تسييس رمضان وحدود الحرية الفردية

تسيطر هذه الأيام الأجواء الرمضانية على مشهد الحياة اليومية في المغرب سيطرة تامة. ولذا فكثيرًا ما يتعرَّض الأشخاص الذين لا يلتزمون بأداء فريضة الصيام من دون سبب مقنع للإقصاء والعزل من قبل القوى الإسلامية في المغرب وجعل ذلك مصدرا للعقوبة. ألكسندر غوبل يسلط الضوء من الرباط على الحريات الفردية في شهر رمضان.

الصورة ا.ب
"حركة زينب الغزوي لا تريد إلغاء النظام الملكي ولا شهر رمضان. بل تريد إن صح هذا التعبير العودة إلى المستقبل - إلى مغرب كان في فترة السبعينيات ليبراليًا في أمور الدين"

​​ اتَّفقت في شهر رمضان 2009 مجموعة من الشباب المغاربة عبر موقع الفيسبوك على الاحتجاج على قانون تجريم الإفطار في رمضان. وخطِّطوا القيام بنزهة وتناول طعام الغداء في غابة المحمدية التي تقع على أبواب مدينة الدار البيضاء. وهذا بحدّ ذاته من أشدّ المحرمات، لأنَّ المجاهرة في الإفطار قبل موعده في شهر رمضان تعدّ في المغرب جريمة يعاقب عليها القانون. وهكذا قامت السلطات المغربية برصد تحرّكات هذه المجموعة على الإنترنت وأحبطت نشاطها هذا في مهده.

وزينب الغزوي المشاركة في تأسيس "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية" (MALI)، تتذكَّر ذلك الحدث وتقول إنَّه تم استقبالهم في محطة قطارات المحمدية من قبل مئات من رجال الشرطة، وتضيف: "كانوا مثل جيش ينتظر إرهابيين. وكان معهم كلاب وأسلحة". وتمت إهانة المحتجين والبصق عليهم وفي آخر المطاف ألقي القبض عليهم؛ واستمر استجوابهم لساعات، حسب قول الغزوي: "ولكن لأنَّه تمت إثارة اهتمام الرأي العام العالمي، قامت الشرطة في النهاية بإغلاق ملفاتنا حتى حين".

مواجهة سلطة الدولة بالخبز

وفي البدء سخر الناشطون من تصدّي رجال الشرطة لهم وجاء في منتدياتهم على موقع الفيسبوك "مائة شرطة ضدّ عشر شطائر". ولكن سرعان ما تحوّل هذا المزاح إلى الجد، وذلك عندما انطلقت في وسائل الإعلام المغربية حملة تحريضية ضدّ المفطرين الذين تلقّوا تهديدات بالقتل في عشرات من الرسائل الإلكترونية. ومع ذلك أكَّد دائمًا أفراد هذه المجموعة على أنَّ نشاطهم هذا غير موجَّه ضدّ المجتمع المغربي أو الإسلام، ولا حتى ضد الصيام بحدّ ذاته، والذي يعدّ على كلِّ حال ركنًا من أركان الإسلام الخمسة.

من أجل المزيد من التسامح

زينب الغزوي ، الصورة دويتشه فيله
تقول الغزوي: يتم استخدام الدين هنا كوسيلة في كلِّ مجال، في السلطة القضائية، وكذلك أيضًا في النقاش العام وفي وسائل الإعلام والسياسة.

​​ وزينب الغزوي تهتم بشيء مختلف تمام الاختلاف؛ كما أنَّ حركتها لا تحتج على الصيام، بل تحتج على تجريم الإفطار العلني في شهر رمضان. وتقول إنَّ هذه الحركة أصابت نقطة حسَّاسة من خلال انتقاد "شمولية الدين الجديدة". وعلى أي حال يتَّضح كلّ شيء من خلال الإجراءات الشديدة التي تم اتِّخاذها من قبل أجهزة الدولة ضدّ بعض الشباب المفطرين.

