الإسلام دين أوروبي.....دعوة لتعزيز جسور الثقة

يرى الفيلسوف المعروف والباحث الإسلامي في جامعة أوكسفورد طارق رمضان أن التصويت السويسري لمنع بناء المآذن يعبر عن نقص واضح في الثقة لدى المسيحيين والمسلمين الأوروبيين على حد سواء. كما يدعو مسلمي أوروبا إلى التعاون مع قوى المجتمع المدني والمساهمة بشكل شجاع وفعال في إقامة مجتمع ديمقراطي متعدد دينياً وثقافياً.

المفكر والباحث الإسلامي طارق رمضان
يرى طارق رمضان أن الاستفتاء يبين نقصاً في الشجاعة الأدبية، كما يظهر ضيقاً في الأفق و نقصاً مفزعاً من الثقة في المواطنين المسلمين الجدد

​​ لا ينبغي أن تسير الأمور هكذا. طوال شهور وهم يقولون لنا إن حظر بناء المآذن في سويسرا أمر محكوم عليه بالفشل. استطلاعات الرأي الأخيرة كانت تفيد بأن نحو 34 في المائة من الشعب السويسري يؤيدون هذه المبادرة المفزعة. ويوم الجمعة الماضي، وبمناسبة لقاء عُقد في مدينة لوزان، أكد أكثر من ثمانمائة أستاذ جامعي وطالب ومواطن سويسري بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستفتاء حول حظر بناء المساجد سيفشل، ولذلك اهتموا بالإجابة على السؤال التالي: ماذا يمكن أن نتعلم من هذه المبادرة الغبية لكي يكون المستقبل أفضل؟

إشارة تحذير إلى المجتمع

أما الآن فتحطمت هذه الثقة، لأن 57 في المائة من الناخبين قد انصاعوا وراء حزب الشعب السويسري (SVP). إنها إشارة تحذير تبين أن هذا الحزب الشعبوي ربما يكون الأقرب إلى مخاوف وتوقعات الناس في سويسرا. لأول مرة منذ عام 1893 تكللت بالنجاح مبادرة ذات مضمون تميزي واضح تعزل فئة معينة من فئات الشعب. صحيح أن الأمل معقود على أن يتم رفض هذا الحظر على المستوى الأوروبي، غير أن هذا لا يقلل من قوة التحذير الذي ينطلق من نتيجة كهذه. ماذا حدث لسويسرا، البلد الذي ولدت فيه؟

ليس هناك في سويسرا كلها سوى أربع مآذن فحسب، كيف وصلت الأمور إذن إلى مثل هذا التصويت؟ إن بلدي يرى نفسه، مثل عديد من البلدان الأوروبية الأخرى، في مواجهة رد فعل يتسم بالقومية تجاه الظهور الجديد للمسلمين الأوروبيين. ما المآذن إلا حجة، فحزب الشعب السويسري اليميني أراد في الحقيقة شن حملة ضد التقاليد الإسلامية فيما يتعلق بذبح الحيوانات، غير أن خشي أن يسيء إلى اليهود السويسريين ولهذا نقل حملته إلى المآذن.

الرموز والصور العدائية تهمين على الجدل في أوروبا

مسجد في زيورخ ، الصورة: ا.ب
في سويسرا حتى الآن نحو 130 منشأة إسلامية، ومنها أربع فقط تضم مآذن

​​ كل بلد من بلدان أوروبا له رموزه وموضوعاته التي يستخدمها لاستهداف المسلمين الأوروبيين. في فرنسا الحجاب أو "البرقع"، وفي ألمانيا المساجد، وفي بريطانيا العظمى العنف، وفي الدانمرك الرسوم الكاريكاتورية، وفي هولندا المثلية الجنسية، إلى آخر تلك القائمة. لكن من المهم بمكان أن نلقي نظرة خلف تلك الرموز حتى نفهم ما يحدث بالفعل، في أوروبا عموماً، وفي سويسرا على وجه الخصوص. إن مواطني البلدان الأوروبية يمرون بأزمة هوية حقيقية وعميقة، ولذلك فإن الظهور العلني الجديد للمسلمين أمر إشكالي، بل ومثير للمخاوف.

يتساءل الأوروبيون في عالم معولم يموج بالهجرة: "أين هي جذورنا؟" و"من نحن؟" و"كيف سيبدو مستقبلنا؟"، في هذه اللحظة تحديداً يرون من حولهم مواطنين جدداً وألوان بشرة جديدة ورموزاً جديدة لم يعتادوا رؤيتها. في السنوات العشرين الأخيرة أصبح الإسلام مرتبطاً بأشياء عديدة مثيرة للجدل، على سبيل المثال لا الحصر: العنف والتطرف وحرية الرأي والتمييز الجنسي والزواج القسري. وهكذا يصعب على المواطن العادي أن يصدر حكماً إيجابياً على الحضور الجديد للمسلمين في الشارع الأوروبي.

