استراتيجية الهدوء القطرية تجاه التصعيدات الخليجية

في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011، تبنت قطر سياسة خارجية قائمة على التدخل ومحاباة الإسلاميين، وهي خطوة أثارت انزعاج مِصر والسعودية والإمارات. وحين أعلنت دول خليجية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، كانت الرسالة واضحة: إما أن تتكيف هذه الإمارة مع السياسة الإقليمية أو أن تدفع ثمنا باهظا لذلك. لكن قطر ردت بهدوء على الضغوط السياسية للسعودية وحلفائها. كما يرى باراك بارفي في تحليله التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Barak Barfi

عندما أعلنت القوى العربية الخليجية في الخامس من يونيو/حزيران 2017 أنها قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قَطَر على خلفية علاقاتها مع الإرهابيين، كانت الرسالة الموجهة إليها واضحة: فإما أن تجاري السياسات الإقليمية، أو تدفع الثمن. وبعد ما يقرب من الأسبوع، يبدو قطر ليست في عجلة من أمرها للامتثال. ومن الواضح أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخارجية المشوشة المرتبكة هي على وجه التحديد السبب وراء دوام هذا الصدع.

قطر...اقتصاد قوي وعلاقة قوية مع واشنطن ومحاباة للإسلاميين

الواقع أن وصم قطر باعتبارها دولة منبوذة إقليميا من غير المرجح أن يغير الحسابات، وذلك لسببين: فبادئ ذي بدء، تتمتع قطر بقدر من الثراء أعظم من أن يتسنى معه حملها بسهولة على تنفيذ توجيهات وتعليمات آخرين. إذ تُتَرجَم إمدادات قطر الوفيرة من الغاز الطبيعي إلى نصيب للفرد في الدخل من بين الأعلى في العالَم. وحتى في ظل الحظر التجاري وحظر السفر الذي فرضته المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومِصر، لن يعاني اقتصاد قطر بشكل كبير.

السبب الثاني الذي يجعل قطر قادرة على الانتظار إلى أن ينفد ما في جعبة جيرانها هو أهميتها الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة. فباستضافة قاعدة العديد الجوية، التي تخدم كقاعدة عمليات أمامية تستخدمها أميركا في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وازنت قطر بدهاء بين علاقاتها مع المتطرفين الإسلاميين وعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة.

وقد استفزت علاقات قطر مع الجماعات الجهادية الغضب الأميركي، ولكن الولايات المتحدة استفادت أيضا من هذه العلاقات. على سبيل المثال، تمكنت قطر من إقناع حركة طالبان بإطلاق سراح الجندي الأميركي بو برجدال في مايو/أيار 2014؛ وبعد ثلاثة أشهر، ساعدت في تأمين حرية بيتر ثاو كيرتس، الصحافي الأميركي الذي احتجزته جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وتعتقد قطر أن علاقاتها بجماعات مثل حماس وطالبان والقاعدة خففت من مواقف هذه الجماعات، الأمر الذي يجعلها أكثر تقبلا للتفاوض.

دول قطعت علاقاتها مع قطر
من غير المرجح أن تتغير الحسابات: الواقع أن وصم قطر باعتبارها دولة منبوذة إقليميا من غير المرجح أن يغير الحسابات، كما يرى باراك بارفي الباحث متخصص في الشؤون العربية والإسلامية في منظمة "أمريكا الجديدة".

بطبيعة الحال، يرى أكبر جيران قطر في الخليج الأمور من زاوية مختلفة؛ ولكن أثناء الخلافات السابقة، تمكنت الدبلوماسية الأميركية من الحفاظ على السلام. والآن لم يعد هذا واردا. فلن تُظهِر إدارة ترمب مثل هذه القدرة في ما يتصل بنزع فتيل التوترات الإقليمية. فبعد الانهيار الدبلوماسي، جَلَد ترمب قطر على تويتر بلا رحمة أو شفقة، وبدا وكأنه يتبنى القرار السعودي الإماراتي. وأدى ذلك إلى تعقيد الرواية الأميركية، الأمر الذي دفع البنتاغون ووزارة الخارجية إلى اعتماد نبرة أكثر حيادية. فامتدح المتحدث باسم وزارة الدفاع "التزام القطريين الدائم بالأمن الإقليمي"، في حين وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية العلاقات الأميركية القطرية بأنها "قوية" ثم أشاد بجهود قطر في كبح تمويل الإرهابيين.

