آدم وحواء ونظرية التطور لدارون

إن ما يجمع الإنجيلين المسيحيين والمسلمين المدافعين عن نظرية الخلق، كالتركي هارون يحيى المناهض لنظرية داروين، هو الصراع المشترك ضد المادية والنظام العلماني للدولة. هارالد براندت يسلط الضوء على أبعاد هذا التحالف المسيحي الإسلامي وأسبابه.

​​ "نظرية داروين المتعلقة بنشوء الأنواع مرفوضة وخاطئة، فملايين المستحثات تؤكد أن ألله لم يغير الحيوانات ولا النباتات منذ خلقها"، هذا كان جوهر الرسالة التي ما أنقطع عدنان أوتكار، المعارض لنظرية داروين، عن نشرها في كتبه التي تزيد عن 200 عدداً وفي البرامج التلفزيونية وعدد كبير من صفحات الإنترنت. وتحت اسم مستعار هو "هارون يحيى" ظهر الجزء الأول من "أطلس المخلوقات"، وهو كتاب مصور فاخر وكبير الحجم، يصل وزنه إلى 7 كيلو غرام، وتم إرساله مجاناً إلى آلاف الجامعات والمدارس والمعاهد البحثية في أوروبا. وفي كانون الثاني/ يناير 2007 وصلت نسخة من مؤلف هذا الكاتب المجهول إلى عالم الرياضيات والنائب الاشتراكي السابق في البرلمان الأوروبي غي لاينغاغن، الذي يهتم منذ عام 1997 بظاهرة الخلق.

العالم الإسلامي مركز للمؤمنين بنظرية الخلق

إن قيام قصة الخلق في الكتاب المقدس برسم صورة دقيقة لنشوء الأنواع وصولاً إلى الإنسان، يعد قناعة تنتشر بين كل مجموعات المؤمنين بنظرية الخلق في أمريكا الشمالية على الأقل. لكن حدوث تبدل في العالم الإسلامي هو الآخر بهذا الشأن، تبدل يعتمد على وسائل قادرة على بدء هجوم كبير على عدد كبير من الدول الأوروبية، شكل مفاجئة لعالم الرياضيات غي لاينغاغن.

وكان رد فعل فرنسا العلمانية سريعاً، فبطلب من وزارة التربية أصدر العالم المتخصص في نظرية التطور هيرفيه لوغيادير تقريراً، أثبت فيه عدم أهمية الأطروحات الواردة في كتاب "أطلس الخليقة". لكن عالم الرياضيات غي لاينغاغن يرى أن الأمر لا يتعلق هنا البتة بجدل علمي.

عالم الرياضيات والنائب الاشتراكي السابق في البرلمان الأوروبي غي لاينغاغن، الصورة: أوروبا رات
"منع تدريس نظرية التطور، يعد بمثابة هجوماً على حقوق الإنسان"

​​ ويقول لاينغاغن إن هدف أنصار نظرية الخلق، الذين باتوا يشكلون في الوقت الراهن رأس الحربة بالنسبة للقوى السياسية الرجعية في كل أنحاء العالم، هو في المقام الأول إنشاء حكومة دينية. وأعد لاينغاغن تقريراً مفصلاً لصالح المفوضية الأوروبية لمجلس أوروبا، عن مخاطر أطروحات أتباع نظرية الخلق على نظام التعليم والتربية في دول المجموعة الأوروبية. وأشار لاينغاغن في تقريره على التعاون الوثيق بين أتباع هذه النظرية من المسلمين والمسيحيين.

ويقوم تقرير غي لاينغاغن على تجارب مؤرخ العلوم جاك أرنولد، الذي يشير في كتابة الصادر عام 2008 بعنوان "داروين في مواجهة الله" Dieu versus Darwin. إلى العلاقات الوثيقة منذ 20 عاماً بين المعهد الأمريكي لأبحاث الخليقة Institutr for Ceation Research ووزارة التعليم التركية. فحين قام عدنان أوتكار عام 1991 بتأسيس مؤسسته البحثية الخاصة "مؤسسة البحث العلمي"Bilim Arastirma Vakfi، كان على قائمة المدعوين للمشاركة في المؤتمر شخصيات قيادية من المعهد الأمريكي لأبحاث الخليقة، مثل غوان غيش وجون موريس.

