الدول الإسلامية مفتاح حل عقدة حركة طالبان الأفغانية

ينبغي للإدارة الأمريكية كسب مساندة الدول الإسلامية في الحرب في أفغانستان، ذلك لأن هذه البلدان قادرة على تقديم التشريع الضروري لبناء دولة جديدة وهذا ما لا تستطيعه الولايات المتحدة، بحسب توماس أفيناريوس في تعليقه الآتي.

أوباما وقائد قوات التحالف في أفغانستان، الجنرال كريستال، الصورة: د.ب.ا
إستراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان تقوم على إرسال 30 ألف جندي أمريكي في وقت قصير إلى هذا البلد ودعم قوات الأمن الأفغانية.

​​كان مَن يسافر إلى قندهار الأفغانية في عصر ازدهار حكومة طالبان يستطيع أن يرى هناك خياما بين التلال، حيث يذهب الأمراء العرب للصيد بالصقور. ولم تكن نزهة الأمراء الخلوية مصطحبين الطيور الجارحة ولابسين قفازات الصيد نابعة فقط من حبهم للصيد بالصقور، ولكنها تدل أيضا على العلاقة القوية بين الأمراء السعوديين والكويتيين والآخرين ورجال الأعمال وبين المتشددين الإسلاميين الأفغان. بيد أن تلك العلاقات الجيدة التي حافظ عليها حكام الخليج وخطبائهم الإسلاميين مع قيادة طالبان ودأبهم على الذهاب هناك أصبحت الآن في طي النسيان.

والآن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الاستراتيجية التي سيتخذها ضد الفوضى الحالية في أفغانستان، ألا وهي إرسال 30 ألف جندي أمريكي في وقت قصير ودعم قوات الأمن الأفغانية. وهذه خطة ليست مقنعة لأن إقرار أوباما سحب القوات الأمريكية بدءا من عام 2011 يعتبر بمثابة دعوة لطالبان للاختباء في كهوف تورا بورا حتى تنتهي المواجهة الأمريكية؛ ففي البلاد لا يجد المرء سوى الوقت والأفيون، كما أن هيكلة الجيش الأفغاني لا يتعدى كونه من الوهم والخيال.

إن نهاية الاحتلال السوفيتي عام 1989 وما تبعه من مصائب تبين مدى قدرة هذه القوات، حيث كان الجنود يُلقون بأسلحتهم بمجرد اقتراب العدو منهم. إذن فنموذج الجيش الذي يريده أوباما لا يمكن أن يؤدي مهامه إلا إذا نشأت بموازاته دولة يشعر الجنود بواجبهم نحوها، وهذا لن يتأتى.

دور يتعدى إعادة الإعمار

لكن الرئيس الأمريكي على حق في إحدى هذه النقاط، فجيشه لا يستطيع أن يبني دولة في أفغانستان، مع العلم أن الجيش لا يمكنه إقامة الديمقراطية والدولة الدستورية. إن بناء دولة هناك يحتاج إلى تشريع لا تستطيع الولايات المتحدة تقديمه. فأفغانستان بلد إسلامي، والدول الأخرى، مثل المملكة السعودية وإندونيسيا وتركيا، يتمتعون هناك بمصداقية أكثر، لأن تدخل المسلمين في الشأن سوف يدحض حُجة طالبان الرئيسية في أن المحتلين غير المسلمين يدوسون الإسلام بأحذيتهم العسكرية.

جنود أمريكيون في أفغانستان، الصورة: د.ب.ا
"لن تصبح بلاد البرقع والمجاهدين يوما ما دولة ديمقراطية يُحتذى بها"

​​وتساعد الدول الإسلامية بالطبع في إعادة الإعمار، فهم يمولون المستشفيات ويبنون المدارس، والأتراك شركاء في حلف شمال الأطلنطي. لكن ما ينقص هو التأثير السياسي الحقيقي. فقنوات الاتصال السعودية القديمة تؤدي إلى قيادة طالبان، حيث قامت الرياض في ثمانينيات القرن العشرين بتمويل المجاهدين ضد السوفيت، وهؤلاء المجاهدون أصبحوا فيما بعد طالبان. كما يرجع الفضل إلى لخضر الابراهيمي الجزائري في التوصل إلى النهاية المؤقتة للحرب الأهلية الأفغانية.

لكن لا بد من الاعتراف أن زيادة تأثير بعض الدول الإسلامية يعتبر مغامرة، فعلى سبيل المثال قام خطباء الوهابية الراديكاليون من السعودية بتقديم المساندة الأيدلوجية للمجاهدين، الذي أصبحوا فيما بعد طالبان. ولكن الإرهاب والفهم الخاطئ للدين أصبح خطرا يهدد السعوديين شخصيا، ومثال على ذلك انفجار قنابل القاعدة في الرياض. لهذا قام الملك عبد الله باتباع منهج معتدل.

دور فاعل للدول الإسلامية

أردوغان وأمين حلف الأطلسي، الصورة: د.ب.ا
"الغرب وحده لن يتمكن من جعل أفغانستان بلدا آمنا قادرا على ضبط أموره، إذ ينبغي للدول الإسلامية أن تبرهن على أنها قادرة على فعل شيء إيجابي في هذا الخصوص"

​​بالطبع لا بد من تأجيل بعض الأولويات، فأفغانستان سوف تكون غير الصورة الوهمية التي عُرضت أثناء المحادثات بشأن أفغانستان عام 2001 في بيترزبرغ الواقع على مرتفعات جبال مدينة بون الألمانية، ولن تصبح بلاد البرقع والمجاهدين يوما ما دولة ديمقراطية يُحتذى بها. ومن الممكن أن يؤدي التدخل الإسلامي العام في الشأن إلى تسهيل التعامل مع باكستان التي لا تمثل أعمالها التخريبية في أفغانستان دليلا على الود تجاه طالبان، ولكنها دليل على خوفها من جارتها الهند، ومن ثم فهي تعتبر أفغانستان ملاذا لها في حالة الخطر.

ولطالما شهرت الدول الإسلامية "بغربنة عالمية" تطال ثقافتهم الخاصة، مشيرين في الوقت ذاته إلى حجم وجودهم وسط مطالبتهم بحق التدخل في الشأن الأفغاني. ولِمَ لا؟ فالغرب وحده لن يتمكن من جعل أفغانستان بلدا آمنا قادرا على ضبط أموره، إذ ينبغي للدول الإسلامية أن تبرهن على أنها قادرة على فعل شيء إيجابي من الناحية السياسية باعتمادها على ثقافتها الخاصة.

توماس أفيناروس
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: زود دويتشه تسايتونج/ قنطرة 2009

توماس أفيناروس يعمل منذ فترة طويلة مراسلا لصحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية لشئون الشرق الأوسط، ويقيم في القاهرة.

قنطرة

استراتيجية بديلة لأفغانستان:
العراق نموذجا لأفغانستان؟
يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.

حوار مع وزير الخارجية الأفغاني رانجين دادفار سبانتا:
"لن ندع حركة طالبان والإرهابيين يخيفوننا"
يتحدث وزير الخارجية الأفغاني، رانجين دادفار سبانتا، في هذا الحوار الخاص مع لؤي المدهون عن عدة قضايا تتعلق بحاضر أفغانستان ومستقبلها، لاسيما الانتخابات الرئاسية المقبلة والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في البلاد ومعضلة التعامل مع حركة طالبان، بالإضافة إلى المجتمع المدني في أفغانستان.

عملية إعادة الإعمار في أفغانستان:
الحاجة إلى المزيد من الشفافية
هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.