إعادة اكتشاف رسالة الإسلام الاجتماعية

يرمز الإسلام بمفهومه الصحيح للمساواة والأخوة، ليس فقط في المساجد، بل كذلك خارج نطاق المجتمع الإسلامي كما يرى محمد عبد الصبور، السكرتير العام لشبكة العمل الإسلامية الآسيوية في بانكوك. يوغي سيكاند التقاه في تايلاند وتحدَّث إليه حول الرؤية التقدّمية للإسلام.

 أعضاء الجمعية، الصورة: أمان
تفسير تقدّمي للإيمان - شبكة العمل الإسلامية الآسيوية، أمان تعمل بالتعاون مع ممثِّلين عن طوائف دينية أخرى من أجل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية

​​ خجول بيد أنَّه رجل يستحق المحبة وهو أصيل وطني رائع - هكذا يمكن وصف محمد عبد الصبور البالغ من العمر خمسة وخمسين عامًا؛ رجل يحمل رسالة. وهو مؤسس شبكة العمل الإسلامية الآسيوية Asian Muslim Action Network التي تتَّخذ من بانكوك مقرًا لها ويعتبر سكرتيرها العام. ونشطاء هذه الشبكة يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية والحوار بين الأديان. والاسم المختصر لشبكة العمل الإسلامية الآسيوية هو "أمان" AMAN الذي يعني "السلام" باللغة العربية وبالعديد من اللغات المشابهة. وقد التقيت بمحمد عبد الصبور في مكتبه البسيط في ضاحية من ضواخي بانكوك.

خواص القيم الدينية في آسيا

ولد محمد عبد الصبور في قرية تقع في المنطقة التي كانت تعرف في السابق باسم شرق باكستان ويطلق عليها في يومنا هذا اسم بنغلاديش. وبدأ بعد الحرب المدمِّرة التي أدَّت إلى تأسيس هذه الدولة الجديدة العمل لصالح جمعة غير حكومية تستقر هناك. ويقول محمد عبد الصبور: "كنت أعمل قبل كلِّ شيء من أجل العائلات الهندوسية في سيلهيت Syhlet الواقعة في شمال بنغلاديش، هذه العائلات التي تضرَّرت كثيرًا جرَّاء الحرب. فالجيش الباكستاني قام بحرق وقتل الكثيرين منهم".

محمد عبد الصبور، الصورة: أمان
يقول محمد عبد الصبور: "تعرَّفت من خلال العمل المشترك مع نشطاء اجتماعيين مسيحيين وبوذيين وهندوسيين على أنَّه كان يجب علينا بدورنا نحن المسلمين بذل جهود عملية"

​​ وهذا العمل جعله يقيم اتِّصالات مع صندوق التنمية الثقافية الآسيوية ACFD
الذي يعتبر شبكة من النشطاء والمتعلِّمين الآسيويين ذوي خلفيات دينية مختلفة، كانوا يبحثون عن حلول آسيوية خاصة من أجل مشكلات آسيا التي تعتبر أيضًا خاصة من نوعها وكلّ ذلك بإلهام من القيم الدينية الآسيوية الطبيعية. وفي عام 1979 تم انتخاب محمد عبد الصبور في مجلس رئاسة صندوق التنمية الثقافية الآسيوية وكان حتى ذلك أصغر أعضاء هذه الشبكة. وهاجر إلى بانكوك، حيث بقي يقيم فيها حتى يومنا هذا.

يقول محمد صادق متذكِّرًا: "أثناء كلِّ تلك الأعوام التي كنت أعمل فيها لصالح صندوق التنمية الثقافية الآسيوية كنت أعجب مرارًا وتكرارًا بكيفية عمل المسيحيين والبوذيين والهندوسيين على جبهات مختلفة تمام الاختلاف ولأنَّهم لا يفعلون ذلك فقط بإلهام من تصوّراتهم الدينية، بل لأنَّهم ينظِّمون عملهم بشكل جيِّد. وكانوا يناضلون من أجل التضامن ضمن طوائفهم ومن أجل حقوق المرأة ويعارضون كلَّ أشكال التمييز والقمع على المستوين المحلي والدولي".

أسير في الروتين الإقطاعي

وثم يتابع قائلاً: "ولكن في الوقت نفسه اكتشفت بدهشة مدى تخلّف المسلمين من هذه الناحية؛ إذ توجد لديهم جمعيات ومنظَّمات البر والإحسان الخاصة بهم من أجل جمع المال للمساجد والمدارس. ولكن على الرغم من أنَّ هذا يشكِّل بطبيعة الحال واجبات ضرورية، إلاَّ أنَّه لا يكفي من ناحية أخرى من أجل معالجة المسائل الاجتماعية الملحة".

