تصحيح مسار الديموقراطية الماليزية

تم توجيه تهمة "اللواط" للسياسي الماليزي المعارض أنور إبراهيم، ورافقت هذه القضية فضائح كثيرة، إذ رأى الكثيرون في هذا الاتهام مناورة ذات دوافع سياسية تقوم بها الحكومة. والآن ظهرت براءته فجأة انتصار صغير حقَّقته الحركة الديمقراطية في ماليزيا. وفق ما يراه أندي بوديمان.



حكمت المحكمة العليا في ماليزيا ببراءة أنور إبراهيم من التهمة الموجَّهة إليه. وذكر القاضي أنَّ الأدلة لم تكن كافية لإدانة زعيم المعارضة بتهمة ممارسة اللواط الذي يعد جريمة في ماليزيا، حيث يحاكم من تتم إدانته بممارسة اللواط بالسجن فترة تصل حتى عشرين عامًا. وفي قضية السياسي الماليزي أنور إبراهيم كان يمكن لمثل هذه التهمة أن تعني نهاية حياته السياسية. أثارت هذه القضية التي كانت مرفوعة أمام المحكمة الكثير من الجدل لفترة تجاوزت العامين.

كانت هذه القضية منذ البداية ملفوفة بالغموض. وقبل ذلك كان هناك لقاء جمع رئيس الوزراء الماليزي نجيب تون عبد الرزاق مع محمد سيف البخاري - أي مع الشخص الذي وجَّه هذه التهمة وادعى أنَّه قد تعرَّض للاغتصاب من قبل أنور إبراهيم. وفي البداية نفى نجيب عبد الرزاق هذا اللقاء، ولكنه غيَّر أقواله وشهد أخيرًا بأنَّ محمد سيف البخاري قد أبلغه قبل بضعة أيَّام من رفع الدعوى عن هذه الحادثة. وفي النهاية أصدرت المحكمة حكمًا بعدم إدانة أنور إبراهيم وبراءته من هذه التهمة. وعلى الفور عرفت الحكومة الماليزية كيف تستفيد من هذا الحكم، إذ تحدَّثت بكلِّ فخر واعتزاز عن أنَّ هذا الحكم هو خير دليل على عدم تدخّل الحكومة في القضاء الماليزي وعلى واستقلاله وأنَّ هذا القضاء بريء من تهم الفساد التي وجِّهت إليه حتى الآن. ولكن هل يطابق هذا الحقيقة؟ وإذا كان القضاء الماليزي حقًا مؤسسة مستقلة، فلماذا وافقت المحكمة في الأساس على قبول هذه القضية رغم أنَّ أدلتها كانت ضعيفة منذ البداية؟ ألم يكن من الواضح أنَّها مجرَّد مناورة سياسية احتاجها نظام نجيب عبد الرزاق لكسب تعاطف الجماهير قبل فترة قصيرة من إجراء الانتخابات العامة؟

هل هي مسألة خيار؟

نجيب عبد الرزاق ، الصورة  ا ب
ألم يكن من الواضح أنَّ اتهام أنور إبراهيم كان مجرَّد مناورة سياسية احتاجها نظام نجيب عبد الرزاق لكسب تعاطف الجماهير قبل فترة قصيرة من إجراء الانتخابات العامة؟

​​ربما لم يكن لدى نجيب عبد الرزاق في الواقع أي خيار آخر، فقد كان الحكم بالسجن على أنور إبراهيم قبل فترة قصيرة من الانتخابات سيزيد من تشويه صورة الحكومة أكثر مما هي عليه. وكان من الممكن أن يكسب أنور إبراهيم تعاطف الجماهير وأن يؤدِّي ذلك إلى زيادة الضغوط الدولية أكثر على الحكومة في كوالا لمبور. ولذلك كان المخرج الوحيد هو الإفراج عن زعيم المعارضة. تطمح الحكومة الماليزية في كسب تعاطف الناخبين وتريد كذلك أن تبيِّن في الوقت نفسه أنَّها جادة بما تطرحه من إصلاحات.

وضمن هذا السياق لا بد من طرح السؤال التالي: هل تغيَّرت ماليزيا حقًا؟ قامت مؤسَّسة بيت الحرية المختصة بقياس درجة الديمقراطية في العالم بتصنيف ماليزيا حتى العام الماضي كدولة ما تزال "حرة جزئيًا". ولم يأت هذا التصنيف من دون سبب، إذ إنَّ الحكومة الماليزية ما تزال تفرض قيودًا على حرية التعبير عن الرأي وحرية تكوين الجمعيات وعقد الاجتماعات. وكذلك يتعرَّض الصحفيون وحتى المدوِّنون لخطر السجن بسبب انتقادهم الحكومة. ويستنتج من ذلك عدم وجود تغييرات كبيرة حتى الآن.

