خصوم إردوغان الجدد في تركيا - حزبا أحمد داود أوغلو وعلي باباجان

بعد ثمانية عشر عاما من حكم إردوغان لتركيا بثبات ها هو حزبه يواجه تحدياً كبيراً: أعضاء سابقون لهم وزنهم تركوا حزبه من أجل تأسيس أحزابهم الخاصة. عائشة كارابات والتفاصيل من تركيا لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ayşe Karabat

طيلة ثمانية عشر عاما في ظل القيادة القوية للرئيس رجب طيب إردوغان، غيّر الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) وجه السياسة التركية، غالباً بسبب غياب معارضة قوية. لكن ها هو حزب العدالة والتنمية يواجه تحديات هائلة، تأتي في الوقت ذاته من ثلاث مجموعات منفصلة.

المجموعة الأولى هي عبارة عن حزب سياسي، تأسّس في الثالث عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام الحالي (2019)، باسم حزب المستقبل والذي سيرأسه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو. أما الحزب الثاني فسيرأسه نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، والذي يعمل إلى جانب الرئيس السابق عبد الله غل، ومن المتوقع أن يصبح حزباً سياسياً بشكل رسمي في غضون أسابيع قليلة.

بينما تتألف المجموعة الثالثة من هؤلاء الذين ما زالوا ضمن صفوف حزب العدالة والتنمية، بيد أنهم لا يملكون قائداً ويترددون في العمل مع المجموعتين الأخريين. مع ذلك، فإنهم يتشاطرون الشكوى الأساسية ذاتها: لم يعد حزب العدالة والتنمية هو الحزب الذي كرّسوا أنفسهم له فيما مضى. أحدهم هو مصطفى ينار أوغلو، الذي كان صريحاً في نقده للحزب وممارساته غير الديمقراطية. وقد أُجبِر على الاستقالة من حزب العدالة والتنمية -بناء على طلب إردوغان- في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

تشعر كل هذه المجموعات بأن حزب العدالة والتنمية قد تحوّل إلى هيئة مركزية للغاية حيث المحسوبية والحظر هما السائدان. مع ذلك، في البداية، حين وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، كانت أجندته السياسية هي التي شجّعت الحرية.

جو من الخوف

وفي كلمته الافتتاحية في تأسيس حزب المستقبل، أكّد داود أوغلو على ضرورة تخفيف القيود المفروضة على المجتمع، مع التركيز بشكل خاص على الحاجة إلى صحافة حرّة. وقد قال: "على الرغم من كل الضغوط وجو الخوف الذي يجري تعزيزه، فقد اجتمعنا لرسم مستقبل مزدهر لبلدنا".

أما باباجان، فقد أعرب أيضاً، في مقابلة نادرة مع الإذاعة الخاصة خبر تُرك Habertürk في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، عن قلقه من جو الخوف. قال إن شباب تركيا على وجه الخصوص أصبحوا خائفين من كتابة تغريدات، قلقين من أن التعبير عن آرائهم قد يمنعهم من العثور على عمل. وقال: "تتزايد مشاكل تركيا ونشعر أنها قد دخلت نفقاً مظلماً".

 

 رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو  والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(photo: Laszlo Balogh/Getty Images)
مستقبل مزدهر: استقال رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو من حزب العدالة والتنمية في أيلول/سبتمبر 2019. ويعارض حزبُ المستقبل، الذي أسّسه في 13 كانون الأول/ديسمبر 2019، نظامَ إردوغان الرئاسي ويسعى إلى إعادة نظام الديمقراطية البرلمانية في تركيا. كما تحتل الصحافة الحرة والمجتمع الاشتمالي دوراً كبيراً في أجندة حزبه السياسية.

 

مع ذلك، وكما أشار رئيس تحرير القناة التلفزيونية المستقلة ميدياسكوب Medyascope روشين تشاكير، فإن كليهما يتجنّبان تسمية الشخص المسؤول عن "جو الخوف" أو "النفق المظلم" هذا.