الخوف من المجهول ومن "أسلمة أوروبا"

لقد انتشر الخوف والارتياب انتشاراً واسعاً محسوساً. من هم؟ ماذا يريدون؟ مثل هذه الأسئلة تُشحَن بمزيد من الاشتباهات عندما يتحدثون عن الإسلام باعتباره ديناً توسعياً. هل يريد أولئك الناس أسلمة بلدنا؟ إن الحملة التي شُنت على المآذن قد تغذت على تلك المخاوف والإدعاءات تحديداً. لقد تم حشد الناخبين وراء الحملة لأن القائمين عليها استخدموا الغش والتدليس لمخاطبة المشاعر والمخاوف المنتشرة انتشاراً واسعاً. ملصق الحملة يبين امرأة منقبة أمام العلم السويسري الذي احتلته مآذن تشبه الأسلحة.

"في الماضي طالب حزب الشعب السويسري بنزع الجنسية عني لأني أدافع بصراحة تامة عن القيم الإسلامية"

​​كانت إستراتيجيتهم الإعلامية بسيطة، ولكن فعالة. ابذر الخلافات حيثما استطعت. امنح السويسريين الشعور بأنهم ضحايا: إنهم يحاصروننا، إن المسلمين يستعمروننا ونحن صامتين، إننا نفقد جذورنا الضاربة في القدم، ونخسر ثقافتنا؛ فكان النجاح من نصيب هذه الإستراتيجية.لقد أرسلت غالبية الناخبين رسالة واضحة للمواطنين المسلمين: إننا لا نثق بكم، إن أفضل المسلمين بالنسبة لنا هو المسلم الذي لا نراه. مَن علينا أن نحمله مسؤولية ما حدث؟ إنني أقول للمسلمين منذ سنوات أن عليهم أن يظهروا بمظهر إيجابي في مجتمعاتهم الغربية، وأن ينشطوا ويتولوا القيام بمبادرات إيجابية.

على المسلمين تحمل مسؤولية جزئية

خلال الشهور الماضية حاول المسلمون في سويسرا أن يظلوا بعيدين عن الأنظار حتى يتجنبوا المواجهة. كان من الأفضل لو عقدوا تحالفات مع كل تلك المنظمات والأحزاب السويسرية التي عارضت الاستفتاء.يتحمل المسلمون في سويسرا إذن جزءاً من المسؤولية. غير أن علينا أن نضيف أن الأحزاب السياسية في أوروبا، وكذلك في سويسرا، قد استسلمت للخوف فتراجعت عن انتهاج سياسة شجاعة لإقامة مجتمع تعددي دينياً وثقافياً.

وكأن الشعبويين هم الذين يحددون الاتجاه، أما الآخرون فيسيرون وراءهم. لقد فاتهم أن يلاحظوا أن الإسلام قد أصبح الآن ديناً سويسرياً وأوروبياً، وأن جزءاً كبيراً من المواطنين المسلمين "مندمجين" في المجتمع.

إننا نقف أمام تحديات هائلة مثل البطالة والفقر والعنف، تحديات علينا أن نواجهها معاً. لا نستطيع أن نلقي بالذنب على الشعبويين وحدهم. إن الفشل أكبر من ذلك. إنه يبين نقصاً في الشجاعة الأدبية، كما يُظهر ضيقاً في الأفق و نقصاً مفزعاً من الثقة في المواطنين المسلمين الجدد.

طارق رمضان
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: طارق رمضان / "غلوبال فيوبوينت"

يعد طارق رمضان من أهم الشخصيات الإسلامية في الغرب وهو يعمل محاضرا في العلوم الإسلامية في جامعة أوكسفورد، ويحمل الجنسية السويسرية. وقد صدر له في بريطانيا مؤخراً كتاب بعنوان What I Believe (ما أؤمن به).

قنطرة

الاستفتاء السويسري على حظر بناء المآذن:
صفعة للتعددية ونجاح لحملات التخويف
يعد التصويت الصريح لصالح حظر بناء المآذن في سويسرا تعبيرًا عن مخاوف مختلفة ارتبطت بحيثيات وخلفيات مثيرة للجدل أخذت تتغلغل إلى داخل المجتمع السويسري. كريستوف فيرلي يطلعنا على خلفيات الاستفتاء السويسري لحظر بناء المآذن.

الجدل حول بناء المساجد في ألمانيا:
بين الخوف والتخويف- العمارة الإسلامية رؤية للتأمل
تتغذى معارضة بناء المساجد في ألمانيا من روافد عديدة، مثل الهوية الألمانية والقلق الثقافي والديني والخوف من إسلام يبدو مُهدِداً. وبذلك يكون الخوف من المساجد والمآذن والعمارة الإسلامية تعبيراً عن خوف كبير من تجسد تلك الشكوك بشكل علني محسوس حسبما يرى المعماري.

بناء المساجد في ألمانيا:
أستاذ في التصميم المعماري للمآذن
استطاع أحمد أكبابا، النجار المقيم في مدينة إسن الألمانية، أن يجد الوقت المناسب ليتخصص في تصميم المآذن ويصبح رائدا في هذا المجال على مستوى ألمانيا. تقرير عبد الأحمد رشيد.