قطر...جهة تحكيم إقليمية في النزاعات

لقد رسمت قطر لنفسها صورة بوصفها جهة تحكيم إقليمية في المنازعات. ولكن في أعقاب ثورات الربيع العربي في عام 2011، تبنت سياسة خارجية قائمة على التدخل ومحاباة الإسلاميين، وهي الخطوة التي أثارت انزعاج مِصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

في الوقت نفسه، لم تكن العلاقات البحرينية القطرية جيدة من قبل قَط. فقد وقعت الخصومة بين البلدين حول جزر متنازع عليها في عام 1986. واليوم يحتقر حكام البحرين السُنّة علاقات قطر الودية مع إيران، ويتهمون الجمهورية الإسلامية بإثارة الاضطرابات بين الأغلبية الشيعية من السكان في البحرين.

وقد قادت هذه الدول الأربع الحملة المعادية لقطر بإغلاق حدودها ومجالاتها الجوية أمام طائرات قطر. كما قطعت العلاقات التجارية. وطالبت أغلب الدول العربية في الخليج مواطنيها بمغادرة قطر. حتى أن الإمارات العربية المتحدة اعتبرت نشر أي تعبير عن التعاطف مع قطر على الوسائل الاجتماعية ممارسة مخالفة للقانون.

ورغم أن قائمة الدول التي قطعت العلاقات لافتة للنظر لوحدتها، فإن قائمة الدول الممتنعة جديرة بالملاحظة بنفس القدر. فلم تستجب الكويت وعُمان للمقاطعة، على الرغم من كونهما عضوين في مجلس التعاون الخليجي (الذي يضم، بالإضافة إلى قطر، البحرين، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة). ولم تتمكن الكتلة المعادية لقطر من إقناع حتى أقرب حلفائها بالسير على خطاها.

Emir of Qatar Tamim Bin Hamad Al-Thani meets U.S. President Donald Trump in Riyadh (photo: Getty Images/AFP/M. Ngan)
أهمية قَطَر الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة الأمريكية: ما يجعل قطر قادرة على الانتظار إلى أن ينفد ما في جعبة جيرانها هو أهميتها الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة. فباستضافة قاعدة العديد الجوية، التي تخدم كقاعدة عمليات أمامية تستخدمها أميركا في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وازنت قطر بدهاء بين علاقاتها مع المتطرفين الإسلاميين وعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة.

آثار محدودة للحملة ضد قطر؟

وعلى نحو مماثل، في حين أعلن الأردن أنه يعتزم تخفيض العلاقات الدبلوماسية، فإنه لم يعرض سوى تفاصيل قليلة. وما دامت قطر قادرة على الحفاظ على العلاقات مع الأردن والكويت، فمن المرجح أن تكون آثار الحملة الحالية محدودة.

الواقع أن المحاولات السابقة لعزل دول عربية أكثر ضعفا باءت جميعها بالفشل في نهاية المطاف. فبعد أن استولت إيران على بعض الأراضي العراقية في عام 1986، عمل نفس التحالف الذي يدين قطر اليوم على إقناع سوريا بخفض علاقاتها مع إيران. واستخدمت المملكة العربية السعودية حزمة من الجزر والعصي، بما في ذلك الحلول محل إيران كمورد أساسي للنفط لسوريا. ولكن برغم أن سوريا كانت تعاني من عجز شديد في ميزان المدفوعات، وسنوات عديدة من الجفاف، فضلا عن تراجع المساعدات الخارجية، فقد رفضت التحالف السعودي.

هل يتعين على قطر التعامل برفق مع إيران؟

يتعين على قطر أن تتعامل برفق مع إيران أيضا، وذلك نظرا لملكيتها المشتركة لأكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، حقل غاز الشمال (أو حقل فارس الجنوبي) في الخليج الفارسي-العربي. وقد عرضت إيران توفير 40% من إمدادات قطر الغذائية التي لم تعد تتلقاها من المملكة العربية السعودية نتيجة للحصار. ورغم أن خطر انجراف قطر بشكل كبير إلى فلك إيران ضئيل، فإن أي دفء إضافي في العلاقات لابد أن يزعج الإدارة الأميركية، خاصة وأن سياسة ترمب الرئيسية في الشرق الأوسط تتلخص في عزل إيران.

بيد أن خواء الزعامة الأميركية فتح الباب أمام الدبلوماسية الإقليمية، مع محاولة الكويت القيام بدور الوسيط في الأزمة الحالية. ومن المحتمل أن تتفق الأطراف كافة على التراجع عن حافة الهاوية في مقابل تنازلات تجميلية. ولكن الأمر الأكثر ترجيحا هو أن يظل هذا الصدع قائما لعِدة أشهر، إن لم يكن لسنوات، فيزداد الشرق الأوسط بذلك تفككا ــ ويتأكد عجز "كبير المغردين" في أميركا.

 

باراك بارفي

ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2017

ar.Qantara.de

 

باراك بارفي: باحث متخصص في الشؤون العربية والإسلامية في منظمة "أمريكا الجديدة".