راديو باخيتا......أثير السلام وصوت من لا صوت له

من المرجح أن سكان جنوب السودان سيصوتون للاستقلال والانفصال عن الشمال. لكن نشوة الاستقلال تحجب خلفها صراعات اجتماعية كثيرة تتفاعل وتتأجج، ولا يمكن حلها إلا من قبل قوى مستقلة تسعى للوساطة وتعمل من أجل السلا م ومنها راديو باخيتا. توماس كروخم يعرفنا بهذه المحظة الإذاعية.

الصورة دويتشه فيله
راديو باخيتا يبث إرساله من جوبا ويركز في برامجه على قضايا السلام والتعايش

​​ يبلغ عدد سكان جنوب السودان 8,3 مليون نسمة، ومن المقرر أن يجري يوم الأحد (09 كانون الثاني/ يناير) استفتاء على تقرير مصير جنوب السودان. ويتفق المراقبون على أن انفصال الجنوب عن الشمال قادم لا محالة، لكن ما لا يعرفه أحد هو كيف ستسير الأمور بعد هذا الاستفتاء، لذلك يكافح راديو باخيتا الكاثوليكي عبر الأثير في جنوب السودان من أجل استفتاء هادئ ومستقبل سلمي لجنوب السودان.

يردد خطباء ومتحدثون في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان أن "كل شيء سيصبح على ما يرام لأنهم سيحصلون على استقلالهم"، لكن في ظل هذه النشوة يزداد عدم الرضا، فالحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان تدير الجنوب منذ ستة أعوام، ولم تتحسن -بشكل يذكر- ظروف الحياة اليومية للشعب، الذي يعاني من شدة الفقر. وكثيرا ما تتكرر الإضرابات التي يقوم بها الناس في المدارس والمستشفيات الحكومية معربين عن سخطهم على النخبة السياسية الجديدة، والتي تتحرك في جوبا مستخدمة سيارات الهامر الأميركية الفاخرة وتبني الفيلات الفخمة على أطراف المدينة. وتزداد حدة الصراعات الاجتماعية في جنوب السودان، الذي لم يصبح بعد دولة مستقلة. صراعات بين الأغنياء والفقراء وبين الجماعات العرقية المختلفة، وكذلك بين الرعاة والفلاحين، وتؤدي هذه الصراعات إلى وقوع ضحايا بين السكان كل يوم.

صوت من لا صوت له

الصورة دويتشه فيله
البنية التحتية في جوبا تعاني من الإنهيار والنخبة السياسية تعيش برفاه

​​ وفي جوبا أنشئ منذ عام 2006 راديو باخيتا، وهو أول محطة إذاعية كاثوليكية في جنوب السودان، ويحمل اسم أول قديسة في الجنوب، ومن أهم أهدافه الوساطة في تلك الصراعات ومكافحة أسبابها والسعي من أجل السلم الاجتماعي. وتقول الأخت سيسيليا سييرا سالسيدو، رئيسة تحرير راديو باخيتا، إن هذا الراديو يمنح الفرصة للناس للتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم وأحلامهم، لذلك يقول الناس إن راديو باخيتا هو برلمانهم. تأتي إلى راديو باخيتا شخصيات مهمة لتعبر عن آرائها، وتناقش موضوعات مهمة، ومن بين هذه الشخصيات وزراء وحزبيون وأيضا ناشطون مسيحيون. ومن يستمع إلى راديو باخيتا يكتشف أن هناك سودانيين جنوبيين من كل الطبقات يتحدثون إلى مواطنيهم ويحثونهم على مشاركتهم أفكارهم، حسب ما تقول رئيسة تحرير راديو باخيتا.

يرى المشرفون على راديو باخيتا أن واحدا من أبرز مهامه مساعدة الناس في جنوب السودان على التغلب على الأحداث الأليمة الكثيرة التي عايشوها إبان الحرب الأهلية. وتقول الأخت سيسيليا إن هناك برنامجا يذاع على الهواء مباشرة اسمه "احكي لنا قصتك"، ويأتي إلى استوديو البث اشخاص يروون قصصاً أليمة حينما كانوا يفرون من القصف تاركين وراءهم أسرهم ومنهم من تعرض للموت، ومنهن من تعرضت للاغتصاب. ويؤكد كثير من هؤلاء أنه لو عاد بهم الزمن إلى الوراء لتصرفوا بشكل آخر.
العمل من أجل الفقراء لا يقل أهمية لدى راديو باخيتا عن التغلب على الذكريات الأليمة، فيشجع الفقراء في جنوب السودان على المطالبة بحقوقهم في المستشفيات الحكومية، ومن بينها حقهم في الكشف عن اصابتهم بمرض السل والعلاج منه. كما يبث الراديو برامج صحية تبين للمستمعين كيفية وقاية أنفسهم وأسرهم من الإصابة بأمراض مثل الملاريا والكوليرا.
عائلات جنوبية أفرادها مسلمون ومسيحيون>

