الاحتجاجات في العالم الإسلامي على ''فيلم براءة المسلمين''.....الدروس السياسية والعبر الأخلاقية

شهد معظم العالم الإسلامي غضباً عارماً رداً على مقطع فيديو يسيء للإسلام وللنبي محمد. وحتى الآن، كانت ردود الحكومات الغربية مناسبة، غير أنه يتعين على الولايات المتحدة ألاّ تكرر أخطاء الماضي وتبدأ في ملاحقة الإرهابيين في ليبيا، كما يوضح هانز ديمبوفسكي.

الكاتبة ، الكاتب: Omar Ashour



بعض المليشيات الإسلاموية المسعورة حملت السلاح بكل معنى الكلمة، فمقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز وثلاثة من موظفي السفارة في بنغازي كانت جريمة نكراء. وفي السودان تم إحراق السفارة الألمانية. ومع حلول الثاني والعشرين من سبتمبر، كان 18 باكستانياً قد قتلوا جراء أعمال الشغب التي اندلعت في عدة مدن.

هذا العنف غير مقبول على الإطلاق، كما أكدت الحكومات الغربية من واشنطن وحتى برلين. ولقد كانت هذه الحكومات محقة أيضاً في إبداء معارضتها لمن يحرضون على الكراهية الدينية، والتشديد على أن حرية الرأي هي من حقوق الإنسان الأساسية.

لكن من الغريب أن يعتقد الأشخاص الغاضبون في الدول الإسلامية بأن الإدارة الأمريكية أو مفهوماً عاماً عن "الغرب" هو المسؤول عن كل جملة مسيئة أو فيديو عديم الذوق يخرج به أحد المواطنين. هذه عقلية تعود إلى حقبة ما قبل ثورات الربيع العربي، وتكشف عن جهل عميق بمبادئ الديمقراطية. هذا الفيديو بالطبع مخزي، إلا أنه لا يمكن القول بأن حكومة أو مؤسسة غربية قامت بإنتاجه. وقد تبدو الرسوم الكاريكاتيرية سخيفة وغبية، إلا أن الحكومات لا يجب أن تحظر ما تنشره المجلات.

وضع أمني حساس

الصورة غيتي اميج
تجاهل الولايات المتحدة للأطر القانونية أثناء ملاحقة الإرهابيين في باكستان وأفغانستان، والفشل في إغلاق معسكر غوانتانامو أضرّ بسمعة إدارة الرئيس أوباما ومصداقيتها في أرجاء العالم الإسلامي، ويجعل من ترويج أمريكا لسيادة القانون نفاقاً في وجهة نظر العديد.

​​الحكومات الغربية محقة في إصرارها على أن تحمي حكومات الدول الأخرى السفارات والقنصليات على أراضيها، وأن تلاحق القتلة ومرتكبي العنف. لكن من الصعب أن نتوقع من بعض الحكومات الانتقالية في دول مثل ليبيا أو مصر أن تكون قادرة على تأدية هذه الواجبات. باكستان أيضاً تصارع عدداً من التحديات، ولا يمكنها أن تضمن أمن كل مواطنيها.

إن الحكومات الغربية التي تقلق على سلامة طواقمها الدبلوماسية لديها أسباب لتعزيز الأمن حول سفاراتها أو تقليص عدد الدبلوماسيين العاملين هناك، أو حتى إغلاق سفاراتها. لكن من غير اللائق بتاتاً أن تبدأ السفارات بتطبيق القانون بنفسها.

منذ انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أربع سنوات تقريباً، لم يؤذ سمعة بلاده في أفغانستان وباكستان شيء أكثر من مطاردة وملاحقة الإرهابيين هناك دون أي اعتبار للأطر القانونية. كما خسر أوباما مصداقيته بسبب عدم إغلاق معسكر غوانتانامو، مثلما وعد بذلك سابقاً. وما تزال الطائرات بدون طيار تقتل الإرهابيين المشتبه بهم، إضافة إلى المدنيين الأبرياء، وهو ما يجلب الحزن والكراهية. كما تخترق هذه الطائرات الأجواء بشكل يتنافى وما يدعو إليه الغرب من احترام سيادة القانون.

