نحن والاتحاد الأوروبي

يعبر القاضي التونسي السابق المختار اليحياوي في تعليقه عن خيبة أمل النخب المحلية التي ترى أن التعاون والشراكة بين الاتحاد الأوربي وتونس قد تحولتا إلى تمويل وفرض لدكتاتورية بكل مقاييس السلطة الشمولية.

رئيس الجمهورية التونسي زين العابدين بن علي، الصورة: أ ب
رئيس الجمهورية التونسي زين العابدين بن علي أثناء الاحتفالات بمرور خمسين سنة على استقلال تونس من فرنسا في مارس/آذار 2006

​​

تحصل تونس سنويا على 80 مليون أورو تقريبا بعنوان هبات مختلفة من الاتحاد الأوروبي. ويمثل هذا الرقم معدل ما حصلت عليه خلال العشر سنوات الماضية وتحتل بذلك المرتبة الأولى من حيث النسبة بين البلدان المدعومة من الاتحاد.

كما يضاف لهذا المبلغ أضعافه بعنوان قروض مختلفة سواءا من الهيئات المختصة التابعة للاتحاد أو في نطاق التعاون الثنائي مع مختلف بلدان الأعضاء. ويشكل الاتحاد الأوروبي السوق الأول للبضائع والمنتوجات التونسية حيث يستوعب 82% من صادرات تونس المختلفة، وهو بالإضافة إلى ذلك المصدر الأول للاستثمارات الأجنبية الموظفة سنويا في البلاد التونسية.

ولا تقتصر علاقة تونس بالاتحاد الأوروبي عند هذا الحد، فالسياحة التونسية قائمة أساسا على الوافدين من بلدان الاتحاد. ويزور تونس سنويا أكثر من مليون سائح ألماني ومثلهم تقريبا من الفرنسيين وهذا القطاع يجلب لبلادنا سنويا معدل 3000 مليون دولار وهو نفس الرقم تقريبا الذي تبلغه تحويلات العملة التونسيين بالخارج إلى بلادهم والبالغ عددهم عشر السكان والمتركزين أساسا في بلدان الاتحاد الأوروبي.

استمرارية واستقرار

وهذه الأرقام التي تعتبر هامة بمقاييس الإقتصاد التونسي تغني عن الدخول في تفاصيل أدق لتبين حجم وطبيعة العلاقة القائمة بين تونس والإتحاد الأوروبي. ولعله يكفي إضافة مؤشر وحيد لاستكمال الصورة إذ يكفي الإطلاع على جداول الرحلات الجوية المنطلقة من والمتجهة إلى تونس يوميا لإدراك مدى ارتباطها بأوروبا فمدينة باريس وحدها تربطها حوالي 15 رحلة يومية منتظمة مع العاصمة التونسية.

العلاقات التونسية الأوروبية إضافة إلى ذلك تتميز باستمرارية واستقرار يندر وجوده في العلاقات الدولية. وغني عن البيان أن علاقات بهذا الحجم وبهذه الأهمية تتجاوز من بعيد وبكل المقاييس علاقات التبادل العادية القائمة بين الدول.

لذلك فإنه عند الحديث عن علاقة شراكة فإن المعنى يتجاوز التعبير عن الاتفاقات المنظمة لهذه العلاقات ليدلل على واقع يساهم بقدر كبير في حالة الاستقرار ومستوى النمو الذي تحققه البلاد منذ استقلالها.

ورغم أن علاقة بهذا الحجم تحكم على أي بلد بتبعية موضوعية على الأقل من الناحية الإقتصادية، فإن الشراكة التونسية الأوروبية كانت دوما غير مشروطة بما من شأنه أن يمس من استقلالية القرار الوطني ولا بما من شأنه أن يشكل تجاوزا على السيادة الوطنية.

بل أن البند الثالث من اتفاق الشراكة الذي يربط بين المساعدة الأوروبية واحترام حقوق الإنسان وبناء على مقومات دولة القانون عطل تماما تطبيقه حتى لا تثار حفيظة النظام التونسي رغم تعدد وخطورة تجاوزاته في هذا المجال.

تركيز السلطة الفردية

رهان الاتحاد الأوروبي على نجاح النموذج التونسي للتنمية شكل انحيازا لمنهج عقلاني وواقعية سياسية قامت أساسا منذ بدايتها على نشر وتعميم التعليم طبق المناهج العصرية لتنشئة الشباب ودعم مركز المرأة داخل المجتمع وداخل الأسرة إلى مستوى المساواة بالرجل وكفاءة التصرف بحكمة في الموارد رغم محدوديتها بما يرتقي بالمجتمع ككل، بحيث تبدو الأهداف المعلنة مؤدية في محصلتها النهائية إلى تكريس نظام ديموقراطي يكرس بصورة فعلية المبادئ التي جاء بها الدستور التونسي الصادر إثر الاستقلال، رغم هوس السلطة الذي أصيب به بورقيبة في آخر أيامه وكذب الوعود التي أطلقها الماسكون بالحكم الآن عند إزاحته.

فقد جاءت التحويرات التي أدخلت على تنظيم الحياة السياسية في المرحلة الأخيرة كلها في اتجاه زيادة تركيز السلطة الفردية والتي أتت تدريجيا على أي صلاحية خارج السلطة الرئاسية التي دعمت بصلاحيات تشريعية وحصنت من أي مسائلة قانونية لتعطي الصورة الشمولية الحقيقية والنهائية التي ينتهجها النظام حاليا.