يقول تشاكير: "قد يوجِّه داود أوغلو وباباجان أصابعَ الاتّهام في نهاية المطاف إلى إردوغان، بيد أن موقفهما الحالي يضع مصداقيتهما موضع شك. فقد كانا وزملاؤهما المنشقون ناشطين سابقاً في حزب العدالة والتنمية وبالتالي يتحملون، ولو جزئياً، جزءاً من مسؤولية خلق مناخ سياسي يجدونه الآن لا يُطاق". يردّد تشاكير بذلك آراء صحفيين ونقّاد آخرين، ممن يجادلون بأن أعضاء حزب العدالة والتنمية ينبغي أن يكونوا أكثر انتقاداً حول أدوارهم في خلق الجو الحالي.

وكان داود أوغلو قد استقال من حزب العدالة والتنمية في أيلول/سبتمبر 2019 بعد أن أحالته اللجنة المركزية للحزب إلى لجنة الانضباط. في الوقت ذاته، بقي باباجان عضواً في حزب العدالة والتنمية حتى استقالته في تموز/يوليو من 2019.

كلاهما ينتقدان الآن علانية النظام الصارم للحزب وقد وعدا بأن حزبيهما الجديدين سيوليان أهمية خاصة لآليات التشاور. كما يعارض كلاهما النظامَ الرئاسي، الذي نُفِّذ في عام 2017، ويدافعان عن استعادة الديمقراطية البرلمانية. إضافة إلى وعدهما بأن يكونا اشتماليين وبألاَّ يستقطبا المجتمع.

ماذا عن الأكراد؟

بيد أن النقطة الأخرى التي يتشاطرانها هي عدم توضيح طريقة تناولهما للقضية الكردية، التي تمثِّل واحدة من أكبر مشاكل تركيا سواء محلياً أو في السياسة الخارجية.

وقد شدّد داود أوغلو، في كلمته الافتتاحية، على أهمية الحق في التعليم باللغة الأم، بيد أنه لم يذكر بشكل صريح اللغة الكردية. غير أن أجندة حزبه تنتقد الافتقار إلى الديمقراطية بشكل عام المُفاقِم للمشكلة الكردية.

 

 

كما ادّعى باباجان، في مقابلة مع صحيفة قرار التركية (Karar) في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أن التخلف الاجتماعي-الاقتصادي كان أحد المشاكل الأساسية. وقال إن القضية الكردية ستكون من الاهتمامات ذات الأولوية بالنسبة لهم. ومن بين أولئك الذين يعملون الآن مع باباجان، بعض الوزراء السابقين الذين شاركوا بفعالية في جهود حزب العدالة والتنمية لمعالجة القضية في الماضي، وهما سعد الله إرغين وبشير أتالاي.

أما وهاب جوشكون، محلل سياسي وأستاذ القانون في جامعة دجلة في ديار بكر، فيخبر موقع قنطرة أنه من غير المستغرب في المناخ القومي الحالي أن تسعى كلتا الحركتين الجديدتين إلى خطاب متوازن.

وكما قال جوشكون: "من المرجح أن يسعى حزب داود أوغلو بشكل أساسي إلى الحصول على أصوات المحافظين والأفراد ذوي الحساسية الدينية، في حين أن حزب باباجان سيسعى إلى الحصول على دعم الوسطيين. وهذا سيكون مرآة لموقفهما تجاه القضية الكردية وموقف الناخبين الأكراد تجاههما"، مشيراً إلى أن حزب باباجان قد يكون أكثر جاذبية للأكراد.

كما أشار أيضاً إلى أن الإدارة الحالية حاولت إلقاء كل اللوم المتّعلق بأوجه القصور في السياسة التركية في سوريا على أكتاف داود أوغلو، وهذا أمر يرجَّح أن يوافق عليه بعض الناخبين الأكراد.

وكما قال لموقع قنطرة غوركان زنغين، مؤلّف سيرة داود أوغلو، فإن الاختلاف الرئيسي بين حزب داود أوغلو وحزب باباجان سيكون فعلياً في سياساتهما الخارجية.

