جزر صغيرة وسط بحر البيروقراطية الوزارية

نظراً للجمود الذي يشهده قطاع التعليم في مصر تغتنم بعض الشركات الخاصة العاملة في مجال تقنية المعلومات الفرصة لتعليم وتأهيل مدرسيين من داخل مصر على تسويق وتوطين منتجاتها في السوق. فريدريك ريشتر أعد هذا التقرير من مصر.

الصورة: دويتشه فيلله، بيلدربوكس

​​

يعمل ياسر عبد الوهاب لدى شركة "انتل" الحاسوبية في مصر، سوى أنه لا يملك أية فكرة عن برامج أو معدات الحاسوب. تتمثل مهمته الوحيدة في متابعة البرامج التعليمية التي ترعاها شركة "انتل" الحاسوبية في الشرق الأوسط والإهتمام بها.

ومع ذلك فإن عبد الوهاب رجل كثير المشاغل وجدول مواعيده اليومية مكتظ لدرجة انه لا يمكن الإلتقاء به الا ليلاً في المقهى وهو يدخن النارجيلة. أكثر مشاغله تتركز في مصر، حيث أقدمت الحكومة على مبادرات تعليمية بالتعاون مع ثماني شركات معلوماتية عالمية تشمل شركات كبرى مثل "انتل" و"سيمنز".

جدير بالذكر ان ثلاثة وخمسين أستاذاً سجلوا أسماءهم في قائمة الراغبين في اجراء تدريبات مهنية في مجال الحاسوب، اضافة الى ان التوقعات تشير الى امكانية اشتراك حوالي اثني عشر أستاذاً من ألفي مدرسة في برامج تدريبية في المستقبل القريب، حيث سيتعلم المشاركون في مثل هذه البرامج العمل على جهاز الحاسوب واستخدام المواد التعليمية.

العمل كفريق بدلاً عن الحفظ

يقول عبد الوهاب إن "هذه البرامج التعليمية ليست مجرد دورات للتدريب على استخدام الحاسوب، بل هي أكثر من ذلك، حيث تهدف الى تحسين مستوى التدريس وتشمل التركيز على العمل الجماعي لدى الطلاب والتركيز على معالجة المسائل بدلاً من الحفظ واستخدام أسلوب المشاريع الدراسية في التدريس."

ويتابع عبد الوهاب قائلاً إن "هناك فرقا كبيرا، فأنا شخصياً تعلمت في المدارس المصرية وكان التلميذ يجلس على مقعده وينهل الدروس ويعتقد انه من غير المسموح له مشاركة الآخرين بها."

بغض النظر عن المبادرات الحالية فإن شركة "انتل" تعتزم من تلقاء نفسها تدريب حوالي ستمائة وخمسين أستاذاً اضافياً لغاية عام 2010. وبهذا تكون هذه الشركة أكثر طموحاً من مثيلاتها الموجودة في مصر.

أما الصورة في وزارة التعليم العالي المصرية التي تلعب دور المتفرج فهي مختلفة، حيث يحيل المتحدث الرسمي كل ما يتعلق بهذا الشأن إلى الشركات المساهمة. أما مسؤول القسم فيحيلها الى وزارة المعلوماتية. أصلاً هو لا يريد الاجابة عن أي سؤال يتعلق بالبرنامج.

وتؤكد مديرة القسم في وزارة المعلوماتية هدى بركه أن "تدريب الأساتذة في اطار هذا البرنامج هو مسؤولية الشركات الدولية - سواء قامت به بنفسها او اسندته الى شركات مختصة. هذا ينطبق أيضاً على اعطاء النتائج."

بؤس التعليم المصري

فشلت الحكومة المصرية مراراً عديدة في اجراء اصلاحات على نظام التعليم في البلاد، فهناك ثمانمائة ألف مدرس لستة عشر مليون تلميذ في مصر، إضافة الى مليون ومائتي ألف موظف حكومي في الادارات التربوية، كيان رهيب ما برح يسعى وراء مصالحه الشخصية، لأن أي تغيير في اللوائح أو أي إجراء اصلاحي قد يشكل خطراً على مصادر الدخل الاضافية للمدرسين والموظفين الحكوميين.

تعيش غالبية المدرسين من عائد الدروس الخصوصية ولا أحد يلومهم على ذلك بسبب تدني أجورهم النظامية، إذ لا يتعدى أجر المدرس بعد عشر سنوات من الخدمة الستين يورو في الشهر. وثمة مدرسون توقفوا عن اعطاء الدروس النظامية لصالح الدروس الخصوصية.

الحاجة الى الإصلاح الجذري

أما مشاريع تقنية المعلومات المنظمة بوضوح فتجد استحساناً وتُطبق دون اية معارضة وتخفي فشل الاجراءات الاصلاحية الموسعة، على حد قول نجاة رشدي، المنسقة الاقليمية لـلبرنامج الاقليمي لتقنيات المعلومات والتنمية في المنطقة العربية ICTDAR التابع للبرنامج الأممي الانمائي UNDP. نجاة رشدي تعمل مستشارة لحكومات الشرق الأوسط في استخدام تقنية المعلومات في البرامج التنموية.