اهتمام بالمواطنين غير المثقفين

وفي مقابلة بشأن نظرية الخلق تعود إلى عام 2008 قال عالم الرياضيات غي لاينغاغن: "إن الرأسمالية الكبيرة تبدي اهتماماً بغير المثقفين من المواطنين بشكل فعال في عملها، لكن الأمر لم يعد كذلك". ويعزي ذلك إلى أن حكم الجاهلين يعد أسهل دائماً من حكم الأشخاص المفكرين والذين يطرحون الأسئلة وكذلك المعترضين ربما. ويضيف العالم الفرنسي بالقول: "توجد جملة في تقريري، تمت مناقشتها كثيراً، وتمسكت بها على الرغم من جميع الاعتراضات. وهذه الجملة هي: إن منع تدريس نظرية التطور، يعد بمثابة هجوماً على حقوق الإنسان". ويستطرد لاينغاغن بالقول: "لا أعرف عدد الفروع العلمية الواردة في نظرية التطور. إن علوماً مثل علم الدراسات القديمة وعلم الوراثة ونظرية الاحتمالات ونظرية الانجراف القاري، كل هذه الفروع العلمية تؤدي دوراً في نموذج التطور. إن منع الشباب من تعلم هذه المعارف، التي جمعتها البشرية خلال مئات إن لم نقل آلاف السنين، يعني منعهم من فهم هذا العالم".

وفي وسائل الإعلام الغربية توصف الحوادث في العالم الإسلامي بأنها "عودة إلى القيم التقليدية". لكن الباحث في الشؤون الإسلامية أوليفر روي يقول في هذا السياق في كتابه الصادر عام 2008 بعنوان "الجهل المقدس" La Sainte Ignorance إن "هذا خاطئ تماماً"، ويرى روي أن هناك تشابهاً واضحاً بين كل صيغ الأصولية الدينية التي باتت تهدد اليوم الأسس العلمانية ليس في تركيا وحدها.

الإسلام هو الإسلام في كل مكان

فكر دارون مايزال يثير جدلا في الأوساط الدينية في مقابلة أصحاب المنهج العلمي

​​ وفيما يستند التقليديون على المعارف المتوارثة أو التفسير الكلاسيكي للمرجعيات الدينية، يدعي الأصوليون وجود صلة مباشرة تنتهي إلى النصوص المقدسة للكتب السماوية. ولديهم تطلع عالمي لم يسبق له أن يكون بهذه الصيغة من قبل مطلقاً. إن الإسلام هو الإسلام أينما كان. فالفواق الثقافية والمتطورة تاريخياً لم تعد تؤدي أي دور يُذكر، بل ويتم تجاهلها بقصد.

إن الأشكال الحديثة من الأصولية هي نتاج من نتاجات العولمة، كما يقول أوليفر روي، فالمرء يأخذ بعض الأمور من ثقافات مختلفة ويجمعها سوية بأفضل شكل مناسب. ومن الأمثلة التقليدية على هذه الإستراتيجية هو عدنان أوتكار، المدعو بهارون يحيى. ويستطرد روي بالقول: "إن هارون يحيى حريص على أن يكون له مكان في مركز الحوار بين الديانات". ويضيف قائلاً: "فهو لا يريد أن يظهر كمدافع عن الحقيقة القرآنية في المقام الأول، بل كمدافع عن أسطورة الخلق، التي لا تختلف في كل الأديان، كما يقول".

وبهذه الإستراتيجية يهدف هارون يحيى بشكل واضح الوصول إلى القارئ الأوروبي، كما يرى أوليفر روي. ويمكن للمتخصص في الدراسات الإسلامية أن يتصور أنه توجد هناك أوساط أمريكية، يهمها نشر أطروحات نظرية الخلق أكثر من نشر المسيحية نفسها. وفي هذا السياق يقول روي: "بهذه الطريقة ربما يعمل هذا "النموذج الذكي". فالمؤمنون بنظرية الخلق غيروا من إستراتيجيتهم خلال السنوات الأخيرة. وبينما كان الأمر في الماضي يتعلق بنشر الحقيقة المطلقة للكتاب المقدس، باتوا يحاولون في الوقت الراهن الدخول إلى بيئة غير مسيحية. ولم يعد يتكرر القول 'إن نظرية الخلق صحيحة لأنها تتفق مع الكتاب المقدس'، بل بات يتردد الآن 'إن نظرية الخلق صحيحة لأن التطور لا يمت إلى العلم بصلة'." إذن، فإن الأمر يتعلق هنا بإيجاد مفهوم غير ديني، يسمح بتوجيه النقد لنظرية التطور، و"النموذج الذكي" هنا هو هذا المفهوم غير الديني.

