين من خلال الإنترنت. كذلك تزداد صعوبة الوصول إلى هؤلاء الشباب لأنَّهم لا يدخلون المساجد.

وفي هذا الصدد تحدَّث الخبير الفرنسي في شؤون الإسلام والأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في مدينة فلورنسا، أوليفييه روي، حول وجود موجة من العدمية الفوضوية، التي داهمت ضمن إطار العولمة الشباب الضائعين والمعجبين بالموت. وهذه - بحسب تعبيره - ظاهرة سيتجاوزها المسلمون. 

يقول أوليفييه روي إنَّ تنظيم "القاعدة" أو تنظيم "الدولة الإسلامية" لا يقدِّمان للشباب سوى الأرضية التي تمكِّنهم من أن يعيشوا هذه العدمية وتجعلهم في الوقت نفسه محطَّ اهتمام الصحف. لهذا السبب يتعيَّن على المرء تقليص حجم جهاد تنظيم الدولة الإسلامية والجهادويين إلى حجمه الحقيقي، بدلاً من رفع الراية ودعوة الأمَّة إلى الوحدة في الحرب ضدَّ هذا التهديد، مثلما ينصح الخبير أوليفييه روي.

التنافس على قصص الجهاد الأكثر إثارة

وفي هذه الأيَّام يحدث نقيض ذلك في فرنسا. إذ لا تتنافس فقط وسائل الإعلام الوطنية على الحصول على قصص الجهاد الأكثر إثارة، بل إنَّ العديد من السياسيين باتوا يريدون استغلال هذا الموضوع لصالح أغراضهم الخاصة، وفي مقدِّمتهم السياسيون اليمينيون. فعلى سبيل المثال لقد حذَّرت زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان من العائدين من سوريا والعراق: "المستعدِّين للقيام في بلدنا بأعمال وحشية باسم الجهاد".

من جانبه قام الوزير السابق عن حزب الاتِّحاد من أجل حركة شعبية (UMP) المحافظ كزافييه برتران بوصف العائدين من سوريا والعراق كأعداء داخليين، ودعا إلى الاعتقاد بإدانتهم بدلاً من افتراض براءتهم، وكذلك إلى منح القضاء صلاحيات استثنائية. وقال زافييه برتران مؤكّدًا: "هذا يعني الآن إمَّا نحن أو هم".

هذه العبارات والنبرات لن تساهم في التقليل من ظاهرة الإسلاموفوبيا الواضحة كثيرًا على كلِّ حال في فرنسا. حيث تثبت الحوارات والمناقشات في المقاهي والأسواق زيادة الشكِّ والريبة تجاه المسلمين. ولا يهم، مهما سيحاول المسلمون أيضًا الوقوف على الجانب الصحيح وفعل الشيء الصحيح في هذا الوضع المتوتِّر، فسوف يكونون في أغلب الاحتمالات من الخاسرين في هذه المعركة ضدَّ الإرهاب الجهادوي.

 

بيرغيت كاسبر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014