عودة الجدل حول أهلية تدريس الدين الإسلامي في ألمانيا

قرار البروفيسور سفين كاليش، عالم الدين الإسلامي في ألمانيا، بالتخلي عن الإسلام، لم يطفئ الجدل المثار منذ سنوات حول أفكاره، بل يفتح باب التجاذبات بين الحرية الأكاديمية في الجامعة ونفوذ الهيئات الدينية على مجال تدريس الدين الإسلامي في الجامعات الألمانية. منصف السليمي يلقي الضوء على تداعيات قرار كاليش.

البروفيسور سفين كاليش، الصورة دويتشه فيله
البروفيسور سفين كاليش في مكتبه بمركز الدراسات الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية

​​إعلان جامعة مونستر الألمانية أن عالم الدين الإسلامي، البروفيسور سفين كاليش، "لم يعد مسلماً"، حمل معه تأكيدا من الجامعة بأن قرار كاليش "لن تكون له تبعات بالنسبة للجامعة" بشأن تدريسه لمادة الدين الإسلامي. وقد أثار قرار كاليش ردود فعل متباينة في الأوساط الأكاديمية والدينية بألمانيا، وخصوصا بشأن تداعياته على وضعه كمدرس لمادة الدين الإسلامي، ففي الوقت الذي أكد فيه متحدث باسم جامعة مونستر بأنه ليس هناك إلزام بأن يكون أستاذ جامعة ¬أو حتى عالم في الدين الإسلامي مسلما، طالبت هيئات إسلامية في ألمانيا بعدم استمرار كاليش في منصبه كأستاذ كرسي بجامعة مونستر متخصص في الدين الإسلامي.

ويكتسب الجدل حول هذا الموضوع أبعادا متعددة، ففضلا عن النقاش الذي يثيره حول الحرية الأكاديمية في تدريس الدين بالجامعات الألمانية، فإن الجدل الحاد حول هذا الموضوع يثير تساؤلات حول انعكاساته على خطة حديثة أقرها مجلس العلوم الألماني بتدريس الدين الإسلامي في عدد من الجامعات الألمانية.

كاليش شخصية علمية "مثيرة للجدل"

تأكيد قرار البروفيسور سفين كاليش (44 عاما) أستاذ كرسي بجامعة مونستر الألمانية متخصص في تدريس الدين الإسلامي، بأنه"لم يعد مسلما"، جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم جامعة مونستر الذي أوضح بأن" البروفيسور كاليش نفسه أكد لرئاسة الجامعة قراره وأعرب لها عن رغبته بتأكيد ذلك لوسائل الإعلام"، كما أكد نوربرت روبرز المتحدث باسم جامعة مونستر في حوار مع دويتشه فيله.

وينظر إلى كاليش على أنه شخصية علمية "مثيرة للجدل"، فقد تحول من البروتستانتية إلى الإسلام عندما كان يبلغ من العمر 15 عاما. وهو يتولى منذ عام 2004 تدريس مادة الدين الإسلامي في جامعة مونستر كما أوكلت له في الآونة الأخيرة مهمة تدريب مدرسي الدين الإسلامي للعمل في المدارس الحكومية، ضمن خطة أوصى بها مجلس العلوم (هيئة استشارية لدى الحكومة الألمانية في الشؤون العلمية) لتعزيز تدريب مدرسي الدين الإسلامي والأئمة في ألمانيا.

وكان تعبير كاليش خلال الأعوام القليلة الأخيرة عن آراء تشكك في وجود النبي محمد وفي القرآن ككتاب منزل من عند الله، قد أثار جدلا واسعا في ألمانيا، وطالبت هيئات إسلامية ألمانية بعدم استمراره في وظيفته كمدرس للدين الإسلامي. ونُقل عن كاليش خلال الأشهر القليلة الماضية أنه بات عازفا عن التحدث إلى وسائل الإعلام وبأنه قال: "كان هناك الكثير من السجال بشأن شخصي خلال الأعوام الماضية".