نظراً للجمود الذي يشهده نظام التعليم في مصر في الإصلاح، تسعى بعض الشركات الدولية العاملة في مجال تقنية المعلومات مثل شركة "سيمنز" أو "انتل" الى تحسين هذا النظام عن طريق تولي القيام بمهام تُعتبر من المهام الأساسية للدولة، وبالضبط: تعليم وتدريب المدرسين.

إلا أنه بدون اصلاحات تربوية متزامنة ستكون هذه المبادرات بمثابة نقطة تضيع في بحر الادارات التربوية والوزارية. وتتابع نجاة رشدي قائلة إنه "لا بد من اجراء اصلاحات في النظام التعليمي، فمن غير المعقول استمرار الوضع على ما هو عليه."

مصالح طويلة المدى

ماهي مصلحة الشركات فيما تقوم به؟ إنها لكي تتمكن من تسويق وبيع منتجاتها من أجهزة وبرامج الحاسوب في الدول النامية والناهضة أيضاً، يجب عليها أولاً خلق سوق لمثل تلك المنتجات. إنها لا تنتظر نتائج مباشرة من برامج التدريب، إنما تعتمد أكثر على استراتيجية طويلة المدى، لكسب الربح من وراء تسويق منتجاتها في مصر.

يملك اقل من خمسة بالمائة من البيوت جهاز حاسوب خاصا لأن أسعار تلك الأجهزة باهظة للغاية من جهة كما أن استعمال الحاسوب اقتصر حتى الآن على الطبقات العليا المتعلمة من جهة أخرى.

ثمة جهود من قبل شركات معلوماتية دولية ومحلية بالتعاون مع الحكومة المصرية لنشر الانترنت وخفض أسعار أجهزة الحاسوب.

وفي هذا الجال تتمتع الشركات الدولية بديناميكية اكبر، إذ ان لديها قدرة لدعم مثل تلك المشاريع – لمصلحة خاصة - أكثر من البيروقراطية الوزارية.

يقول ايهاب العناني، مدرس من بنها، وهي مدينة صغيرة في منطقة دلتا النيل إنه "تم تزويد المدارس بأجهزة الحاسوب قبل عشر سنوات، إلا أنها لم تستعمل إلا قليلاً نظراً لعدم قدرة المدرسين على التعامل معها."

صدى ايجابي

يشعر المدرسون بالرضا التام ويرحبون بتلك البرامج التدريبية، ومن بين هؤلاء ايهاب العناني الذي قال مغتبطا إن "الحاسوب يعطي الدرس حيوية رائعة. نحن نعمل الآن في مشاريع، فمثلاُ في درس الرياضيات يبحث الطلاب عن العلاقة بين هذه المادة وبين حياتهم اليومية. وهم الآن قد وصلوا الى الدرجة التي يحبون فيها تلك المادة - لمجرد استخدام الحاسوب في الدرس."

يقدم المدرسون عادة طلبات الانتساب لمثل تلك البرامج التدريبية من تلقاء أنفسهم. الادارة المدرسية تروج لمثل تلك البرامج وهي مسؤولة عن اختيار المشاركين.

لا توجد اية التزامات مباشرة تجاه الشركات المعلوماتية. بعد ستة أشهر تُقام دورات لمتابعة الخريجين وذلك لضمان استدامة التدريب.

تلاحظ نجاة رشدي من برنامج الأمم المتحدة الانمائي في هذه الأثناء وجود تقدم ملحوظً لدى الحكومات وتقول ان "بعض دول المنطقة تضع استراتيجية لا تكون فيها تقنية المعلومات نقطة للانطلاق، بل أداة للتطور."

الوزير وحده لم يحضر

ولكن بالرغم من ذلك فان الشركات الدولية تدعم تطوير النظام التعليمي ولديها القدرة على ابراز نفسها. ولتكريم أفضل خريجي الدورة الأولى في الصيف دعتهم شركة "انتل" الى حفل افطار رمضاني في قاعة الاحتفالات التابعة لسلاح الجو المصري. كما دعت أساتذة ومسؤولين الى هذا الحفل.

جدير بالذكر ان تلك القاعة كانت مجهزة بشكل فخم لدرجة ان المرء لا يفرقها عن قاعات فنادق الخمسة نجوم. فقط وزير التربية والتعليم، احمد جمال الدين موسى، اعتذر في اللحظة الأخيرة عن الحضور.

بقلم فريدريك ريشتر
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

التعليم بضاعة للتصدير في زمن العولمة
يبدو أن المستثمرين الأجانب يتدفقون من كل البلدان على النيل لتشييد جامعات خاصة. فالأمريكان موجودون منذ عهد بعيد هناك، أما الفرنسيون والألمان فمتواجدون منذ بضعة فصول دراسية. في الخريف سيقوم الكنديون والبريطانيون بافتتاح صالاتهم الدراسية. وعلاوة على ذلك أعلن الآن الروس وكذلك اليابانيون والصينيون والرومان عن نيتهم بالمشاركة.