حركة مضادة للإسلام السياسي

تشكلت في إندونيسيا في السنوات الأخيرة شبكة من مختلف المنظمات الإسلامية غير الحكومية من أجل فهم معاصر للإسلام الذي يقوم على التسامح وتعزيز حقوق المرأة والحفاظ على العلمانية والتعددية في المجتمع الإندونيسي ومواجهة أشكال التعصب الديني والتيار السلفي الأصولي. آريان فاريبورز يستعرض نشاطات بعض هذه الشبكات.

​​تُعدُّ مجموعة الجزر التي تتألف منها دولة إندونيسيا مثالاً للتسامح الفعلي حتى يومنا هذا، حيث تتعايش في هذه الدولة أعراق وطوائف دينية متنوعة بسلامٍ إلى جانب بعضها بعضا. "الوحدة في التنوُّع" هو عنوان فهم هذه الدولة العلمانية لذاتها، وهي تستند بذلك إلى ما يسمى بفلسفة "بانكاسيلا"؛ الفلسفة التي يقوم عليها نظام الحكم في إندونيسيا منذ عام 1945، والتي تتخذ من وحدة اندونيسيا والإيمان بإله واحد والديمقراطية أساسا لها. وفي هذا السياق تسعى الدولة إلى دمج الأديان على اختلافها كالإسلام والبوذية والهندوسية وكما تسعى لدمج اللغات والثقافات المتنوعة أيضًا.

تقدُّم المسلمين المتزمتين في إندونيسيا

لكن منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي وعلى خلفية تنامي المشاكل الاجتماعية التي أُعطيَت صبغةَ النزاعات الدينية، ازدادت أعمال العنف ضد الأقليات، وأصبحت مجموعات صغيرة من الإسلاميين المتطرفين المنشقين تُهدِّد السلم الاجتماعي.

ومع نهاية حقبة الديكتاتور سوهارتو وبداية ما يُسمَّى بعهد الإصلاح في نهاية تسعينيات القرن الماضي أصبح تقدم الديمقراطية في الدولة والمجتمع الإندونيسيين ملموسًا بالفعل. بيد أنَّ هذه الحريات الجديدة لم تعُد بالفائدة على الأحزاب الليبرالية وعلى الناشطين في المجتمع المدني الذين يعملون من أجل نشر التسامح والديمقراطية فحسب، بل أيضًا على ممثلي الإسلام المتطرف.

يحقق الإسلام السياسي اليوم تقدمًا واضحًا في إندونيسيا، حيث إنَّ مجموعات مثل جبهة الدفاع عن الإسلام (FPI) أو حزب العدالة والرفاهية (PKS) تنادي بإسلام محافظ وأحادي الجانب، كما يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل أنحاء البلاد ويخوضون معركةً شرسةً ضد كل ما يفترضونه فجورًا أو انحلالاً أخلاقيًا في المجتمع.

نضال من أجل كسب الرأي العام

مسجد الاستقلال في جاكرتا، الصورة: آريان فاريبورز
اندونيسيا أكبر بلد إسلامي مع كثير من التنوع الإثني والديني

​​تأسس عدد وافر من المجموعات الإسلامية الليبرالية التي تسعى لمواجهة الإسلام المتطرف في أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث التعداد السكاني. ومن هذه المجموعات "شبكة الإسلام الليبرالي" Jaringan Islam Liberal التي تعمل في العاصمة جاكرتا منذ عام 2001.

وتهدف المنظمة إلى دعم تفاعل المجموعات الإسلامية ذات الفهم الليبرالي للإسلام وإلى تشكيل منبر صحافيٍ لنشر التحليلات والتقارير البحثية والمقابلات الصحفية. ويقول لطفي السيوكاني منسق أعمال شبكة الإسلام الليبرالي مضيفًا: "ننظم أيضًا ورشات عمل، وحلقات نقاش مفتوحة للجميع وبرامج إذاعية حوارية، كما نناقش في هذه النشاطات التحديات المعاصرة للمجتمع الإسلامي منذ نهاية عهد سوهارتو".

لطفي السيوكاني باحث في العلوم الإسلامية وأستاذ في جامعة بارامادينا في جاكرتا يعرف تمامًا عمّا يتحدث عندما يُبرز أهمية عمل منظمته في مجالي التعليم والرأي العام، وهو يقول بهذا الصدد: "نعيش اليوم في مجتمعٍ ديمقراطي، لكن إذا لم نُغنِ هذا المجتمع بآرائنا، سيحاول المتطرفون ملء هذا الفراغ. ونحن نرى في عملنا ردًا على الإسلاموية المتصاعدة في إندونيسيا."

من أجل الحفاظ على النظام القائم

تُمثِّل منظمة "شبكة الإسلام الليبرالي" حيث ينشط لطفي السيوكاني حركةً صغيرة مكوَّنةً من كُتَّاب صحفيين وباحثين في العلوم الإسلامية الناشئين الذين يعملون على تعزيز الحوار بين الأديان وعلى الحفاظ على العلمانية والتعددية في المجتمع الإندونيسي. وتعارض "شبكة الإسلام الليبرالي" التأويل الحرفي للقرآن بشدة وتدعو إلى إسلام معاصر يحترم حرية التعبير وحقوق المرأة والتسامح تجاه الأديان والطوائف الدينية الأخرى وتجاه الأقليات.