مطالب بتنحية كاليش عن تدريس الدين الإسلامي

بكر البوغا مسؤول الجمعية الإسلامية التركية في ألمانيا (يمين الصورة) والى اليسار يبدو فولفغانغ شويبله وزير الداخلية الألماني السابق ( وزير المالية حالياً) الذي بادر بتنظيم مؤتمر الإسلام في ألمانيا في برلين ، الصورة دويتشه فيله
البوغا: "إن كاليش يقول بنفسه أنه لم يعد مسلما فلماذا يستمر الطلاب في متابعة دروسه عن الدين الإسلامي؟"

​​بقدر ما جاء قرار البروفيسور كاليش بالتخلي عن الإسلام غير مفاجئ فإن الإعلان عن قراره لا يبدو أنه سيطفئ حدة الجدل الذي أثير منذ سنوات حول آرائه الفكرية وخصوصا حول تبعات قراره على وضعه كأستاذ كرسي متخصص في الدين الإسلامي. فقد جددت هيئات إسلامية في ألمانيا مطالبها بتنحيه من منصبه كمدرس للدين الإسلامي. وفي حوار مع دويتشه فيله قال بكر البوغا، مسؤول حوار الأديان والثقافات في الجمعية الإسلامية التركية، وهي واحدة من كبريات الهيئات الإسلامية في ألمانيا، "إن كاليش يقول بنفسه أنه لم يعد مسلما فلماذا يستمر الطلاب في متابعة دروسه عن الدين الإسلامي؟". وفي رده على سؤال حول تعارض مطالب الهيئات الإسلامية بمنع غير المسلمين من تدريس الدين الإسلامي مع مبادئ الحرية الأكاديمية واستقلالية الجامعة، اعتبر البوغا أن قرار تعيين المدرسين يعود للجامعة، وأضاف "نحن لا نتدخل في هذا الشأن، لكن ما نطالب به كمسلمين هو أن نحافظ على عقيدة أبنائنا".

الجامعة تؤكد على حقها "وحدها" في اتخاذ القرار

وفي تعقيبه على موقف الهيئات الإسلامية بشأن من توكل إليهم مهمة تدريس الدين الإسلامي، قال نوربرت روبرز المتحدث بإسم جامعة مونستر، إن " ألمانيا بلد قائم على الحرية، ولكل شخص الحق في التعبير عن رأيه في قضية كاليش أيضا. لكنه شدد على " تمسك الجامعة بحقها وحدها في حل هذه المسألة" وأضاف "الجامعة ستتخذ موقفها بتأن وهدوء مع المتخصصين ومع البروفيسور كاليش نفسه وإدارة الجامعة، ونحن نأخذ علما بردود الأفعال ونحترم ما يقال، لكننا كجامعة نتمسك باستقلالية قرارنا"، مشيرا بأن الأمر يعود أيضا إلى كاليش نفسه إن كان يرغب في التخلي عن منصبه أم لا.

وحول مدى تأثير تخلي كاليش عن الإسلام على خطة تدريب مدرسي الدين الإسلامي والأئمة، أكد المتحدث بإسم الجامعة أن هذا "الأمر غير وارد ولن تكون هنالك أي تأثيرات"، مؤكدا مضي الجامعة في خطتها التي تعتبرها رائدة في مجال تدريس علوم الدين الإسلامي وتسعى من خلال مركزها المتخصص في الدراسات الإسلامية إلى التحول إلى مركز علمي متخصص في مجال علوم التربية الإسلامية. وأستشهد المسؤول الأكاديمي الألماني بالتراث العلمي العريق لجامعة مونستر في ميدان علم اللاهوت الكاثوليكي والبروتستانتي. وكانت جامعة مونستر قد استحدثت في بداية هذا العام منصبا إضافيا لتدريس الدين الإسلامي وانتدب له أستاذ ألماني من أصل لبناني وهو البروفيسور مهند خورشيد.

