المخاوف من الحركات الانفصالية

في العديد الأقاليم الإيرانية المتعددة العرقيات تتعرض الأقليات للتمييز على أساس ديني وإثني من قبل النظام الحاكم. في مقالته التحليلية هذه يصف فرج سركوهي العلاقة المتوترة بين ممثلي الأقليات والدولة التي يهيمن عليها الشيعة.

الكاتبة ، الكاتب: Faraj Sarkohi

 

من الناحية التاريخية فإن إيران منذ عصر الأخمينيين (550-330 قبل الميلاد) دولة متعددة القوميات، تتسم بتنوع لغوي كبير. لكن في أغلب الفترات كانت الفارسية هي اللغة الرسمية، وانطبق هذا الأمر حتى على بلاط الحكام الذين كانوا يتحدثون اللغة التركية، والذين حكموا إيران قرابة ثمانية قرون.

إن كل محاولات رضا شاه بهلوي (1925-1941) ومحمد رضا شاه بهلوي (1941-1979) للإجبار الأقليات الإثنية واللغوية على اعتناق اللغة الفارسية والأشكال الأخرى من التمييز ضد هذه الأقليات قادت إلى تسليط الضوء على مسألة الإثنيات في إيران بشكل متزايد. ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك إلى حد أنه تشكلت عام 1945 حكومات مستقلة في إقليمين: "جمهورية مهاباد الشعبية الكوردية" و"جمهورية أذربيجان المستقلة"- اللتان تم إسقاطهما في ظرف عام واحد

"القومية الإيرانية" في مواجهة "الأمة الإسلامية"

 

الصورة ويكيبيديا
في عام 1946 أعلن في مدينة ماهباد عن ميلاد الجمهورية الكردية التي سرعان ما تم القضاء عليها

​​إن رجال الدين، الذين تقلدوا مناصب سياسية في الجمهورية الإسلامية، اعتبروا " القومية الإيرانية" حركة بعيدة عن الإسلام وأدخلوا محلها المصطلح الديني "الأمة الإسلامية"، أمة المؤمنين بالإسلام جميعاً. لكن حرب الخليج الأولى، هجوم العراق على إيران، قاد إلى أن يجبروا على إعادة إحياء "القومية الإيرانية" وخلال العقدين المنصرمين أعطوا للقومية الإيرانية زخماً إضافياً من أجل الحصول على دعم الشعب الإيراني لبرنامجهم النووي. ومن خلال تأكيدهم الدائم لمصطلح "إيران الإسلامية"، حاولوا إعطاء هذه الحركة القومية صبغة إثنية.

إن ايدولوجيا الجمهورية الإسلامية تقوم على مفهومين متناقضين: الشعب (بالفارسية: ملة) والأمة. والمفهوم غير الإسلامي للشعب يُبرر في الذاكرة الجماعية الإيرانية بالقومية والتناقضات السيادية العنصرية وإنه مرتبط بـ"العرق الآري". يستند مصطلح "الأمة" إلى إذابة الاختلافات على أساس الإثنية والعرق واللغة، ويعتبر كل المسلمين مواطنين في دولة إسلامية. تنصهر الأمة في بوتقة "الأمة الإسلامية". أما مصطلح "الأمة: الإسلامية فيقتصر في تعريف رجال الدين الحاكمين في إيران على معتنقي المذهب الشيعي، الذين يكونون الأغلبية هناك، وبالمقابل يواجه أتباع المذاهب بتمييز كبير، مثل السنة، الذين يشكلون أقلية في إيران.

أشكال متعددة من التمييز

مصلون سنة في شمال إيران، الصورة دويتشه فيله
يشهد إقليما سيستان وبلوشستان دائما مواجهات إثنية على خلفية دينية

​​إن أغلب الأقليات الإثنية واللغوية، باستثناء تلك المتحدثة بالتركية، هم من السنة. ولهذا السبب يرتبط التمييز على أساس الدين مع التمييز على أساس اللغة والإثنية. من الناحية القانونية يمكن معرفة هذا التمييز في الدستور الإيراني، الذي يثبت مذهب الشيعة الاثناعشرية "ديناً للدولة غير قابل للتغيير". وحتى جميع القوانين التي يشرعها البرلمان يجب أن تكون متوافقة مع التفسير الشيعي للشريعة الإسلامية. وتقلد المناصب العليا، مثل منصب المرشد الديني ورئيس الدولة، يجب أن يكون مقتصراً على الشيعة.

