كتاب "أحكام النساء"- إنصاف للمرأة أم حرب عليها؟

قامت هناليز كولوسكا، المتخصصة في دراسات اللغة العربية، بترجمة أشهر موسوعة في الأوساط الإسلامية المحافظة لأحاديث النبي التي جمعها الفقيه ابن الجوزي حول صورة المرأة في الإسلام. هل تؤكد هذه الترجمة الصورة المطبوعة في الأذهان عن عداوة الإسلام للمرأة أم تبرز من خلال تلك الأحاديث تفهما للمرأة؟ شتيفان فايدنر في قراءة لهذا الكتاب وأهمية صدوره باللغة الألمانية.

​​تنتشر في الأوساط الإسلامية منذ العصور الوسطى موسوعات مشروحة لأحاديث النبي حول هذا الموضوع. ومن بين هذه الموسوعات كتاب "أحكام النساء" للفقيه البغدادي ابن الجوزي المتوفى عام 1200، الذي يُعد أكثر الكتب قراءة حتى اليوم، والذي قامت بترجمته هذه الأيام إلى اللغة الألمانية البرلينية هناليز كولوسكا المتخصصة في دراسات اللغة العربية.

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا: هل تتفق رؤية الفقيه المنتمي إلى العصور الوسطى مع رؤية من يقول بعداوة الإسلام للمرأة أم ستبرز هذه الترجمة تفهما آخر للمرأة؟ إن مجرد نظرة عابرة على عناوين الفصول القصيرة الـ110 تكفي للتشاؤم، فعلى سبيل المثال يحمل الفصل الستين عنوانا عجيبا لتخويف النساء من اقتراف الذنوب وإخبارهن بأنهن أكثر أهل النار. ففي الحديث عن جابر بن عبد الله قال رسول الله للنساء: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم! فقامت امرأة سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير".

حالة ميئوس منها

قد يكون من الظلم أن يؤاخذ المرء القارئ، والقارئة على وجه الخصوص، إذا قام بغلق الكتاب عند هذا الموضع لأنه يعتبر عداوة الإسلام للمرأة من الحالات الميئوس منها. وقد يتصرف القرّاء بنفس الأسلوب الذي تعامل به الباحثات المسلمات من أصحاب الأيدلوجيات النسوية مع الجوزي، حيث تحكمن عليه أنه مثال للفكر الذكوري وعداوة المرأة.

ولأن كتاب "أحكام النساء" يعتبر من الكتب المهمة ويحظى بتقدير بين الأوساط الإسلامية المحافظة فإن المرء يجده بسهولة في طبعات جديدة عديدة. وتعتبر ترجمة كتاب ابن الجوزي إلى اللغة الألمانية من الأهمية بمكان ليس لأنها تعطي تصورا مخالفا لما هو مطبوع في الأذهان عن عداوة المرأة ولكن مدخلا لإدراك عداوة الإسلام للمرأة.

المرأة في السعودية، الصورة: د.ب.ا
هل تصلح قوانين العصور الوسطي للقرن الحادي والعشرين؟ سؤال يطرح اليوم بشدة

​​وقد ساعدت الشروح الدقيقة التي قدمتها الناشرة على الوقوف على الحجج المثيرة للجدل، مع العلم أن مثل هذه الكتب المعادية للمرأة توجد أيضا في العصور الوسطى للمسيحية واليهودية، إلا أنها - على العكس من الإسلام - لا يكاد يستشهد بها أحد اليوم. لهذا فقد حاولت هناليز كولوسكا طرح صياغة في تفسيراتها تجعل استشهاد المسلمين المحافظين الاستشهاد بابن الجوزي من الصعوبة بمكان.

ختان المرأة كموضوع مثير

ومن الأمثلة التي تعتبر عند بعض النقاد فقرة استفزازية، تلك التي يطالب فيها ابن الجوزي بختان المرأة، حيث ذكر الحديث "أنه كانت في المدينة احدى الخاتنات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم 'اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج'.

وقد قصد رسول الله بقوله 'اخفضي ولا تنهكي' أي لا تبالغي في القطع وأن يكون القطع بالقدر الذي لا يؤثر على الشهوة ولا يُذهب اللذة الجنسية، فمثل هذا الختان المبالغ فيه يؤدي إلى فتور الحب بين الزوجين، ومن ثم يؤدي إلى الحيلولة دون الوقوع في الزنا.