"يقترح داود أوغلو مواصلة السياسة الخارجية التي هو مهندسها، سياسة خارجية متعددة الطبقات، ومتعددة الأبعاد، لا تضم العلاقات الأطلسية-الأوروبية فحسب، بل الصين وروسيا والشرق الأوسط أيضاً. ومن ناحية أخرى، يعطي باباجان الانطباعَ بأن حزبه سيتّبع سياسة خارجية متمحورة حول أوروبا والمحيط الأطلسي".

وأحد الأسباب الأخرى خلف سعيهما وراء مسارات منفصلة هو طريقة عملهما. إذ يشدّد كلاهما على ضرورة التشاور، بيد أنه، وكما قال باباجان، فإن حزبه يرغب في تأسيس حزب مستند على كادر، في حين أن منظمة داود أوغلو ستعتبره المركز.

توحيد الجهود

بيد أن أمراً واحداً قد يجمعهما سوية، وهو احتمالية توحيد جهودهما مع تكتّل المعارضة. فالنظام الرئاسي، الذي دخل حيز التنفيذ في أعقاب استفتاء عام 2017 والذي يتطلّب أكثر من 50 بالمئة من الأصوات لانتخاب الرئيس، يقتضي تشكيل تحالفات بين الأحزاب السياسية.

وخلال الانتخابات العامة في عام 2018 حصل حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية (MHP) على أغلبية برلمانية، على أساس 53.7 بالمئة من الأصوات، بينما حقّق إردوغان انتصاراً من الجولة الأولى، حاصلاً على نسبة 52.6 بالمئة في التصويت الرئاسي.

 

أنصار حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد 21 / 10 / 2019 في منطقة ديار بكر - تركيا - في احتجاجات على احتجاز قادة سياسيين محليين. (photo: Reuters/Sertac Kayar/File Photo)
من المرجح أن يجذب حزب باباجان الأكراد: "من المرجح أن يسعى حزب داوود أوغلو بشكل أساسي إلى الحصول على أصوات المحافظين والأفراد ذوي الحساسية الدينية، في حين أن حزب باباجان سيسعى إلى الحصول على دعم الوسطيين. هذا وهذا سيكون مرآة لموقفهما تجاه القضية الكردية وموقف الناخبين الأكراد تجاههما"، كما يقول المحلل السياسي وهاب جوشكون.

 

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الهوامش الصغيرة يمكن تجاوزها بسهولة إن خسر حزب العدالة والتنمية بعض أصواته لصالح الحزبين الجديدين. وتشير استطلاعات رأي مختلفة إلى أنه من الممكن تماماً حدوث سيناريو كهذا إذ أنها تقدِّر دعماً شعبياً يصل إلى 3,4 بالمئة لصالح حزب داود أوغلو "المستقبل"، وما يقارب من 8 بالمئة لصالح حزب باباجان.

ورغم أنه من غير المُتوقع إجراء انتخابات جديدة قبل عام 2023، بيد أن المعارضة تتوقع أن تختار الحكومة انتخابات مبكّرة، قبل أن يتمكن الحزبان الجديدان من الوفاء بالتزاماتهما القانونية للترشح في الانتخابات. كما أنه ليس من الواضح بعد ما سيكون عليه موقف الأحزاب المعارضة من هذين الحزبين الجديدين.

بيد أن السياسة التركية مليئة بالمفاجآت دائماً. فقد يحاول إردوغان، الذي بدأ بالفعل باستهدافهما، بإقناعهما بإعادة الانضمام لحزب العدالة والتنمية.

بيد أن هناك أمراً واحداً واضحاً وهو أن: الدعم المسانِد لإدوغان يتضاءل. فخلال الشهرين الماضيين فقط، فقد حزبه 57 ألف عضو. ويبدو من المرجح أن يتواصل هذا الاتجاه، إن لم يكن آخذاً في النمو.

 

عائشة كارابات 

ترجمة: يسرى مرعي 

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

‏ar.Qantara.de