التسامح لا يُبنى على الخوف

يواجه الغربيون الآن مع تزايد عدد المسلمين المقيمين في الغرب مشكلة إدماجهم في مجتمعات جديدة عليهم. ولكن هل يمكن تحقيق ذلك بدون الفصل الدقيق بين الدين والدولة، وهو أمر لم يتحقق تماما حتى في أوروبا؟ مقالة كتبها باول شيفير عن مخاطر الكيل بمكيالين.

مسلمون شباب في ألمانيا، الصورة: د ب أ
لقد أفرزت موجات الهجرة وضعا فريدا من نوعه، فالمسلمون يشكلون للمرة الأولى في التاريخ أقلية داخل مجتمع ليبرالي وعلماني

​​

من الأسباب التي قادت علاقات الغرب بالعالم الإسلامي إلى طريق مسدود عدم قدرة الغرب على تطوير أسلوب قوي ثابت للتعامل مع الإسلام داخل مجتمعاتنا الغربية نفسها. صحيح أن ثمة قرارات واضحة لا غنى عن اتخاذها، لكنها لا تكون مقبولة إلا إذا بنيت على مبدأ المساواة. فلا شيء يزرع بذور الظن والشكوك أكثر من السلوك إلى نهج الكيل بمكيالين.

ثلاث قضايا للحوار

هناك في هذا السياق ثلاث مسائل رئيسية. أولا: إلى أي مدى يتم في أوروبا نفسها تطبيق مبدأ فصل الدولة عن الكنيسة الذي يشكل أساس حرية الدين؟

ثانيا بإمكاننا بعد ذلك أن نسأل المسلمين بحكم مطالبتهم بحرية الدين لهم أيضا، عما إذا كان لديهم استعداد للدفاع عن هذا النمط من الحريات عند المنتمين إلى أديان أخرى أو عند غير المؤمنين أيضا.

ثالثا ينبغي علينا أن نوجه السؤال عما إذا كان المسلمون الذين يطالبون بحقهم في نيل تلك الحرية كـ"مجموعة" يوافقون أيضا على تمتع "أفراد" مجموعتهم الدينية بتلك الحرية.

عندما نتعمق في النظر إلى هذه القضايا الثلاث يتبين لنا بأن حرية ممارسة الأديان لا تقوم إلا على قاعدة الفصل بين الدولة والكنيسة أي بين الدولة والدين. وهنا موضع سوء فهم متعدد الجوانب. فالفصل بين الدولة والدين لا يهدف فقط إلى حماية أجهزة الدولة من أشكال الضغط غير المقبولة الناجمة عن المؤسسات الدينية بل يهدف أيضا وحتى بصورة أكبر من الحالة الأولى إلى حماية تلك المؤسسات من إجراءات التدخل التي قد تلجأ إليها الدولة.

لكن الشعور ينتابني بأنه كثيرا ما كانت مسألة حماية الدولة وحدها بمثابة الأمر المقصود في معرض المطالبة بفصل الدولة عن الدين. في حالة الإسلام ينبغي التشديد بصورة مستديمة بأنه لا يحق مبدئيا وضع العراقيل أمام المسلمين إزاء ممارستهم الحرة لمعتقداتهم الدينية. هذا يشمل مبدئيا المساجد أيضا.

المساواة في فصل الدين عن الدولة

من الأخطاء القائمة في تفسير مبدأ الفصل بين الدولة والدين اعتبار ممارسة الدين مسألة تخص المجال الشخصي للفرد وحده. لكن مبدأ العلمنة لا يؤدي بحد ذاته إلى فصل الدين عن المجتمع. حيث تنضوي في صفوف النظام الديموقراطي المنظمات والحركات الدينية أيضا. وحتى في فرنسا التي اتسمت بالالتزام التام بالعلمنة في الفترة القائمة بين الحربين العالميتين كانت ثمة حركة شبيبة كاثوليكية قوية.

عندما نشدد على مبدأ المساواة في المعاملة فإن الأمر يتطلب منا أن نتساءل عما إذا كنا نتعامل في أوروبا وفقا لهذا المبدأ أم لا. في العديد من الدول الأوروبية توجد قوانين لا تكون متمشية مع مبدأ الفصل بين الدولة والدين إلا بالكاد.

من أمثلة ذلك القوانين المختصة بالضرائب الكنسية في ألمانيا والمركز المؤسسي الرسمي الذي تحتله الكنيسة الأنغليكانية في بريطانيا ودعم الدولة المادي للمدارس الطائفية على سبيل المثال في هولندة أو ألمانيا أو نصب الصلبان في صفوف المدارس وقاعات المحاكم الإيطالية.

ينبغي على من يطالب المسلمين باعتماد مبدأ حرية الأديان أن يقوم هو نفسه أيضا بذلك. لا يمكن الوصول إلى اتفاق مجتمعي جديد إلا من خلال تكريس مبدأ الفصل بين الدولة والدين. هذا يتطلب بالتالي استكمال عملية علمنة المؤسسات المعنية.

المعتربون وحوار الأديان

لكن الملاحظ في بعض الدول بما فيها ألمانيا أن هناك تيارا يرمي إلى تحويل إشكالية دمج مجموعات المغتربين إلى ما يسمى بحوار الأديان. فهناك عدد كبير من أعضاء الحزب المسيحي الديموقراطي يقولون إن "علينا" – قاصدين من وراء ذلك شعوب أوروبا المسيحية- أن نتبادل الحوار مع ممثلي الديانة الإسلامية.

مما لا شك فيه أن كل أشكال الحوار تستحق الترحيب، سوى انه لا يحق لسلطات الدولة العلمانية في حد ذاتها أن تعرب عن تبنيها لهوية دينية معينة. بل أن الأمريقتضي من الدولة أن تضمن وجود الأسس اللازمة لتعددية الأديان والتصورات الدنيوية.