ختان النساء في الصومال
"من الأمثلة التي تعتبر عند بعض النقاد فقرة استفزازية، تلك التي يطالب فيها ابن الجوزي بختان المرأة"

​​إن نظرة دقيقة على ما أورده ابن الجوزي من أحاديث نبوية كدليل على ذلك يبين أنها ليست مقياسا بين معظم الفقهاء، ودليل على ذلك أن الحنابلة المحافظين التابعين لمدرسة ابن الجوزي يرفضون ختان المرأة. ومن هذا المنطلق تحديدا يجب نقد ممارسة إجراء الختان، حيث تكتب الناشرة: "إن شيخ المفسرين ابن الجوزي لا يشك فيه أحد في الأوساط التقليدية لأن النصوص التقليدية المدونة تمنح المؤلف قدرا من الإجلال. كما أن الباحثين والباحثات من أصحاب الأيدلوجيات النسوية فوّتوا فرصة كبيرة (...) للفت النظر إلى المأثورات الواقعة تحت التأثير في كتاب "أحكام النساء". كما أن كتاب ابن الجوزي يحتوي على قوة هدامة تقف أمام اكتشاف هذه المأثورات الهامة، وهذه القوة يجب اكتشافها".

نظرة نقدية للمصادر

غلاف الكتاب بالألمانية
"مثل هذه الكتب المعادية للمرأة توجد أيضا في العصور الوسطى للمسيحية واليهودية، إلا أنها - على العكس من الإسلام - لا يكاد يستشهد بها أحد اليوم"

​​بكل بساطة لا ينبغي أن يترك المرء مصادر الإسلام الرجعي لأيدي الإسلاميين المتشددين. وقد تكون النسخة الألمانية لكتاب "أحكام النساء" لَبِنة لتحقيق البرنامج المنشود. ولا ينبغي أن نلقيَ باللائمة على الكاتبة أو دار النشر لكون الكتاب ليس مادة ممتعة وأنه يثير استياء القارئ والقارئة - غير المؤهل - أكثر من إمتاعهم. ويبقى السؤال عما إذا كان تصحيح النظرة الإسلامية التقليدية المعادية للمرأة في مقال قوي قد يكون أقرب للإقناع وأسهل على القارئ، وفي النهاية عمّا إذا كان من الأفضل عرض النصوص الإسلامية التي تستميل قرّاء اليوم بدلا من تلك التي تثير لديهم إعراضا - له ما يبرره – بمجرد البدء في القراءة.

شتيفان فايدنر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2009

كتاب "أحكام النساء"، تأليف ابن الجوزي، ترجمه من العربية ونشره هناليز كولوسكا، دار النشر Verlag der Weltreligionen im Insel Verlag 2009، 324 صفحة،

قنطرة

كتاب "الجسد والصورة والمقدس في الإسلام" لفريد الزاهي:
ثنائية الصور والتأويل... وجدلية التقديس والمقدس
لا يمكن تناول قضية الجسد في الإسلام دون الحديث عن كتابات عبد الكبير الخطيبي وفريد الزاهي وعبد الوهاب بوحديبة وفاطمة المرنيسي. فهذه أسماء خدشت نرجسية الفكر الإسلامي وأعادت قراءته من منطلقات أخرى ووفق مناهج مغايرة، وكان على رأس الأسئلة التي طرحتها، سؤال الجسد في الإسلام وموقعه في الرؤية الدينية وعلاقته بالمقدس وأنماط تمظهره الاجتماعية، مثلما يوضح رشيد بوطيب في مقالته الآتية.

كتاب "الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر" للبروفيسور روهه:
"فهم الشريعة يجب أن يقترن بالسياقات التاريخية"
في كتابه الجديد "الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر" يبين أستاذ القانون والمختص في الدراسات الإسلامية، ماتياس روهه، الجوانب التاريخية ونماذج التفسير للشريعة الإسلامية والتي أخذت تظهر على الساحة من جديد في ظل الجدل حول دور الإسلام في الحياة العامة في القارة الأوروبية. مارتينا صبرا تعرفنا بالكتاب.

"من الذي يخشى من الإسلام؟"- نقاش بين كيليك وطارق رمضان:
مسلم أقل إسلاما ليكون أوروبيا أفضل؟ ؟
هل يشكِّل الإسلام جزءًا من الواقع الأوروبي أم تهديدًا قادمًا من الشرق؟ يدور في أوروبا منذ أعوام جدال ساخن حول تحديد مكان الإسلام في الحياة العامة، حيث عقد مؤخرا في برلين مؤتمر جمع شخصين يعتبران من أكثر الشخصيات جرأة في هذا الجدال - عالمة الاجتماع التركية الألمانية، نجلا كيليك والباحث السويسري المختص بالعلوم الإسلامية، طارق رمضان. سارة ميرش حضرت المؤتمر وتطلعنا على أهم النقاشات التي دارت فيه.