هذه السياسة القاتلة يجب ألا تتكرر في ليبيا، حيث يتحيّن كثيرون الفرصة للانتقام في أعقاب الحرب الأهلية، حسب ما أشارت لذلك مؤخراً الناشطة الليبية خديجة رمضان العمامي. ففي هذه البيئة المتوترة ينبغي على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ألا تكون قدوة سيئة.

الأمن المطلق مستحيل

رامسفيلد ا ب
عودة إلى الماضي: عندما سئل دونالد رامسفيلد عن انعدام الاستقرار في العراق بعدما سيطرت القوات الأمريكية على العاصمة بغداد، قال قولته المشهورة: "الوضع غير مرتب، والحرية غير مرتبة. كما أن الشعوب الحرة لديها الحرية في ارتكاب الأخطاء والجرائم وفعل ما هو سيء".

​​ورغم ذلك، فإن معلقي المعسكر اليميني في الولايات المتحدة يضغطون على أوباما بشكل خاطئ، وهم مخطئون في إلقاء اللائمة بالهجوم على ستيفنز على "الضعف الأمريكي"، إذ يجب عليهم أن يتذكروا أن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش، هو من أصدر الأوامر بغزو واحتلال العراق، وعندما سئل عن انعدام الاستقرار والعنف المتواصل هناك، أجاب بالقول: "بعض الأمور تحدث". الحقيقة هي أنه لا يوجد أمن مطلق في أي مكان، خاصة في الدول التي خرجت لتوها من حرب أهلية.

ما يجب على القادة الغربيين فعله هو ممارسة المزيد من الضغط العلني على المملكة العربية السعودية، لأن السعوديين معروفون بترويج التعصب في كثير من الدول. ورغم أن دولتهم معروفة بكونها قطباً للتشدد السني، إلا أنها – وبعكس إيران – حليف مقرب للولايات المتحدة.

وبحسب ما كتب الباحث في العلوم الاسلامية والسياسية في جامعة كولونيا لؤي المدهون، فإن "السعوديين يميلون لسياسة التدخل الفاعل، وهدف النظام (السعودي) المزدوج هو احتواء إيران وفي نفس الوقت منع أي نوع من التحرر قد يجذب الشعب السعودي إليه. وبالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة، قامت السعودية بإرسال جنود إلى البحرين لقمع الاحتجاجات على الملكية السنية في هذه الجزيرة. كما أن السعوديين يمولون الثوار السنيين في سوريا، ومن جهة أخرى فإن دعمهم للسلفيين في مصر يزيد من الضغط المحافظ على الإخوان المسلمين ذوي الأيديولوجية المعتدلة".

المتشددون: تهديد فعلي

في كثير من الدول الغربية، لا يفهم الرأي العام الفرق بين السنة والشيعة. كما أن الجهلة يميلون إلى الاعتقاد بأن كل الإسلامويين مدفوعون من قبل "الأشرار" في طهران، وأن ملكيات الخليج تقف "إلى جانبنا". هذا محض هراء، فالتشدد السني بنفس خطورة التشدد الشيعي، وعندما يتنافس المتعصبون على كلا الطرفين حول من أساءت إليه الأفلام ورسوم الكاريكاتير أكثر، فإن العنف هي النتيجة الأرجح. وللأسف، فإن هذا التصعيد يخدم المصالح السعودية.

رومني رويتر
طبقاً لهانز ديمبوفسكي، فإن ميت رومني "يلعب على جهل الغرب" بالعالم الإسلامي، وكان من الأفضل له أن يساهم بشكل بناء بدلاً من انتقاد السياسة الخارجية لأوباما فقط.

​​وبشكل خطير يلعب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، ميت رومني، على الجهل الغربي، فهو يتهم أوباما بعدم مساعدة الثوار في سوريا بشكل فاعل، إلا أنه لا يذكر أن بعض هؤلاء المقاتلين هم من المتشددين السنيين. كان من الأجدر به أن يذكر بعض الأفكار البنّاءة التي يمكن أن تستفيد منها حكومات الغرب في إقناع الرياض بدعم القيم الديمقراطية على ضوء الربيع العربي.

 

هانز ديمبوفسكي
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

يشغل هانز ديمبوفسكي منصب رئيس تحرير الدورية الشهرية D+C (التنمية والتعاون).