كما جاء التعامل مع مختلف مقومات التنوع من جمعيات وأحزاب ونقابات إملائيا ووصائيا صرفا بينما صودرت وحوصرت تماما حرية التعبير وفرض حصار حديدي على الإعلام ووجهت مطالب التحرر المتصاعدة من داخل مؤسسات الدولة نفسها مثل القضاء بكتم أنفاسها.

تمويل دكتاتورية

وهكذا بدا منذ الإعداد للتمديد بفترة غير دستورية إضافية للرئيس بن علي سنة 2004 غلبة نهج الانغلاق السياسي، وتأكد الاتجاه نحو الحيلولة دون ترك المجال للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتبعة منذ الاستقلال لطرح ثمارها السياسية والتى كان من المفروض أن تتجلى في تدرج النظام التسلطي نحو مقومات دولة قانون ومؤسسات وإفساح المجال لقبول بتعددية فعلية ومجتمع مدني فاعل وحياة سياسية عادية وإعادة السلطة الأمنية لاختصاصاتها الطبيعية.

شركاء تونس في الاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة الأمريكية رغم ما داخلهم من ريبة اكتفوا بضغوط سقيمة. بينما بقي دعم الإتحاد الأوروبي المالي للنموذج التونسي للتنمية على حاله وتحول في حقيقته إلى تمويل سلطة دكتاتورية قائمة على القهر والاضطهاد لشعبها.

وتبدو المفارقة في خيبة أمل النخب المحلية عندما تجد أن التعويل على التعاون والشراكة مع أنظمة ديموقراطية تتحول إلى تمويل وفرض لدكتاتوريات بكل مقاييس السلطة الشمولية. كما يبرز تناقض مريب يصعب القبول به عندما يعمد نظام قائم أساسا على المنح والدعم الأوروبي إلى تقرير قواعد الولاء والتبعية في الاعتراف والسماح بالنشاط وتقديم التمويل لأحزاب وجمعيات شكلية بينما يشير بتهم الخيانة للوطن والتبعية للخارج لمخالفيه لمجرد انفتاحهم على الحوار مع ممثلي وتنظيمات نفس هذه الدول الداعمة له.

قد تكون الكلمات قاسية في استخلاص نتيجة هذه الشراكة لحد اليوم: و لكن أليس مستغربا أن تقود كل هذه الأموال المبذولة لترقية إقتصاد بلادنا إلى تركيعها سياسيا وإحباط شبابها وسحق كل صوت معارض أو مخالف داخلها وإجهاض النتيجة الطبيعية التي ينتضرها شعبها من تنميتها؟

ماذا بقي لنا أن نطلب من الاتحاد الأوروبي الآن؟ يقول مثلنا الشعبي في تونس: " الجار قبل الدار"

المختار اليحياوي
حقوق الطبع قنطرة 2006

- تحصل تونس كذلك على ما يفوق معدل 300 دولار للفرد سنويا من الولايات التحدة الأمريكية، كما تتحصل من البنك الدولي وحده على معدل جملي من القروض السنوية يبلغ 250 مليون دولار سنويا.

- يراجع في هذا المجال الكتاب الذي أصدرته مؤخرا الباحثة الفرنسية بياتريس هيبو :
La force de l'obéissance : Economie politique de la répression en Tunisie par Béatrice Hibou 362 pages - Editions La Découverte - 24 Aoû 2006)

المختار اليحياوي،قاضي تونسي، أحيل من منصبه كقاضي في ديسمبر/كانون الأول 2001 بعدما دعا، في رسالة مفتوحة وجهها إلى الرئيس بن علي، إلى احترام المبدأ الدستوري لاستقلالية القضاء، اليحياوي مدير المركز التونسي لاستقلال القضاء والمحاماة

قنطرة

السلطة الشمولية أمام تحدي استقلال القضاء
يعتصم القضاة في مصر بنادي القضاة بالقاهرة كآخر شكل من أشكال الاحتجاج، كما يعتصم المحامون بدار المحاماة بتونس بعد أن تجاوزت السلطة كل الحدود في عدم إقامة أي اعتبار لشأنهم. لقد تنامى دور السلطة القضائية في البلدين بعد انحسار الأمل في قيام سلطة تشريعية حقيقية، حسب رأي المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان المختار اليحياوي.

أساليب نظام زين العابدين بن علي
تواجه الصحفية وناشطة حقوق الإنسان سهام بن سدرين حاليا حملة شعواء من طرف أجهزة السلطة التونسية، في ظل اللامبالاة العربيبة. تعليق حميد سكيف

الذكرى العاشرة لعملية برشلونة الأورومتوسطية
مشروع طموح بدأه الاتحاد الأوربي 1995 في برشلونة بغية تحقيق شراكة سياسية واقتصادية وثقافية حقيقية مع الدول الواقعة جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط. هل هناك نتائج ملموسة لهذا المشروع بعد مرور عقد على البدء به؟ تحليل إيزابيل شيفر.

www

ممثلية الاتحاد الأوربي في تونس (باللغة الفرنسية)