ويضيف: "كنت أعرف الكثير من المنظَّمات والجمعيات الإسلامية التي كانت تتحدَّث عن العدالة، بيد أنَّ ذلك كان يحدث في أغلب الحالات بصيغة كتب أو محاضرات. وتعرَّفت من خلال العمل المشترك مع نشطاء اجتماعيين مسيحيين وبوذيين وهندوسيين على أنَّه كان يجب علينا بدورنا نحن المسلمين بذل جهود عملية؛ كان يجب علينا وضع حلم العدالة الاجتماعية بصورة عملية موضع التنفيذ".

جانب من ندوات الشبكة في بنغلادش، الصورة: أمان
: يشكِّل الحوار بين الأديان واحدة من أولويات شبكة العمل الإسلامية الآسيوية؛ الراهب البوذي بوذياغاما شاندرارتانا من سريلانكا والمحاضر تان شي كيونغ من هونغ كونغ في ندوة أمان في بنغلاديش

​​ وثم بدأ محمد عبد الصبور في عام 1990 الحديث مع العديد المتعلِّمين المسلمين التقدِّميين في العديد من البلدان الآسيوية من أجل فعل ذلك. واجتمعت مجموعة صغيرة منهم من الهند وباكستان وبنغلاديش وتايلاند في شهر أيلول/سبتمبر من العام نفسه في شيانغ ماي Chiang Mai في شمال تايلاند وهكذا تم تأسيس أمان، شبكة العمل الإسلامية الآسيوية. وتم تعيين الفقيه الإسلامي المشهور أصغر علي إنجينير Asghar Ali Engineer من مومباي رئيسًا للشبكة وتم انتخاب محمد عبد الصبور سكرتيرًا عامًا لها. وحسب قول محمد عبد الصبور فإنَّ هدف الشبكة "في الأساس هو إيصال الأفكار الإسلامية التقدّمية إلى الشباب المسلم".

"الفهم الصحيح للإسلام"

كثيرًا ما تجعل الإمكانيات المالية المحدودة المتوفِّرة لدى هذه الشبكة من عملها مغامرة متعبة. ومحمد عبد الصبور يرى أنَّه من الضروري إشراك علماء المدارس الإسلامية في العمل وبشكل أقوى بكثير مما تم حتى الآن، وذلك نظرًا إلى التأثير الكبير الذي يمارسه هؤلاء العلماء التقليديون على الكثير من أبناء الطوائف الإسلامية.

ويقول محمد عبد الصبور: "المدارس الإسلامية ضرورية وهذا أمر واضح كلَّ الوضوح، لكن الطلبة يحتاجون إلى إطلاعهم بشكل أكثر شمولاً على عدد كبير من المسائل الراهنة، وهنا يكمن النقص لدى الكثيرين".

ويضيف: "إنَّ الفهم الصحيح للإسلام يعلِّمنا هذا بشكل لا يمكن إساءة فهمه. فالإسلام يرمز للمساواة والأخوة ليس فقط في المساجد، بل كذلك في المجتمع. ولكن تتم ممارسته في يومنا هذا على هذا النحو في حالات نادرة جدًا. والإسلام يضمن حقوق الإنسان لكلِّ الناس وليس فقط للمسلمين. وهو يعلِّمنا احترام الآخرين. ويجب علينا إعادة النظر في الكثير من مبادئ إيماننا القديمة، من أجل إعادة اكتشاف ما أعتبره جوهر رسالة الإسلام الاجتماعية."

"يجب أن يسير العلم والعمل يدًا بيد"

وفي هذا الصدد تبرز ضرورة التعاون الوثيق مع العلماء المسلمين التقليديين، وذلك لأنَّ الكثيرين منهم ما يزالون يخطئون في تقدير رسالة القرآن السمحة، حسب تعبير محمد عبد الصبور. فإذا فهم المرء القرآن فهمًا صحيحًا فسيجد أنَّ الأمر يتعلَّق فيه أيضًا بحقوق المرأة والمحتاجين والمضطهدين، بالإضافة إلى حقوق معتنقي الديانات الأخرى.

من منشورات الشبكة، الصورة: أمان
يتم دعم مجلة أمان بمعونات مالية تقدِّمها منظَّمة أكشن آيد Action Aid

​​ ومحمد عبد الصبور مقتنع بأنَّه "يجب أن تسير الأبحاث والنشاطات والعلم والعمل يدًا بيد، حتى يكونوا فعَّالين". وثم تحدَّث بإعجاب عن خطط شبكة العمل الإسلامية الآسيوية، أمان بالتعاون مع جامعة إندونيسية للبدء بعد فترة قريبة بمنح درجات الماجستير في تخصص الدراسات السلمية.

