جسر بين الثقافة الكردية والأدب العالمي

نقل الكاتب والمترجم كاوا نمير تحفة جيمس جويس من الأدب الإيرلندي إلى اللهجة الكرمانجية الكردية. وهو يهدف بترجمة راوية "يوليسيس" -التي تعتبر من أبرز الأعمال الأدبية الحداثية- إلى بناء جسور بين الثقافة الكردية والأدب العالمي. توم ستيفنسون ومراد بيرم يسلطان الضوء لموقع قنطرة على الترجمة العصيبة لهذه الرواية.

الكاتبة ، الكاتب: Tom Stevenson and Murat Bayram

أصعب جزء في ترجمة رواية يوليسيس (أو عوليس) لجيمس جويس إلى اللغة الكردية كان التعامل مع كل النكات البذيئة والألفاظ السيئة. فكيف نترجم "بحر ضغط وعاء الخصيتين" إلى لغة وُلِدت في مجال جبال وسهول غير ساحلية؟ وكيف نلتقط بصورة صحيحة أسلوب الإحالة المرتجلة للاستمناء بشمعة؟ قضى كاوا نمير -المؤلف والمترجم الغزير الإنتاج لكلاسيكيات اللغة الانكليزية إلى الكرمانجية- خمس سنوات في الإجابة على هذه الأسئلة. وفي عام 2017، أكمل نمير ترجمته الأولى الكاملة لـ "يوليسس" جيمس جويس إلى الكردية ومن المقرر نشر النص عبر دار نشر إيفرست في اسطنبول لاحقاً عام 2018. وقد قال نمير خلال مقابلة أجريت معه في اسطنبول خلال جولة لإلقاء محاضرات: "بصراحة لقد كان ذلك صعباً للغاية، ولكنه أيضاً ممتع جداً. فأنا أكن الكثير من الحب لجويس، وأعتقد أن هذا كان ضرورياً للغاية من أجل إتمام العمل". الأدب الكردي يلتقي بالحداثة الطليعية 

تنوع النُسج والتراكيب المختلفة في رواية يوليسيس الإيرلندية يدفع المترجم الكردي نمير ليتجاوز حدود معرفته بلغته الخاصة. (photo: Kawa Nemir)
تنوع النُسج والتراكيب المختلفة في رواية يوليسيس الإيرلندية يدفع المترجم الكردي نمير ليتجاوز حدود معرفته بلغته الخاصة. فإحالات الكتاب الكلاسيكية عنت البحث عن تماثلات في شاعر القرن السابع عشر الكردي الأدبي الكلاسيكي أحمد خاني. وقد استلزم استخدام جويس الموسّع للعامية وللعبارات الاصطلاحية بحثاً في العامية الكردية الشعبية، وهي منطقة يعتقد نمير أنها غير مُستكشفة بالشكل الكافي.

لم تكن الترجمة اختباراً لنمير فحسب، بل أيضاً للغة الكردية بحد ذاتها، التي تملك تقليداً أدبياً طويلاً من الشعر الملحمي ولكنها ليست معروفة بحداثتها الطليعية. بدأ نمير بترجمته في 16 حزيران/يونيو من عام 2012 وأنهاها في عام 2017. وإن استغراق الترجمة الكاملة وقتاً طويلاً لهو نتاج تعقيد يوليسيس أكثر مما هو نتاج فحشها. فالرواية معروفة بشدة بعدم تقليديتها لدرجة أنه خلال الحرب العالمية الثانية اعتقد عناصر من الدولة البريطانية أنها منشور مشفّر مؤيد للألمان مرتب مسبقاً. وكما يقول: "إنها تحفتي الكبرى. حتى ترجمة مسرحيات وسونيتات شكسبير كانت في الواقع مجرد تحضير لترجمة يوليسيس". نمير المولود في إغدير، وهي محافظة ذات أغلبية كردية في شرق تركيا، يعيش الآن في ماردين التي تقع في الجنوب الشرقي. وإضافة لكتابته ست مجموعات من شعره الخاص، نشر أيضاً 25 ترجمة لأعمال إنكليزية إلى اللغة الكردية، بما فيها أعمال شكسبير، وت. س. إليوت، وإيميلي ديكنسون، وويليام بتلر ييتس، وسيلفيا بلاث، ووالت ويتمان. جولة الكتاب التي بدأت في مدينة فان في كانون الأول/ديسمبر 2017 أخذت بنمير إلى المدن: باطمان، وديار بكر، وأنقرة، وتُوِّجت بالمؤلف متحدِّثاً في جامعة البوسفور في اسطنبول. إبقاء الأمور لا سياسية إن المناخ السياسي الحالي في تركيا مشحون، ولا سيما بالنسبة للكرد ولتعبيرات الثقافة الكردية. وعلى مدى الأعوام الثلاثة السابقة يُعتبر أن البلد قد شهد ارتفاعاً ملحوظاً في السلطوية بمصاحبة حملة عسكرية دامية في المحافظات الجنوبية الشرقية التي يغلب عليها الطابع الكردي وحملة حكومية واسعة النطاق لفرض النظام على المعارضة السياسية.بيد أن جولة إلقاء المحاضرات التي قام بها نمير لم تكن محصّنة من صعوبات هذا المناخ. ففي قراءته في مدينة فان، ظهر ضباط شرطة بملابس مدنية وأُفهِم منظمو الأمسية أنه لا ينبغي استخدام كلمة "كردستان". يقول نمير: "يمكنك أن تقول للحضور: ليس لكم حرية طرح أسئلة معينة: فيشعرون بأنهم مُراقبون". في سوريا وإيران والعراق، تعاني أيضاً الثقافة الكردية بسبب الحرب والقمع. "يشعر جيلنا بالخوف والعديد إما رحل بالفعل أو يخطط لترك المنطقة. ومن بقي لا يفعل الكثير لأننا جميعنا في خطر". وتتسم الظروف بالقسوة في جنوب شرق تركيا بوجه خاص. ووفقاً لنمير، فإن المجتمع الأدبي الكردي الصغير الذي بدأ ينشأ هناك منذ بضع سنوات فقط، يشعر الآن بالتهديد بشكل مباشر من قبل حملة الحكومة لفرض النظام. يقول نمير: "لقد أخذوا العديد من أصدقائنا كسجناء سياسيين، مواقعنا على الإنترنت ومنتدياتنا مُراقبة كما أننا لسنا أحراراً في كتابة أي شيء على تويتر على سبيل المثال، وقد كانت السنتان الأخيرتان من أصعب أيام حياتنا". 