وتقول الغزوي إنَّهم "يريدون بطبيعة الحال إخافتنا"، وتضيف أنَّ "الأجانب في المغرب لا يجرؤون تقريبًا على تناول الطعام في الأماكن العامة. وتتم معاقبة المسلمين الذين يفطرون سرًا في بيوتهم. ويتم سجن بعض الناس لأنَّ جيرانهم يشون بهم. ولكن الصيام مسألة شخصية بيني وبين الله. والمرء لا يصوم للآخرين - حتى وإن كان يتم إيهامنا بذلك. ولكن كلّ ما يحدث هنا لم تعد له أي علاقة بالعقل!"

الحرية المزعومة في ممارسة شؤون الدين

وخلف هذا الاعتداء المزعوم على حرمة شهر رمضان تكمن قضية سياسية حساسة، إذ يتعلَّق الأمر هنا بالفصل بين الدين والدولة - وكذلك بسلطة النظام الملكي. وفي الدستور المغربي يعتبر الإسلام دين الدولة والملك أمير المؤمنين والممثِّل الأسمى للأمة. ولكن الدستور يضمن لجميع المواطنين "حرية ممارسة شؤون الدين". غير أنَّ الفصل رقم 222 من القانون الجنائي يجرِّم المجاهرة في الإفطار في شهر رمضان ويهدِّد المفطرين بدفع غرامة مالية وبالسجن مدة تصل حتى ستة أشهر.

الصورة أ.ب
الغزوي ضدّ التشدّد في رمضان باعتباره شكلاً من أشكال الضغوطات الاجتماعية

​​ وهذا يشكِّل بالنسبة لزينب الغزوي تناقضًا واضحًا للميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي تعتبر المغرب من الدول الموقعة عليه. وتقول الغزوي هناك في الحقيقة نفاق كبير يكمن خلف هذا التوافق الكبير والمزعوم في آراء أفراد المجتمع في أثناء شهر رمضان، وتضيف: "الإنسان المغربي غير موجود إلاَّ في إطار الأمة، أي الأمة الإسلامية. والإنسان المغربي بوصفه فردًا، مواطنًا في دولة دستورية موجود فقط من الناحية النظرية ولكنه غير موجود في الواقع".

فترة السبعينيات الليبرالية

لم يكن الوضع في المغرب دائمًا على هذا النحو. ولهذا السبب لا تدع الغزوي مجالاً للاعتراض بأنَّ المغرب ما يزال غير جاهز لمثل هذه "التجارب الحديثة". فحتى في فترة السبعينيات كان المغرب فيما يتعلَّق بشهر شهر رمضان أكثر ليبرالية مما هو عليه الآن. وكان على سبيل المثال بوسع الطلاب تناول الطعام والشراب والتدخين أمام الجميع في الجامعات. وهذا أمر لا يمكن تصوّره في يومنا هذا.

وتقول الغزوي: "يتم استخدام الدين هنا كوسيلة في كلِّ مجال، في السلطة القضائية، وكذلك أيضًا في النقاش العام وفي وسائل الإعلام والسياسة. ويجب التفكير فقط في التمييز الذي يتعرَّض له المثليون جنسيًا والمثليات، وبإبعاد الأجانب الذين من المفترض أنَّهم مارسوا هنا التبشير للمسيحية. أنا أعتقد إذا اعترفت دولة ما بأنَّ حقوق الأفراد تأتي فقط في المرتبة الثانية بعد الجانب الديني، فعندها سوف يتم فتح فوهة الشر".

لا يوجد فصل بين الدين والدولة

الصورة ا..ب
تمور للإفطار في شهر رمضان

​​ والمغرب حقَّق بطبيعة الحال تقدمًا كبيرًا، مثلما ترى زينب الغزوي وتقول إنَّ الملك محمد السادس أنهى عهد الملك الحسن الثاني. ولكن هذه الناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان تخشى من أن تكون الدولة قد فقدت تدريجيًا سيطرتها على حماية الحريات الفردية لصالح الإسلاميين؛ لصالح المسؤولين مثل عبد الإله بنكيران، الذي يشغل الآن منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يتمتع بنفوذ واسع. وهو يصوِّر شهر رمضان بصورة تجعله نموذجًا لدولة ترتبط على كلِّ المستويات ارتباطًا وثيقًا بالإسلام.

