بناء مجتمع مسالم عوضا عن جني المال في الخارج

يتخلى الكثير من الصوماليين عن حياة آمنة ودخل ثابت في الخارج ويعودون إلى بلادهم لتقديم المساعدة لشعبهم في شتى المجالات مثل بناء المستشفيات والعمل على احلال السلام ودعم ثقافة الحوار بدلاً من لغة السلاح. تقريربتينا رول

منذ سقوط الدكتاتور سياد بري في كانون الثاني/يناير 1991 ورؤساء القبائل والقادة العسكريين يتحاربون ويحاربون المدنيين أيضاً. وقد فرّ العديد من الصوماليين من براثن الحرب والفوضى بينهم العديد من الأكاديميين: أطباء، معلمين، علماء وصحافيين.

وتعد العاصمة مقديشو حتى لعمال الامم المتحدة منطقة حمراء، فلا أحد منهم يستطيع البقاء لمدة طويلة إذ يسمح لهم فقط بمهام قصيرة المدى.

تتلوى السيدة المستلقية على المضجع الضيق وتتأوه من الألم، فمنذ ثلاثة أيام وهي تعاني من آلام الوضع. وتحاول الممرضة تهدئتها وتشرح لها الخطوات القادمة. بعد قليل سوف ينتهي كل شيئ لأن العملية سوف تجرى لها بعد قليل. قبل ذلك يجب فقط تحضير أوعية الدم الاحتياطي.

انه ليس من البديهي أن تحصل الأم الواضعة على مساعدة مختصة. إن هذا البلد الشرق افريقي ليس لديه حكومة منذ أربعة عشر عاماً وتبعاً لا يملك نظاماً صحياً حكومياً. لذلك ففي أغلب أنحاء البلاد لا تتوفر عناية طبية.

مساعدات طبية

" جميع الأطباء هنا جاؤوا من الخارج. أنا شخصياً عملت طيلة خمسة عشر عاماً في المملكة العربية السعودية. لقد وضعت كل مدخراتي في هذه المستشفى. هدفنا ليس الربح، فنحن نريد أن نقدم على الأقل شيئاً للناس هنا لأنه من جراء الحرب دُمرت حتى المستشفيات والناس هنا فقراء جداً. نحن نطلب من المرضى أجوراً بسيطة فقط لتغطية التكاليف"، كما يقول عبد الرحمن أحمد.

يفتح قسم الطوارئ في مستشفى الحياة في الساعة السابعة صباحاً، فيأتي الرجال والسيدات والأطفال وينتظرون في صالة الانتظار حتى يسمح وقت الطبيب المختص لمعالجتهم: كل حسب حاجته ان كان طبيب أسنان أو طبيب أطفال أو طبيب نسائي أو طبيب أمراض داخلية أو أخصائي مجاري بولية أو قلب أو طبيب جراح أو طبيب أشعة.

يوجد في الطابق العلوي مئة وعشرون سريراً لمرضى المستشفى. ومن بمقدوره يدفع للكشفية الواحدة دولاراً ونصف. ولكن يتم أولاً معالجة المرضى ومن ثم يسألون عما اذا كان بمقدورهم الدفع. يوم الجمعة محجوز للمعدمين، في هذا اليوم يعمل الأطباء مجاناً.

"نتقاضى نحن الأطباء ما بين 500 و300 دولاراً شهرياً، حسب الخبرة والمؤهلات. كنت أتقاضى في السعودية 4500 دولاراً، إضافة الى بيت وسيارة وجميع التسهيلات. كل هذا تركته وجئت الى هنا لمساعدة الناس لانه إن انا لم افعل هذا فمن سيفعله؟"

هذا هو رأي الأطباء الآخرين في المستشفى أيضا. من يود الالتحاق بالمشروع عليه أن يجلب رأس مال معه، حتى يتم تزويد المستشفى بالمعدات الطبية الحديثة. كلٌ وضع كل ما لديه، بين 60.000 و120.000 دولاراً. كانت هذه كل مدخرات طبيب القلب محمد أحمد حسن. في كينيا المجاورة كان الطبيب المختص يتقاضى 9.000 دولاراً شهرياً، في مستشفى الحياة يحصل على 300 فقط.

"كنت في نيروبي أجنبياً. عملي لم يفد أبناء شعبي. انا هنا على العكس سعيد لأني أساعد أبناء شعبي. فبفضل الضرائب التي دفعها آباء وأمهات هذا البلد استطعت الحصول على شهادة الطب. لذلك فعلى مساعدتهم ومساعدة المحوجين".

اعلام من أجل السلام

وقد تم انشاء إذاعة مقديشو الخاصة "هورن أفريك" على أيدي ثلاثة صوماليين تركوا حياتهم الآمنة في الخارج وعادوا الى الوطن رغم الحرب. كل منهم لديه على الاقل شهادة جامعية ووظيفة ثابتة راتبها جيد لدى الحكومة الكندية.

على الرغم من أنهم مندمجون في المجتمع الكندي وعلى الرغم من أنهم كانوا ناجحين في أعمالهم ورغم الخطر الكبير، إلا أنهم قرروا العودة الى ربوع الوطن. علي ايمان شرمكي كان واحداً منهم:

"كان لدينا هدفين اثنين: أولاً نريد إعطاء مجتمعنا ووطننا الأم شيئاً مما قدمه لنا. ثانياً نريد هناك الوصول على المدى البعيد الى مستوى معيشي أعلى مما وصلنا له في كندا. بحثنا عن طريقة نربط بها الهدفين فقررنا العمل في المجال الاعلامي من محض قناعتنا بأن الاعلام يشكل الأساس لمجتمع جيد، فهو يساعد على التطور وفي أيام الحرب يكون أداة سلام ومصالحة".

ويهدف علي ايمان شرمكي وزملاؤه من خلال إذاعتهم الحد من سيطرة السلاح وقادة الحرب ودعم ثقافة الحوار. الاساس لذلك هو نشر معلومات صحيحة وانهاء الدعاية والاساطير. وقد أثبتت الاذاعة نفسها في السنوات الاخيرة كمركز قوة: فقادة الحرب لا يجيبون أسئلة الصحافيين فقط، بل لديهم رغبة في الظهور على الملأ. هذا يدل على انهم لا يثقون بقوة سلاحهم فقط.

"أحياناً يتصل بنا القادة العسكريون عندما يكون هناك تبادل اطلاق نار وقع ضحيته قتلى ويقولون " نريد ان نوضح ان هذا كان حادثاً! لا نريد قتل أحد!" هذا يعني أنه بسرعة البرق انتشرت ثقافة يُعتمد بها على الرأي العام أكثر من السلاح وتحترم بها رأي الجمهور".

لم تجعل "هورن أفريك" أصحابها من الاغنياء حتى الآن. بالرغم من ذلك فلم يندم علي ايمان شرمكي على قراره. المال يستطيع جنيه لاحقاً بعد تحقيق الهدف الاول: جعل المجتمع الصومالي أكثر سلاماً.

تقرير بتينا رول
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع دويتشه فيله 2005

بتينا رول صحفية ألمانية مختصة في الشؤون الإفريقية والعالم الثالث.

قنطرة

"هل كانت إفريقيا مؤهلة للديموقراطية يوما ما؟"
هل ستنجح السياسة التي تنتهجها أوروبا حيال أفريقيا من التخلص من مخالب الاستعمار الجديد؟ حوار مع فرانسوا- كسافير فرشاف خبير الشؤون الإفريقية والناشط في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان في إفريقيا.