بالصورة والكلمة من أجل أفريقيا

يعتبر عثمان سيمبين الذي توفي في دكار عن عمر يناهز الأربعة والثمانين من الآباء الروحيين للأدب الأفريقي. لكنه سرعان ما نشط أيضا مجال الفيلم السينمائي نظرا لكون ملايين الأفارقة لا يتقنون القراءة. بقلم هاينز هوك

عثمان سيمبين، الصورة: www.ousmanesembene.com
الأديب والسينمائي السنغالي عثمان سيمبين

​​

مما يدل على أنه قد انقضى زمن طويل على نشوء الأدب الأفريقي مظاهر عديدة من أهمها رحيل جيل كامل من أعمدة النهضة الأدبية لهذه القارة في هذه الأثناء مثل ليوبولد سيدار سنغور ومونغو بتي وفرانسيس بيبي والآن عثمان سيمبين الذي وافته المنية في مدينة دكار عن عمر يناهز الأربعة والثمانين بعد أن عانى طويلا تحت وطأة المرض.

كان للأديب عثمان سيمبين دور بارز يشابه دور الكتاب الآخرين المذكورين في إشعال شمعة الأدب الأفريقي ابتداء من الخمسينيات. ألف أول رواياته "عامل تحميل السفن الأسود" في عام 1956 وألف الرواية الثانية التي سماها "يا بلادي، يا شعبي الجميل!" بعد ذلك بعام. تناولت كلتا الروايتين كفاح الأفراد ضد أساليب الطغيان التي لجأ الاستعمار الفرنسي إلى استخدامها في المستعمرات.

تصحيح الصورة الاستعمارية

كان عثمان سيمبين الذي ولد عام 1923 قد عانى الأمرين من أشكال الامتهان التي استخدمها الاستعمار بحق مواطنيه سواء في سياق المرحلة المدرسية عندما طرد من المدرسة بسبب نزاع نشب بينه وبين معلم فرنسي ينحدر من جزيرة كورسيكا أو كجندي خدم في الجيش الفرنسي أو كعامل في مصنع إنتاج سيارات «ستروين» في باريس أو كعامل رصيف في ميناء مرسيليا.

بدأ سيمبين في الكتابة في فرنسا بعد أن تبين له بأن الكتب التي عمد إلى قراءتها حول الشأن الأفريقي في مكتبات سواء الاتحاد العام لنقابات العمال أو الحزب الشيوعي الفرنسي لا تتفق مع وجهاته وتطلعاته، هذا وإن لعبت هاتان المنظمتان دورا بارزا في صقل شخصيته وإدراكه لمجريات الأمور. بناء على هذه التجربة سعى الروائي الأفريقي إلى تصحيح الصورة الاستعمارية القائمة حول أفريقيا من خلال عرض صورة معاكسة متسمة بالأصالة.

السينما كمدرسة

جاء عقد الستينيات لتكون بدايته بمثابة نقطة الانعطاف بالنسبة لعثمان سيمبين. حيث أنه استطاع أن يتبوأ مركزا مرموقا في الحياة الأدبية من خلال نشر رواية "قطع الخشب السماوية" التي تناولت قطاعات واسعة من الحياة وتضمنت سردا لإضرابات العمال الأفارقة الذين عملوا في مؤسسة السكك الحديدية التي امتدت خطوطها بين المدن الأفريقية دكار وتييس وبماكو.

على الرغم من ذلك لم يغفل عن ذهنه بأنه لم يستطع من خلال نشر مثل هذه الأعمال الأدبية مخاطبة إلا شريحة ضئيلة داخل صفوف أبناء بلده حيث لم يتقن قراءة الفرنسية في السنغال إلا قلة قليلة منهم. أما لغة الولوف التي تشكل أهم اللغات المتداولة في بلده فلم تكن في موضع يسمح لها بأن تحتل مرتبة البديل للغة الفرنسية. من هنا رأى سيمبين بأن الفيلم هو المخرج وبالتالي البديل الأفضل لتأليف الروايات.

عمد بعد ذلك إلى دراسة الإخراج السينمائي وتلقى دراسته في هذا المجال في الاتحاد السوفيتي على الرغم من أنه كان في هذه الأثناء أي في عام 1960 قد انسحب من الحزب الشيوعي. أخرج سيمبين عددا كبيرا من الأفلام بلغ مجموعها قرابة 12 فيلما، وكان بعضها مبنيا على قصص وروايات ألفها في السابق. هذا وإن لم يدفعه التركيز على الإخراج السينمائي إلى التخلي عن الكتابة بل ظل يعتبرها "فنا متكاملا يمكن عبره البحث والتمحيص في نفوس البشر على أعمق وجه".

الفيلم وسيلة المضطهد والمستعمر

أما الفيلم السينمائي فقد رأى سيمبين فيه ما يعادل "المدرسة المسائية" أو بعبارة أخرى "منتدى مستديما لكل من الفنان وجمهوره". وقد استخدم سيمبين الفيلم وسيلة يتابع من خلالها كفاحه ضد الاستعمار وغيره من أشكال القمع والاضطهاد.