ويقول عبد الإله بنكيران لن يحدث أبدًا في الدول الإسلامية الفصل بين الدين والدولة. ولا يمكن هنا فصل السلطة السياسية عن الدين، بعكس ما حدث في أوروبا. ويضيف: "دعونا من موضوع المسجد في القرية. نحن مختلفون - لدينا تاريخنا وتقاليدنا، ولا نريد أن نكون مثلكم في الغرب. وأنتم أيضًا لا تريدون أن تكونوا مثلنا!".

ويصف بنكيران المبادرين الذين خرجوا للاحتجاج على قانون تجريم الإفطار في شهر رمضان بأنَّهم محرِّضون ويتَّهمهم بأنَّهم مسيَّرون من مصالح غربية. ويقول: "نحن ندخل في المغرب في عملية تحوّل، ولكننا قادرين على التعامل جيدًا مع ذلك من دون هؤلاء الذين يثيرون الشغب. وهؤلاء الأشخاص هم محرِّضون تافهون، وهم يفهمون الحداثة على أنَّها دولة ملحدة - وهنا نقول كمسلمين: ليس معنا ولا على حساب ديننا. وهنا يعرف معظم الناس أنَّ شهر رمضان يعتبر شيئًا رائعًا".

شطائر بلاستيكية لمواجهة التطرّف

وزينب الغزوي تعلم أنَّ الدين يعدّ ضروريًا لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لثمانية وتسعين في المائة من المغاربة. ولكنها تريد ولهذا السبب بالتحديد الاستمرار في الكفاح - باسم الدين باعتباره حقًا فرديًا؛ وضدّ التشدّد في رمضان باعتباره شكلاً من أشكال الضغوطات الاجتماعية. ومن أجل بلد يصحو من عجزه إزاء استخدام الدين كوسيلة.

وكذلك يتحتَّم في شهر رمضان عام 2010 على السلطات الانتباه للنشاطات التي تتم الدعوة لها في موقع الفيسبوك. وفي هذه المرة يقال إنَّ المتظاهرين يرغبون في إحضار شطائر بلاستيكية. وبهذا ستكون المحاولة الأخيرة للتعبير عن أنَّ الاحتجاج لا يتعلَّق فقط بالصيام. وحركة زينب الغزوي لا تريد إلغاء النظام الملكي ولا شهر رمضان. بل تريد إن صح هذا التعبير العودة إلى المستقبل - إلى مغرب كان في فترة السبعينيات ليبراليًا في أمور الدين. ولكن السؤال المطروح هل ستنجح في ذلك؟ وأمَّا تفسير كيف يجب أن يكون شهر رمضان في المغرب، فهذا على كلِّ حال من شأن الآخرين.

ألكسندر غوبل
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

خواطر رمضانية من المذيعة السابقة في "إم تي في يوروب" كريستيانه بيكر:
"الصوم يجعلني أكثر صفاء وإحساسا بذاتي" وإحساسا بذاتي"
في تسعينيات القرن الماضي وخلال عملها مذيعةً في القناة التلفزيونية الموسيقية "إم تي في يوروب"، كانت كريستيانه بيكر احدى أيقونات البوب. وفي عام 1995 اعتنقت المذيعة الإسلام، حيث تتحدث في هذه المقالة عن تأملاتها وخواطرها في شهر رمضان.

رمضان في ألمانيا
موائد رمضانية تبحث عن نكهة الروحانية
مع بداية شهر رمضان في البلدان الإسلامية أخذت العائلات كل الاستعدادات لاستقبال شهر الصوم بتحضير أطيب الأكلات وتبادل التهاني. لكن هذه الاستعدادات الرمضانية تختلف لدى المسلمين في ألمانيا وتأخذ طابعا خاصا تتداخل فيها المشاعر والأجواء. سارة زروال تستعرض بعض الأجواء الرمضانية في ألمانيا.

شهر رمضان والمسلمون في ألمانيا:
بحث عن الروحانية رغم صعوبة الحياة اليومية
تختلف أجواء شهر رمضان في ألمانيا عمَّا هو عليه الحال في الدول الإسلامية، ما يشكِّل تحديًا من نوع خاص بالنسبة للمسلمين الملتزمين المقيمين في ألمانيا. أولريكه هومِّل أعدت التقرير التالي حول شهر رمضان والمسلمين في ألمانيا.