وبحسب قول لطفي السيوكاني: يَعتبرُ الناشطون في الشبكة أنَّ عملهم متابعةً لتقاليد حركة الإصلاح الإسلامي التي بدأت في القرن التاسع عشر، وهم يقتدون بذلك بكلٍّ من محمد عبده وعلي عبد الرزاق ورشيد رضا.

تمامًا مثل منظمة "رحيمة" الإندونيسية لحقوق المرأة، التي تناضل منذ ثماني سنوات من أجل تحرر المرأة انطلاقًا من وجهة نظر إسلامية، كما تناضل من أجل حقوق مشاركة النساء في المجتمع الإندونيسي.

ترى المنظمة أن مهمتها الرئيسة تكمن في مجال التعليم وعلى وجه الخصوص في المناطق الريفية وسط جزيرة جافا، كما تتعاون منظمة "رحيمة" مع أساتذة المدارس الداخلية الإسلامية أي ما يسمى بالـ "pesantren" ومع مؤسسات إسلامية أخرى، حيث تروِّج فهمًا حديثًا للإسلام.

العمل في مجال التعليم على المستوى المحلي

​​تقول السيدة أديتيانا ديوي إرداني مديرة منظمة "رحيمة" عن بداية العمل: "عندما تأسست منظمة "رحيمة" كان هدفنا الرئيسي أن نصِلَ من خلال عملنا إلى المدارس الداخلية الإسلامية في المناطق الريفية، كما سعينا في الخطوة التالية إلى لفت اهتمام الأساتذة إلى أهمية المواضيع التي نُعنى بها".

وفي هذا السياق تم تدريب محاضرين متخصصين من خلال ندوات ودورات تعليمية خاصة، ليقوموا بعد ذلك بنشر رؤيتهم الليبرالية للإسلام في الدوائر المحلية بين التلاميذ والمعلمين.

تتِّبع منظمات ليبرالية إسلامية أخرى هذه الإستراتيجية أيضًا. كما تتعاون منظمة "رحيمة" منذ سنوات بنجاح مع "مؤسسة وحيد"، التي تحمل اسم الرئيس الإندونيسي السابق عبد الرحمن وحيد المشهور أيضًا بـ "غوس دور"، وهو أشهر علامة إسلامي في البلاد.

مفتاح النجاح يكمن في التعليم والحوار

تسعى "مؤسسة وحيد" غير الحكومية التي أنشئت في عام 2004 لترسيخ إسلام متسامح يقبل التعددية كما تسعى لتحقيق إصلاحات ديمقراطيةٍ في إندونيسيا. وعلى غرار منظمة "رحيمة" تتوجه "مؤسسة وحيد" إلى المدارس الداخلية "pesantren"، لأنَّ هذه المدارس تُشكِّل نظامًا مدرسيًا مستقلاً بعيدًا إلى حدٍّ كبير عن الإشراف الحكومي، ويكمن فيها خطر غرس العقائد الإسلاموية في نفوس التلامذة والأساتذة من خلال تقدُّم الحركة الوهابية، بحسب رأي أحمد سعيدي نائب مدير "مؤسسة وحيد" الذي يقول مضيفًا:

"نحن نمهد الطريق أمام الأكثرية الصامتة من المسلمين وأساتذة المدارس الداخلية الإسلامية وكذلك أمام القادة المحليين للنقاش حول الإسلام والسلام، وحول الإسلام والتعددية، كما نوفر في العديد من المناطق إمكانية الحوار حول المصاعب وذلك في الإذاعات وفي وسائط الإعلام المحلية."

إنَّ إضعاف التأثير المتنامي للمتشددين الإسلامويين بالدرجة الأولى هو العامل المشترك بين المجموعات المنتمية للشبكة الإسلامية الليبرالية وذلك عبر التعليم والحوار باعتبارهما مفتاحي التفاهم المتبادل بين العرقيات المختلفة التي تُكون اندونيسيا.

آريان فاريبورز
ترجمة: يوسف حجازي
قنطرة 2008

قنطرة

المسلمون والمسيحيون في اندونيسيا:
الأديان في زحمة ثقافة العنف
على الرغم من أن حرية الأديان تشكل أحد ثوابت الدستور الاندونيسي، إلا أن الأزمة الاقتصادية والسياسية وغياب الفهم الصحيح للإسلام زاد من حدة الصدامات بين المسلمين والمسيحيين. آريان فاريبورز يرصد بعض مظاهر عمل المنظمات الإسلامية الليبرالية و الكنائس المسيحية في تشجيع الحوار والتصدي للتطرف.

جماعة دار الإسلام في أندونيسيا:
حكم الشريعة واعادة نظام الخلافة
"دارالإسلام" حركة تهدف إلى إقامة دولة الشريعة الإسلامية في أندونسيا. شاركت الحركة في تمردات إسلامية داخلية عدة مثلما قامت بالعديد من العمليات الإرهابية. الصحافي نور الهدى اسماعيل الذي كان على صلة بالحركة ثم ابتعد عنها يكشف هنا كيفية قيام هذه الحركة باستغلال المدارس الدينية في تجنيد أعضائها.

الإسلام والديموقراطية في إندونيسيا:
البحث عن أجوبة إسلامية جديدة لأسئلة الحياة والواقع السياسي
يرى البعض في أندونيسيا أن الحزب الإسلامي الجديد الناجح "ب. ك. س" يشكل بديلا معتدلا للتيار الإسلامي المتطرف. تقرير اليزابيت فوللر كولنز وإحسان علي فوزي.