مطالب بمعاملة مدرسي الدين الإسلامي مثل مدرسي المسيحية

صورة رمزية عن تعايش الأديان، الصورة أ ب
هيئات إسلامية في ألمانيا تطالب بمعاملة مدرسي الدين الإسلامي بالقواعد المطبقة على مدرسي اللاهوت المسيحي

​​وحول الحجج القانونية التي تستند إليها مطالب بعض الهيئات الإسلامية باقتصار وظيفة مدرسي الدين الإسلامي على المسلمين، قال بكر البوغا إنه "حتى لو كان كاليش نفسه يرغب في الاستمرار في تدريس الدين الإسلامي فإن ذلك غير ممكن بحكم القواعد المعمول بها في ألمانيا، حيث لا يسمح أن يتولى تدريس دين معين إلا من قِبل معتنقيه"، مشيرا في هذا الصدد بأن "تدريس المسيحية لا يسمح به إلا من قِبل مسيحيين وما نطالب به هو تطبيق نفس القاعدة على تدريس الدين الإسلامي سواء في المدارس أو الجامعة".

وفي تعقيبه على هذه المسألة لاحظ روبرز، المتحدث باسم جامعة مونستر، أن هنالك حالات عديدة تتعلق بتدريس اللاهوت المسيحي طرحت في السابق على الجامعات الألمانية وضمنها جامعة مونستر، حيث سحبت الكنائس من مدرسي اللاهوت المسيحي التصريح بتدريس اللاهوت لأنهم حادوا عن المبادئ الكاثوليكية أو البروتستانتية. لكن روبرز أوضح بأن هنالك" قواعد دقيقة تتبعها الكنائس في ألمانيا وفي إطارها يتحدد بدقة ماذا يمكنها القيام به ولكن أيضا ما هي الحدود المرسومة لدورها في هذا المجال". بينما تنشأ إشكاليات في التعامل مع الهيئات الإسلامية في الحالات المشابهة، كما قال المتحدث باسم جامعة مونستر ، بسبب "عدم وجود متحدث واحد باسم الهيئات الإسلامية، ما يجعل الأمر معقدا".

الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق الطبع: دويتشه فيله/ 2010

قنطرة

مستشرقون ألمان حول آراء كاليش المشككة بالنبي محمد:
"نبي الإسلام حقيقة وآراء كاليش لا تمثل إلاّ الأقلية"

أعلنت مجموعة من المستشرقين الألمان رفضها لآراء أستاذ العلوم الإسلامية سفين محمد كاليش المشككة في وجود دليل تاريخي على وجود النبي محمد، مؤكدين أن الغالبية العظمى من الباحثين الغربيين تعتبر وجود النبي محمد حقيقة تاريخية ثابتة وأن آراء كاليش لا تجد قبولا إلا عند قلة من الباحثين.

حوار مع أستاذ التربية الإسلامية بولنت أوجار:
"تخوف مسلمي ألمانيا من فرض إسلام رسمي"

يرى بولنت أوجار، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، أنه ينبغي لدولة القانون الألمانية تجنب التدخل في عملية تطور "إسلام ألماني" وفرض رؤيتها عليه، بيد أنه يطالب في الوقت نفسه الجمعيات والمنظمات الإسلامية بأن تعيد النظر في بنيتها وهيكلتها الأساسية. إلباي جوفرجن حاور البروفيسور أوجار.

مشروع جديد للتقارب بين الأديان:
أكاديمية عالمية لتأهيل رجال الدين

افتتح أخيرا في جامعة هامبورغ مركز "الحوار بين الأديان" لبحث مواضيع دينية-سياسية ولتأهيل الباحثين ومدرسي الدين من المسلمين واليهود والبوذيين في المستقبل القريب. تقرير كتبه ألبرشت متسغير.