صراع ضد المادية والعلمانية

أوليفر روي، الصورة: ا.ب
"في تركيا يمكن ملاحظة ظاهرة، تتبعتها باهتمام خاص طول السنوات الماضية، وهي حقيقة أن الحركة، التي أصفها بالأصولية الجديدة، تتوجه بشكل متزايد وفق تصنيفات الإنجيلية البروتستانتية"

​​ إن ما يربط الإنجيليين المسيحيين بالمدافعين عن نظرية الخلق من المسلمين، هو الصراع المشترك ضد المادية والنظام العلماني للدولة. ويمكن للمرء أن يجد من الأمثلة على هذا النوع من التحالفات العابرة لحدود الدين، كما يرى أوليفر روي، الذي يضيف قائلاً: "في تركيا يمكن ملاحظة ظاهرة، تتبعتها باهتمام خاص طول السنوات الماضية، وهي حقيقة أن الحركة، التي أصفها بالأصولية الجديدة، تتوجه بشكل متزايد وفق تصنيفات الإنجيلية البروتستانتية."

ويعتقد أوليفر روي أن هذا يشمل أيضاً المعايير والدفاع عن العائلة الموقف من زواج المثليين والإجهاض. ويضيف روي بالقول: "إن هذا الشكل من الأصولية الجديدة يعد حركة غير سياسية نسبياً، منبثقة من الحركة الوسطى، التي تلتقي باندماج اجتماعي جيد، والتي تتخذ موقفاً حازماً مما يتعلق بالمعايير والأخلاق. إنها حركة تكتسب مواضيع الحقوق الدينية في أمريكا".

وعلى الرغم من أن أطروحات عدنان أوتكار ليس لها أي سند علمي، إلا أن لها تأثير وخيم على المجتمع التركي. فرئيس تحرير مجلة "العلم والمستقبل" العلمية Bilim ve Gelecek في اسطنبول يشير إلى بحث، أجراه فريقه العلمي قبل بضع سنوات في جامعات مختلفة: "إن سوء نظام التعليم في تركيا يؤدي كذلك إلى عدم اعتقاد الكثير من طلبة علوم الأحياء بنظرية التطور. فقد أظهرت نتائج اختبار أُجري في خمس جامعات مهمة في اسطنبول وأنقرة وكوجليدا أن ثمانين في المائة من المستطلعة آراؤهم –ومن بينهم طلاب في المراحل المتقدمة- يعتقدون أن البشرية تنحدر من آدم وحواء. ومن الطبيعي فإن هذا ليس ما هو موجود في المناهج الرسمية، لكن لأن النظام يقوم على الحفظ المتعنت، فليس لدى الطلبة فرصة لتعلم المنطق الداخلي للتفكير العلمي. فهم يتعلمون نظرية التطور، لكنهم على الرغم من ذلك يؤمنون بآدم وحواء".

هارالد براندت
ترجمة: عماد م. غانم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

معرض في مدينة كارلسروهه عن بداية البشرية:
الحضارة بدأت في الأناضول
قبل ما يقرب من 12 ألف عام إستوطن الإنسان الأناضول. هذا التطور ارتبط بالزراعة وتربية الحيوانات وتشييد المعابد. اللقى الآثارية التي عثر عليها هناك تعرض الآن لأول مرة في معرض متحف كارلسروهه. تقرير من جورج باتزر.

عندما يتحول الفن إثمًا في أندونيسيا:
لا عراة في الفردوس!
يناقش البرلمان الإندونيسي حاليًا مسودة قانونتتناول منع التصوير الإباحي الذي يمتد ليشمل كل شيء في الحياة. في حال المصادقة على المسودة بشكلها الراهن، فسيصبح تبادل القبلات في الأماكن العامة أو حركات الرقص الإيروتيكية آنئذ سببا لعقوبة شديدة بالسجن. تقرير كتبته كريستينا شوت.

التعامل مع المِحن في المسيحية والإسلام:
"الدنيا في الإسلام ليست ساحة للتأفف والنواح"
هل الإيمان بالقضاء والقدر سمة إسلامية بحتة؟ هل علم اللاهوت المسيحي هو العلم الوحيد الذي ناقش مسألة العدل الإلهي؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت محور نقاشات مؤتمر عقده المنتدى الديني المسيحي الإسلامي بالأكاديمية الكاثوليكية بمدينة شتوتجارت الألمانية. كلاوديا منده تعرفنا بهذا المؤتمر ونتائجه.