في هذا السياق يواجه المسيحيون الديموقراطيون سواء في ألمانيا أو في هولندة صعوبات جمة على ما يبدو. ليس ذلك فقط بل إنهم بالإضافة إلى ذلك يتجاوبون مع الحجة التي يطرحها بعض المسلمين من خلال زعمهم بأن وجود المسلمين في أوروبا قد دفع المسيحيين إلى إعادة إكساب ديانتهم مركزا جوهريا.

حرية الديانات الأخرى

إذا شئنا الانطلاق من قاعدة المساواة في معاملة الأديان كان بالإمكان وبالضرورة وضع حدود معينة في هذا المجال. فلا يمكننا محاربة الإسلام المسيس على نحو فعال إلا في حالة تكريسنا نحن أيضا لمبدأ حرية ممارسة الدين.

في هذه الحالة فقط يتحتم علينا أن نوجه للمسلمين السؤال عما إذا كانت مطالبتهم بالحق في حرية الأديان ترتبط بصورة غير قابلة للنقض بواجب الدفاع عن هذه الحرية عند أصحاب الديانات الأخرى ولدى غير المؤمنين أيضا. لكن الإسلام المسيس يحارب تلك الحرية لا بالكلمات فحسب بل من خلال اللجوء إلى التهديد واستخدام العنف أيضا.

لا ينطلق التفسير الراديكالي للإسلام من فراغ. فكثيرا ما عمد المسلمون إلى تقسيم العالم إلى قسمين "نحن والآخرون، المسلمون ضد غير المسلمين". فلو سخرت حرية ممارسة الدين من أجل نشر روح الامتهان البغيضة ضد غير المسلمين لفقد الحق المطالب به مفعوله ولوصل المسلمون آجلا او عاجلا إلى مرحلة لا يملكون فيها إمكانية العيش ضمن نظام ديموقراطي يتسم بروح التعددية الدينية.

هذا يعني باختصار أن الحق في ممارسة الحرية الدينية يرتبط بالالتزام بالدفاع عن حرية الآخرين. وفي حال عدم إبداء المجموعة المسلمة استعدادها لاعتماد هذا المبدأ فإنها ستعمد إلى إيصال نفسها إلى موضع الجمود والتهميش.

إمام لا يدين إلا بدولة الله

دعيت قبل بضعة شهور للمشاركة في حوار للأديان. ومع أنني لست مؤمنا فقد جلست بالقرب من ثلاثة رجال دين أحدهم إمام مسلم والثاني أسقف مسيحي والثالث حبر يهودي. يتطلب الحوار مهما كانت طبيعته وجود بعض المبادئ المشتركة كما أن مجرد إجراء حديث بين أديان مختلفة ينطلق بالضرورة من حتمية اعتماد مبدأ حرية الأديان.

لكن الإمام المشارك بالحوار رفض ذلك رفضا شديدا فقال صحيح أن القانون الهولندي ينص على حرية ممارسة الأديان لكن الحال قد يكون مغايرا لذلك في دول أخرى، الأمر الذي يتطلب توضيحات من قبل جهات عليا.

بإمكاننا أن نتعامل مع مقولة الإمام هذه على نحو براغماتي بأن نقول إن الإمام وافق - في حالة هولندة - على مبدأ حرية الأديان، لكن هذا الموقف يفتقد إلى التماسك والشمول. فعندما يجرى الحديث عن المساواة بالمعاملة يتوجب علينا أن نتوقع وجود التزام أكبر بتلك المبادئ.

بعبارة أخرى يتطلب دمج الإسلام بالديموقراطية إجراءات تكيف كبيرة. لقد أفرزت موجات الهجرة وضعا فريدا من نوعه، فالمسلمون يشكلون للمرة الأولى في التاريخ أقلية داخل مجتمع ليبرالي وعلماني.

هذه تجربة جديدة تماما، لهذا يكون من قبيل التسرع الزعم بعدم إمكانية التوفيق إطلاقا بين الإسلام على النحو الذي يمارس به هنا وبين مبادئ الديموقراطية. لكن السؤال يبقى قائما عما إذا كان دمج الإسلام في أوروبا سيتحقق أم لا. وبالنظر إلى عدم وجود ضمانات بهذا الشأن فإن وضوح الرؤى حيال كافة الأسس والقواعد يحتل أهمية فائقة.

بقلم باول شيفر
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

باول شيفر باحث في علم الاجتماع، أستاذ في جامعة أمستردام/هولندة

قنطرة

حوار قيد التجربة!
عُقد في الـ27 من شهر أيلول/سبتمبر 2006 في برلين مؤتمر إسلامي ألماني بدعوة من وزارة الداخلية الألمانية الاتحادية. وهذا هو المؤتمر الأوّل من نوعه والذي كان يجب عقده منذ عهد طويل، فتاريخ الهجرة والمهاجرين المسلمين في ألمانيا يمتد لأكثر من أربعين عامًا. تعليق أولغر بولات

التفاعل مع المجتمع ضروري!
يعد دمج المهاجرين في المجتمع الألماني من المهام الرئيسية للحكومة، حسب رأي الوزير أرمين لاشت الذي يتحدث في الحوار التالي أيضا حول الحجاب والسياسة التي راها مناسبة لاندماج الأجانب في ألمانيا

ضغط متزايد على الأقلية المسلمة
شهدت المناقشات حول الإسلام والمسلمين في ألمانيا خلال العام المنصرم تحولا جذريا، حسب رأي الصحفي المختص بشؤون المهاجرين إبرهارد زايدل، وبات موقف أوساط ألمانية عديدة حيال الإسلام أشبه ما تكون بحالة هستيريا