رسائل تعايش

الصورة دويتشه فيله
رئيسة تحرير راديو باخيتا الأخت سيسيليا سييرا سالسيدو من طائفة كومبوي الكاثوليكية

​​ ويقدم الراديو صلوات بسبع لغات، من بينها لغة الدنغا والعربية والإنكليزية، من أجل استفتاء هادئ وحل سلمي للصراعات الاجتماعية، وكذلك من أجل عيش مشترك ودي مع مسلمي جنوب السودان، وهذا ما يوليه أنغيلو لوكويومه الرئيس الحالي لـ "لجنة العدالة والسلام" أولوية كبرى. ويقول لوكويومه إن نزاعات بين المعتقدات المختلفة تحدث هنا وهناك، وفي الوقت ذاته توجد في جنوب السودان عائلات يوجد بين أفرادها من هم مسلمون ومن هم مسيحيون. ومثلا حينما يصوم رجل مسلم فمن المعتاد أن تعد له أخته المسيحية طعام الإفطار، كما يجري الاحتفال سويا بالأعياد الإسلامية والمسيحية وأحيانا ينقل مسلم بسيارته أخته أو أخاه المسيحي إلى الكنيسة ليشارك في الصلوات.

وراديو باخيتا هو المحطة الإذاعية المفضلة للمسيحيين والمسلمين في جنوب السودان، ولا يخشى مواجهة الأقوياء هناك، ففي هذا الراديو ينتقد قساوسة كاثوليك وبكل صراحة استفحال البغاء وعصابات الجريمة في جوبا. ويتساءلون لماذا لا تزال شوارع جوبا بهذا السوء بالرغم من العائدات الحكومية الجيدة من النفط، كما يقوم هؤلاء القساوسة بفضح التعنت الحكومي والفساد. لكن ثمن هذا كبير بالنسبة لراديو باخيتا، إذ أصبح عدوا للنخبة السياسية الجديدة ويواجه مضايقات عديدة، فكثيرا ما يأتي رجال الشرطة إلى مقر الراديو ويعتدون على العمال وأحيانا يأخذونهم إلى قسم الشرطة ويهددنونهم. لكن راديو باخيتا يواصل عمله من أجل استفتاء هادئ ومستقبل سلمي لجنوب السودان.

توماس كروخم
ترجمة: صلاح شرارة
مراجعة: عارف جابو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011

قنطرة

الاستفتاء حول تقسيم السودان:
فرصة تاريخية لإحلال السلام؟
يبدو أن الحكومة السودانية راضية فعلياً عن انفصال الجنوب، وعلى أوروبا ألاّ تتردد في مساعدة كلتا الدولتين السودانيتين، لأن هذه المساعدة ستكون وسيلة لإظهار سياسة سلام أوروبية واثقة الخطى في القارة الإفريقية. المحلل السياسي الألماني فولكر بيرتيس في استعراض للسيناريوهات المحتملة بعد انفصال الجنوب ولفرص السلام التي يمكن أن يأتي بها هذا الانفصال.

خيارات السودان أمام مذكرة توقيف البشير:
العرب خارج نظام العدالة الدوليّة
يري الخبير الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني لدى "مجموعة الأزمات الدوليّة" نديم حاصباني أنّ النخب العربية تضع أنفسها خارج نظام العدالة الدوليّة من خلال دفاعها عن الرئيس السوداني البشير، وتتصرّف وكأن العدالة تستهدفها بدلا من أن تُساعدها على إحقاق العدل لما فيه خير ومصلحة شعوبها.

مشكلة دارفور:
السودان بين الحرب والسياسة
الصراعات المحلية المتشابكة والمتداخلة مع بعضها البعض تدل على الخلفية التاريخية والسياسية في المنطقة التي تعتبر على درجة كبيرة جدا من التعقيد يتساءل فريد هاليداي من معهد الدراسات الاقتصادية في لندن حول مستقبل الحكومة الإسلامية في السودان بعد توقيع اتفاق السلام بين الأطراف المتنازعة. هل سيتوقف القتال في دارفور في ظل الضغط العالمي القائم من قبل محكمة الجنايات الدولية؟ هل من الواقعي التفكير بحل سياسي بعيدا عن تغير ثوري؟