ويتم تمويل الجزء الأكبر من نشاطات شبكة العمل الإسلامية الآسيوية، أمان من قبل جمعيات ومنظَّمات غير حكومية غربية معظمها مسيحية وكذلك من قبل مؤسسة بوذية تتَّخذ من اليابان مقرًا لها؛ وكذلك يتم دعم مجلة أمان بمعونات مالية تقدِّمها منظَّمة أكشن آيد Action Aid. وعلى الرغم من أنَّ محمد عبد الصبور حاول إيجاد مصادر تمويل جديدة من خلال مخاطبته العديد من محبي الإنسانية المسلمين والجمعيات والمنظَّمات المسلمة الذين يمكن أن يقدِّموا المساعدة، إلاَّ أنَّه كان حتى الآن قليل النجاح.

ويقول متأسِّفًا إلى حدّ ما: "يمكن أن يتبرَّع الكثيرون منهم بأموال من أجل المساجد والمدارس أو من أجل دعم مللهم ونحلهم وتصوّراتهم عن الإسلام، ولكن ليس من أجل هذا النوع من المساعدة العملية". وثم يفكِّر بصوت مرتفع: "ربَّما لا يكونوا على علم بأنَّ هناك شيئًا كهذا".

"نحن لا نستطيع إقامة علاقات بالأموال"

أصغر علي إنجينير
حصل أصغر علي إنجينير، رئيس شبكة أمان في عام 2004 على جائزة نوبل البديلة Right Livelihood Award عن إسهامه في تشجيع التسامح مع الأديان الأخرى

​​ "أنا لا أستطيع تصوّر أي من الشيوخ الوهَّابيين المحافظين السعوديين الذين يرصدون دولاراتهم النفطية لمبادرات تحفِّز الإمبريالية الغربية والعقيدة الإسلامية السلفية المتشدِّدة أو التطرّف؛ وكذلك لا أستطيع تصوّر كيف يبذلون جهودًا من أجل حقوق المرأة والمعمورة أو التضامن بين المسلمين ومعتنقي الديانات الأخرى - وهذه هي على وجه التحديد الأهداف التي كرَّست شبكة العمل الإسلامية الآسيوية، أمان نفسها من أجل تحقيقها".

"يجب علينا الاستمرار في محاولة كسب المنظَّمات الإسلامية والمسلمين الأثرياء إلى جانبنا. وربما يكون البعض يريدون بالفعل المساعدة ولكنَّهم لا يعرفون كيف يتوفَّقون في فعل ذلك"، على حدّ قول محمد عبد الصبور الذي يتابع قائلاً: "وبالإضافة إلى ذلك يجب علينا الاستمرار في رفع أصواتنا ضدّ كلِّ أشكال الاضطهاد، ضدّ الأمية والتمييز في مجتمعاتنا. ولا بدّ على المستوى العالمي من الاستمرار في مقاومة الإرهاب والحرب، بكلِّ الصور الإسلامية وعلى المستويين المحلي والدولي. وعند ذلك فقط نستطيع إسماع آرائنا ومطالبنا".

وثم أضاف عندما عاد إلى السؤال عن المتبرِّعين قائلاً: "نحن لا نستطيع إقامة علاقات بالأموال. ونحن نحتاج أشخاصًا بسطاء أصيلين ويعملون بحماس وبدوافعهم الخاصة، ويتمتَّعون بقدر حسن من الاستعداد للتضحية ولا يقدمون على فعل شيء إلاَّ عندما يتقاضون أجره". وقال لي مضيفًا عندما أردت النهوض: "وهذا هو بطبيعة الحال ما يحدِّد التديّن".

يوغي سيكاند
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

شبكات إسلامية ليبرالية في إندونيسيا:
حركة مضادة للإسلام السياسي
تشكلت في إندونيسيا في السنوات الأخيرة شبكة من مختلف المنظمات الإسلامية غير الحكومية من أجل فهم معاصر للإسلام الذي يقوم على التسامح وتعزيز حقوق المرأة والحفاظ على العلمانية والتعددية في المجتمع الإندونيسي ومواجهة أشكال التعصب الديني والتيار السلفي الأصولي. آريان فاريبورز يستعرض نشاطات بعض هذه الشبكات.

المسلمون والمسيحيون في اندونيسيا:
حوار الأديان في زحمة ثقافة العنف
على الرغم من أن حرية الأديان تشكل أحد ثوابت الدستور الاندونيسي، إلا أن الأزمة الاقتصادية والسياسية وغياب الفهم الصحيح للإسلام زاد من حدة الصدامات بين المسلمين والمسيحيين. آريان فاريبورز يرصد بعض مظاهر عمل المنظمات الإسلامية الليبرالية و الكنائس المسيحية في تشجيع الحوار والتصدي للتطرف.

الإسلام والديموقراطية في إندونيسيا:
البحث عن أجوبة إسلامية جديدة لأسئلة الحياة والواقع السياسي
يرى البعض في أندونيسيا أن الحزب الإسلامي الجديد الناجح "ب. ك. س" يشكل بديلا معتدلا للتيار الإسلامي المتطرف. تقرير اليزابيت فوللر كولنز وإحسان علي فوزي.