أنور إبراهيم وسياسة "الحرباء

أنور إبراهيم الصورة ا ب
كان أنور إبراهيم في التسعينيات نائبًا لرئيس الوزراء إلى أن اختلف عام 1998 مع رئيس الوزراء في ذلك الحين مهاتير محمد. وبعد ذلك أدين بتهمة اللواط والفساد، وسجن ستة أعوام، وفي عام 2004 تم نقض الحكم باللواط.

​​

يعدّ أنور إبراهيم أهم شخصية للحياة الديمقراطية في ماليزيا، حتى وإن كان الائتلاف السياسي الذي أسَّسه يثير بعض التساؤلات. فقد اضطر أنور إبراهيم المعروف عنه في الغرب أنَّه سياسي علماني إلى الدخول في ائتلاف مع الحزب الإسلامي الماليزي PAS الذي يريد فرض الشريعة الإسلامية في البلاد. إذ تحتَّم عليه قبول هذا التحالف الصوري من أجل إيجاد قوة مضادة لائتلاف "جبهة باريسان الوطنية" الحاكمة. أطلقت مجلة الإيكونومست على أنور إبراهيم ذات مرة لقب "حرباء ماليزيا"؛ فقد طلب من المواطنين في منطقة نائية أثناء الحملة الانتخابية انتخاب مرشح عن الحزب الإسلامي الماليزي، مرشح مسلم صادق مستقيم يدرك واجباته.

وفي مناسبات أخرى نجده يتحدَّث بحماس مع سياسيين علمانيين حول الديمقراطية. ولذلك لا عجب من أنَّه كثيرًا ما يشاهد بأشكال مختلفة. فهو يبدو أحيانًا للمعسكر العلماني إسلاميًا للغاية، وعلى العكس من ذلك كثيرًا ما تكون أفكاره بالنسبة للتيار الإسلامي ذات نزعة غربية. ولكنه اضطر إلى قبول هذا التوازن، واضطر كذلك إلى الحديث مع الناخبين الذين تتكوَّن غالبيتهم من المسلمين الماليزيين باللغة التي يفهمونها. وكان تصالحه مع المحافظين هو الطريق الذي اضطر أنور إبراهيم إلى السير فيه لمواجهة هذه الحكومة القوية الموجود في السلطة منذ استقلال ماليزيا في عام 1953.

سياسة الهوية الوطنية الماليزية

ا ب
العدالة لأنور إبراهيم - كان من الممكن أن يصدر حكم بالسجن فترة تصل حتى عشرين عامًا على زعيم المعرضة الماليزية لو ثبتت إدانته بممارسة اللواط.

​​تهدِّد التيارات الدينية المحافظة والصراعات العرقية بالتحوّل إلى خطر على ماليزيا. حدثت في ماليزيا قبل عامين أعمال عنف طائفية نتيجة لقرار اتخذته الحكومة؛ حيث تم منع الكاثوليك فجأة من استخدام لفظ الجلالة "الله" كاسم للرب، وذكر أنَّ سبب هذا الحظر يعود إلى أنَّ هذا الاسم حقّ محفوظ للمسلمين وحدهم. وبعد الإعلان مباشرة عن هذا القرار حدثت أعمال عنف وتم إحراق ثلاث كنائس. ستشكِّل سياسة الهوية الوطنية الماليزية تحديًا لمستقبل الديمقراطية في البلاد. إذ إنَّ تنامي النزاعات بين التيارات المختلفة صار يدعو للقلق؛ ولا يعرف حتى الآن في أي اتجاه ستهب رياح التغييرات؟ وهل سينتصر الإسلاميون مثلما حدث في تونس والمغرب؟ لكن من المعروف أنَّ رياح التغيير تزداد باستمرار. وبعد فترة قصيرة من الحكم ببراءته كتب أنور إبراهيم على موقع تويتر: "سوف يسمع في الانتخابات القادمة صوت الشعب وسيتم إسقاط هذه الحكومة الفاسدة من السلطة".

والآن سوف يتوقَّف الأمر على الطرف الذي سيحسن استخدام اللحظة المناسبة لمصلحته بشكل أكثر فعالية؛ فهل سيكون هذا الطرف الحكومة الماليزية من خلال عملها بالتدريج على تطبيق الإصلاحات المزمع إجراؤها؟ أو هل ستحصل جماعة المعارضة على مزيد من الدعم؟ وإذا وصلت المعارضة إلى السلطة فما هي التيارات التي ستكون مسيطرة، التيارات العلمانية أم الإسلامية؟ ما تزال الإجابة على هذه الأسئلة غير معروفة حتى هذه اللحظة. ولكن من المؤكَّد أنَّ الإفراج عن أنور إبراهيم سيزيد من فرص المضي قدمًا في التحوّل السياسي. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن انتصار صغير تحقِّقه الحركة الديمقراطية في ماليزيا.

 

أندي بوديمان
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012