الجدير بالذكر أن الفرنسيين أيضا اكتشفوا مدى أهمية الفيلم كوسيلة للتأثير على وعي الشعب السنغالي وإدراكه للأمور وفرضوا بالتالي ومنذ البداية على هواهم نمطا احتكاريا للأعمال السينمائية. وقد دفع هذا الأمر سيمبين إلى اللجوء إلى نمط آخر من الكفاح الطويل أي النضال في هذا السياق من أجل تكريس حق الأفارقة في حرية إنتاج ونشر أفلامهم بأنفسهم.

بعد أن نال السنغال استقلاله بدأ توجه سيمبين الفني يتخذ أشكالا جديدة متغيرة. وفي كل الأحوال فإنه لم يصبح بعد هذه المتغيرات مفتقدا للمواضيع التي اقتضت منه اتخاذ المواقف لا سيما وأنه عمد دوما إلى توجيه نقد جذري للسلطة ولسوء استغلالها.

وقد سادته على نحو خاص الخيبة حيال فشل النخب (الرجالية) التي تولت مقاليد السلطة بعد المرحلة الاستعمارية سواء في قطاعات السياسة أو الإدارة أو الاقتصاد في تحقيق الآمال المعقودة عليها.

تناول سيمبين هذه الأوضاع في كتابات ساخرة له مثل "الحوالة البريدية" و "خالا" لكن الفيلمين الذين بنيا على هاتين الروايتين لم يصلا إلى ذات المرتبة العالية التي ارتقى إليها عمله السينمائي الأول " بوروم شاريت" (عربة بوروم). على الرغم من ذلك فإن هذين الفيلمين ينتميان بجانب فيلم "سدو" (1976) إلى أجمل الأفلام الأفريقية التي تم إنتاجها في المناطق الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى.

شخصيات نسائية قوية

حقق الإبداع السينمائي لدى سيمبين ذروة جديدة له فيما كان عمره قد بلغ قرابة الثمانين عاما. فقد بدأ وهو طاعن في السن يسلك مسار زميله جبريل ديوب مامبيتي الأصغر سنا والميال إلى اختبار أنماط حديثة استفزازية، حيث ألف ثلاثية حول "بسطاء الناس" تحمل عنوان "البطولة اليومية".

بطلتا هذه الروايات هما فات كيني في الفيلم الذي حمل نفس هذا الأسم ومامان كوللي في فيلم "مولادي" وهما امرأتان تتحليان بشخصية قوية وإرادة ثابتة وتفرضان نفسيهما على مجتمع يهيمن الرجال على هياكله كما أنهما تلجأن إلى رفض عادات وتقاليد قديمة متوارثة. فات كيني تبدو هناك كامرأة تتولى تربية أبنائها دون مشاركة الأب وتنجح في تحسين وضعها الاجتماعي.

أما مامان كوللي فتتصدى لعرف ختان البنات وتطالب بمنح الحرية لها ولسائر نساء قريتها. وقد نجح سيمبين في كلا هذين الفيلمين في خلق ترابط انسجامي بين عنصري التربية والرومانسية على نحو أضفى على هذين العملين السينمائيين مرتبة القدرة الخلاقة.

كان عثمان سيمبين مثقفا وفنانا فريدا من نوعه، وهو لم يترب في "المدرسة الاستعمارية" ولم يتلق دراسته في باريس أو لندن بل انحدر من عائلة كانت تمارس مهنة صيد السمك في إقليم كاسمنس الواقع في جنوب السنغال وهكذا كتب عليه أن يسلك مسارا عسيرا ويبني نفسه بنفسه.

لم يتكيف سيمبين أبدا مع المناخ المجتمعي والفكري السائد في أوساط النخب السنغالية على الرغم من أنه نال عام 1993 "الجائزة الكبرى" الممنوحة من قبل رئيس الجمهورية. بالمثل لم تنظر هذه النخب إليه كأنه عضو في صفوفها. ففي المذكرات التي ألفها بيراغو ديوب والتي تناولت عرضا مفصلا للأوضاع الأدبية في السنغال لم ترد الإشارة إليه على وجه الإطلاق. لكن تاريخ أفريقيا حول الأدب والفيلم أثبت منذ وهلة طويلة خطأ هذه الوجهة التي تبناها ديوب.

هاينز هوغ
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
صدر المقال في صحيقة نيوه تسورشر تسايتونغ

قنطرة

السينما حينما تقول: لا للتقاليد المشوهة
يعد عثمان سيمبين من أشهر المخرجين السينمائيين في افريقيا، فرغم أنه تجاوز الثمانين إلا انه لم يتردد في الإعلان عن موقفه الأخلاقي والجمالي، في فيلمه الجديد، في قضية تعد من المآسي الإنسانية في أفريقيا ألا وهي قضية ختان النساء.

"تيتانيك" تغرق في نهر النيجر
نجح االسينمائيون النيجيريون في ربط هويتهم الثقافية بالمؤثرات الغربية، وهذا ما ساعدهم على تسويق الأفلام النيجيرية في كل إفريقيا. تحدثت أريانا ميرزا مع المخرج والمنتج النيجيري كابات إسوزا إغبون