وينص الدستور أيضاً على أنه "يُعترف بالإيرانيين الزدشتية واليهودية والمسيحية كأقليات دينية وحيدة، الذين يُضمن لهم في إطار القانون ممارسة شعائرهم الدينية بحرية ومعاملتهم في الشؤون العائلية والميراث والتعليم الدينية وفق تعاليمهم". وعلى عكس ذلك تم تقليص حقوق الأقليات السنية في العقود الثلاثة المنصرمة من خلال أجهزة الدولة. ومؤخراً حاولت الحكومة في كانون الأول/ ديسمبر 2010 فرض المزيد من السيطرة على المعاهد السنية في سيستان وبلوشستان، بحجة الحد من النفوذ الوهابي وتنظيم القاعدة الإرهابي وتنظيم "جند الله" الإرهابي.

وكان من نتيجة هذه الخطوات إثارة احتجاجات غاضبة من قبل رجال الدين السنة والنواب السنة عن إقليمي سيستان وبلوشستان. وكرد فعل على هذا التدخل قام تنظيم "جند الله"، الذي يرى في نفسه حامياً "لحقوق الشعب السني في بلوشستان" وقام بالعديد من التفجيرات والعمليات الانتحارية واختطاف الرهائن وقتلهم والهجمات على المراكز الحدودية، نفذ هجوماً بالقنابل في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2010 هجوماً على موكب للعزاء الشيعي في محرم. وقُتل فيه 38 شخصاً وجرح أكثر من 60 آخرين.

في ميزان القانون

يعترف دستور إيران بالزدشتية واليهودية والمسيحية رسمياً، ويعطيها حقوقاً، على سبيل المثال كالحق في اختيار نائب في البرلمان. لكنهم مستثنون من التعيين في الجيش والمخابرات والمؤسسات التعليمية والقانونية والقضائية، إضافة الى المناصب الحساسة في مجالي السياسة والإدارة. ووفق المادة 15 من الدستور فإن: "اللغة المشتركة والكتابة للشعب الإيراني هي اللغة الفارسية. وجميع الوثائق الرسمية والمخاطبات والنصوص والكتب التعليمية يجب أن تكون مكتوبة بهذه اللغة. لكن يُضمن استخدام اللغات واللهجات المحلية في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وكذلك تدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية".

وصحيح أنه يُسمح للأقليات الدينية في الجمهورية الإسلامية بامتلاك دور نشر خاصة وإصدار كتب بلغاتها الأم، وأن جزءا من برنامج

الصورة  أ ب
تتهم طهران تنظيم "جند الله" الذي يرى في نفسه حامياً "لحقوق الشعب السني في بلوشستان" بالوقوف وراء العديد من التفجيرات والعمليات الانتحارية

​​التلفزيون والإذاعة الرسمية يُبث بلغات الأقليات، وأن الجهات الرسمية لا ترى أيضاً وجود أي تمييز على أساس الإثنية أو اللغة. لكن الوعود بالسماح بالتدريس باللغات الأم، وهو الأمر الذي تكالب به الأقليات اللغوية والإثنية، لم تنفذ حتى يومنا هذا.

توزيع محلي غير متساو

إن استثمارات الدولة لدعم الاقتصاد والقطاع الاجتماعي لا تجري بشكل متساوي في كل الأقاليم والمناطق. لكن هذه الدرجة غير المتكافئة من التطور لا تعود إلى التمييز على أساس عرقي، وإنما إلى أسباب أخرى. فبينما تعد ثلاثة من المناطق، التي يسكنها الأذريون، من أكثر الأقاليم تقدماً في البلد، تعتبر إقليم بلوشستان الذي يسكنه البلوش في جنوب شرق إيران، الأقل تطوراً في إيران. وبحسب آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عام 2010 فإنه يوجد طبيب واحد لكل ألف مواطن. لكن في بلوشستان فهناك طبيب واحد لكل 6000 شخص. وبغض النظر عن ذلك فإن ما نسبته 30 بالمائة من الأطفال في هذا الإقليم لا توجد لديهم الإمكانية للالتحاق بالمدرسة.

