شارون وحماتي - يوميات الحرب في رام الله

اضطرت المهندسة المعمارية وناشطة السلام سعاد العامري إلى قضاء أكثر من شهر مع حماتها أثناء الحصار الإسرائيلي لمقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. تصف تلك الأيام الصعبة في كتابها الذي صدر أخيرا باللغة الألمانية

سعاد العامري، الصورة: منظمة العفو الدولية
سعاد العامري

​​الاحتفاظ بالقيم وروح الفكاهة، هذا هو شعار سعاد العامري في الكتابة وفي الحياة. اضطرت المهندسة المعمارية وناشطة السلام إلى قضاء أكثر من شهر مع حماتها أثناء الحصار الإسرائيلي لمقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. تصف تلك الأيام الصعبة في كتابها الذي صدر أخيرا باللغة الألمانية.

سعاد العامري مهندسة معمارية فلسطينية. حالها كحال الكثير من الناس في مناطق الحكم الذاتي. تضطر يوميا إلى اجتياز العديد من حواجز القوات الإسرائيلية في طريق الذهاب إلى العمل أو التسوق. ولكن أثناء فترة حصار مكتب ياسر عرفات في صيف عام ٢٠٠٢ تغيرت حياتها فجأة.

قوات الجيش الإسرائيلي لم تحاصر فقط مكتب الرئيس الفلسطيني، إنما حاصرت كذلك بيت حماتها البالغ عمرها ٩٢ عامًا. هذا الحصار كان دافعًا لها كي تكتب يوميات خيالية: "شارون وحماتي - يوميات الحرب في رام الله" هو عنوان كتابها الذي صدر في البداية في إيطاليا ثم ترجم إلى الألمانية ونشرته الآن دار فيشَر.

فكاهة لاذعة وسخرية حزينة

تصف سعاد الفترة ما بين الـ١٧ من تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠١ والـ٢٦ من أيلول/سبتمبر ٢٠٠٢ وتتناول أحداثًا هزلية غير معقولة وأخرى مضحكة وحزينة، كانت تحدد مسار حياتها وحياة أصدقائها والأُسر التي في محيطها.

مثلاً عندما راحت سعاد العامري تبحث مع صديقتها عن ابنها، الذي قُتل فيما بعد برصاص الإسرائيليين. تختلط ذكريات قديمة مع القصص اليومية أثناء شهور الاحتلال. وفي تلك الفترة تقع الأيام الـ٣٤ التي تحتم على سعاد العامري قضاءها وحيدة مع حماتها. فبينما كان شارون يجعل من حياة الفلسطينيين في الخارج جحيمًا، تساهم الحماة بدورها في خلق صعوبات في البيت.

أسلوب سعاد العامري اللاذع والفكاهي هو الذي يخلق صورة حية عن حياة الفلسطينيين. فهذا الأسلوب يتيح لنا نظرة أخرى إلى الواقع خلف الصور المعتادة لرماة الحجارة الشباب والاعتداءات.

توفير قيم للجيل الجديد رغمًا عن العنف

درست سعاد العامري، البالغ عمرها ٥٠ عامًا، الهندسة المعمارية في بيروت والولايات المتحدة الأمريكية وإسكوتلندة. وتعيش حاليًا في رام الله وتدرِّس في جامعة بير زيت. كما تشغل منصب رئيسة "مركز المعمار الشعبي" المعروف باسم رواق، وهو منظمة أهلية غير ربحية تعنى بحماية وترميم المباني الفلسطينية.

دعت منظمة العفو الدولية المهندسة المعمارية والكاتبة بسبب نشاطها الإنساني إلى معرض الكتاب في فرانكفورت هذه السنة لتتحدث عن الوضع في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية.

من عام ١٩٩١ حتى عام ١٩٩٣ كانت عضوة في بعثة فلسطينية من أجل السلام في واشنطن، وقد دعت إلى إيقاف العمليات الانتحارية الفلسطينية، فالعنف لا يمكن أن يكون حلاً بالنسبة لها:

"إن القيود تُفرض على حياتنا كفلسطينيين في كل لحظة وفي كل ساعة. وأكبر تحدٍ أجده هو أن أعيش في ظل احتلال ومع ذلك أبقى أمارس القيم الإنسانية، وحياتي مهددة. لا يعرف أبناء الجيل الجديد في فلسطين أي شيء غير الاحتلال. لهذا السبب من الضروري جدًا إقناعهم بأن هناك قيما في المجتمع وبأن العنف يؤدي إلى طريق مسدودة".

تسوية بين فلسطين وإسرائيل

عقد تسوية، كلمة سحرية في الحياة السياسية، ولكن أيضًا في حياة كل فلسطيني، مثلما تقول ناشطة السلام سعاد العامري. ولكن دون أن ننسى التاريخ الطويل لتشريد الشعب. لقد تم تشريد عائلة سعاد قبل ٥٠ سنة من يافا:

"لا نستطيع إرجاع التاريخ إلى الوراء. هكذا هي مشكلة اللاجئين، فهي موجودة في كل مكان. ووطني هو يافا وسيبقى يافا، ولا يجوز أن ننسى أن أكثر من ٨٠٠٠٠٠ فلسطيني طردوا مما يسمى اليوم إسرائيل. بيد أني أؤمن بالتسوية التي سنعقدها رغم تاريخنا المحزن".

يمكن للحب أن يكون قاتلاً

مع مفاوضات السلام في أوسلو عام ١٩٩٣ اقتربت التسوية: "شعرت لأول مرة أن إسرائيل أيضًا تريد السلام. لكن رابين اغتيل فيما بعد، ولم يكن ذلك صدفة. أما اليوم فلن نقدر على صنع السلام لوحدنا، إذ أننا بحاجة إلى مساعدة من أوروبا. ولا بد أن يتوقّف الحب تجاه إسرائيل وحدها، فهذا الحب مدمر بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين".

ويبدو أن روح الفكاهة بالنسبة لسعاد العامري تعتبر مثل العلاج في طريق السلام الطويلة؛ وهي تستطيع أن تكسب جمهورا واسعا من القراء عبر ملاحظات لاذعة مثل: "ربما استطيع العفو عن شارون، لبقائي طيلة ٣٤ يومًا مقطوعة عن العالم الخارجي. لكن لن أغفر له أبدًا قضائي تلك الأيام مع حماتي".

بقلم بترا تابيلينغ، قنطرة 2004 ©
ترجمة رائد الباش

مركز المعمار الشعبي هنا