منذ صدور رواية "يوليسيس"، اجتذبت الرواية الجدل والتدقيق، بدءاً من محاكمة الفحش في أمريكا عام 1921 إلى بعض "حروب جويس" النصية المطوَّلة.
الحركة الأدبية الحداثية بأكملها بالمختصر المفيد: منذ صدور رواية "يوليسيس"، اجتذبت الرواية الجدل والتدقيق، بدءاً من محاكمة الفحش في أمريكا عام 1921 إلى بعض "حروب جويس" النصية المطوَّلة. تقنية تيار الوعي المستخدمة في "يوليسيس"، والهيكلة الدقيقة والنثر التجريبي -المليء بالتوريات والتهكمات والتلميحات- إضافة إلى توصيفها الغني وروحها الفكاهية الواسعة، أدت إلى اعتبارها واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في التاريخ.

 رغم أن نمير درس كلاً من الأدبين الإنكليزي والأمريكي، وترجم عنهما، ولكنه يرى أوجه شبه في التقليد الأدبي الإيرلندي تُعتبر قيمة للأكراد اليوم. يقول نمير بسبب التاريخ المشترك للاحتلال والغزو البريطاني "تحمل التجارب الاستعمارية للأكراد والإيرلنديين بعض التماثلات، بالطبع يملك الأدب الإيرلندي سويفت، ووايلد، وجويس، وكل تلك الأسماء العظيمة. ومن حيث حالة الأدب العالمي فالأدب الكردي ليس مماثلاً، ولكنني أظن أن هناك نوعاً من الجسر بين اللغتين والأمتين رغم المسافة الجغرافية الكبيرة التي تفصلهما عن بعضهما". مرحباً بكم في تيار الوعي إن تنوع النُسج والتراكيب المختلفة في يوليسيس يدفع نمير ليتجاوز حدود معرفته بلغته الخاصة. فإحالات الكتاب الكلاسيكية عنت البحث عن تماثلات في شاعر القرن السابع عشر الكردي الأدبي الكلاسيكي أحمد خاني. وقد استلزم استخدام جويس الموسّع للعامية وللعبارات الاصطلاحية بحثاً في العامية الكردية الشعبية، وهي منطقة يعتقد نمير أنها غير مُستكشفة بالشكل الكافي.وكما يقول نمير: "تمنحنا يوليسيس الفرصة لاستخدام كل ما نملك، للعب بلغتنا الخاصة وقاموسنا القومي واستكشاف تقاليد جديدة على الأدب الكردي مثل تيار الوعي". [embed:render:embedded:node:17691] تشكّل يوليسيس تحدياً بالفعل في شكلها الأصلي ويريد نمير من القراء الأكراد أن يحصلوا على الأفضل في ترجمته، لذلك فهو يحضّر أيضاً دليل قارئ بالكردية سيفسر بعض الإحالات، واختيارات العامية الكردية ويقدّم الرواية للقارئين الجدد. ووفقاً لنمير فالأدب الكردي، بينما يعترف بتاريخه الخاص، يحتاج إلى تواصل أوثق مع روائع الأدب العالمي. وبعد أن ترجم نمير يوليسيس، فإنه يتطلّع إلى ترويج مجموعة له منشورة حديثاً تضم هايكو مكتوبة بالكرمانجية. وبهدف بناء جسر طويل آخر لزملائه الأكراد لتقليد أدبي آخر جديد، فإن نمير على وشك خوض رحلة أخرى عبر البحار المخضرة المخاط.   توم ستيفنسون / مراد بيرَمترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de