الحكومة الإيرانية تتهم تنظيم "جند الله"، الذي أعلن عن وجوده في بلوشستان عام 2003، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والقاعدة وتتهمه أيضاً بالإرهاب والنزعة الانفصالية. إن تنظيم "جند الله" ينظم هجماته الإرهابية على إيران من معسكرات في باكستان. ولقناعاته الإسلاموية-الأصولية فإن التنظيم يشكل استثناءا بين حركات الأقليات الإثنية واللغوية، فأغلب التجمعات والأحزاب الأخرى تنهج نهجاً علمانياً وتعمل من أجل إحلال الديمقراطية.

في ظل القومية الإيرانية

إن الجماعات المتحدثة باللغة العربية في إيران تواجه بشكل خاص انتقاصاً من قبل الحركة القومية الإيرانية. وما يزيد من وتيرة هذا التعامل العنصري ذكرى الاجتياح العربي في القرن السابع، الذي وضع نهاية للدولة الساسانية وأدخل النظام القبلي للشعوب العربية وانتماءاتها السنية إلى إيران، إضافة إلى ارتباط بعض الجماعات العربية بالملكة العربية السعودية وتنظيم القاعدة.

وتعتبر الجماعات المتحدثة باللغة العربية أقلية حتى خوزستان نفسها، وليس لها أي إمكانيات للتعبير عن طموحاتها ومطالبها الإثنية. إن الجمهورية الإسلامية تتهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بدعم الحركات الانفصالية داخل الأقليات الإثنية في إيران. وعلى أمل "تغيير النظام" راهنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش على الدعم السياسي والعسكري للحركات المعارضة داخل الأقليات. لكن حتى مع فشل هذه السياسة في هذه الأثناء، إلا أن السياسة الأمريكية مازالت تولي أهمية كبيرة لإغراق إيران في توترات إثنية.

بالرغم من العمليات العسكرية لحزب الحياة الحرة الكردستاني وتنظيم "جند الله" كبيرة، إلا أنها لا تلقى أي صدى يذكر، لأن أغلبية الإيرانيين لا يدعمون الهجمات الإرهابية، وتقف موقف الرافض من حصول الأقليات الإثنية على الدعم المالي من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إذ تخشى تفكك البلد في حال تعرضه لظروف تشابه تلك المرافقة للحرب الأهلية.

لطالما كانت إيران بلداً بتنوع إثني ولغوي كبير. وفي الماضي أعاقت القواسم الثقافية واقتصار التمييز على الجانب اللغوي حروباً أكبر حجماً بين الجماعات المختلفة الإثنية. إن الاستقلالية وإلغاء التمييز على أساس إثني أو ديني لا يمكن تحقيقه من دون الديمقراطية. الاستبداد الديني المهيمن على إيران وحد المعارضة الإثنية وغير الإثنية في الصراع ضد الظلم ومن أجل إحلال الديمقراطية، كما أنه جعل الشعارات المنادية لإقامة حكومة فيدرالية علمانية برلمانية أمنية مشتركة.

 

فرج سركوهي
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2011 

 

أسس فرج سركوهي عام 1985 مجلة "آدينا" الثقافية، وترأس هيئة تحريرها قرابة أحد عشر عاماً. وباعتباره أحد رواد مبادرة الكتاب "نص 134" ضد الرقابة تم اعتقاله عام 1996. وبعد عام من ذلك تم الحكم عليه بالإعدام في محاكمة سرية. لكن بعد الاحتجاجات الدولية تم تخفيف الحكم عليه. وبعد عامين من ذلك سافر إلى مدينة فرانكفورت الألمانية، وما زال يقيم هناك. حصل فرج سركوهي عام 1998 على جائزة كورت-توخولسكي الألمانية للكتاب الملاحقين سياسياً، كما أنه يعد أحد الأعضاء الفخريين لنادي القلم الألماني.