''بن لادن قُتل سياسياً قبل أن يقتل جسدياً''

تباينت تعليقات الصحف العربية والألمانية على مقتل أسامة بن لادن، فبينما اعتبرت بعض الصحف العربية أن نهاية أسامة بن لادن جاءت طبيعية انتقدت بعض الصحف الألمانية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بـ"شخصنة الإرهاب"، مما أدى إلى تحول زعيم تنظيم القاعدة إلى "أيقونة" سياسية.



صحيفة "تاغزتسايتونغ" الألمانية الصادرة في برلين علقت على مقتل بن لادن وكتبت:


"إنه خبر مسعد بالطبع. أسامة بن لادن مات. لكن ورغم ذلك لا يمكن اعتبار موته سببا للإفراط في التعبير عن الفرح، لأن هذا التصرف يتنافى مع بديهيات الأدب ويحتقر في الواقع آدمية الانسان، حتى لو كان هذا الإنسان مكروه جدا نظرا لأعماله الإرهابية. كما أن موت بن لادن لا يعني أفول أطروحات القاعدة الإرهابية كليا، لأنه يتم نقل هذه الاطروحات والأفكار من قبل أتباعه وتلاميذه".

أما صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الرصينة والصادرة في ميونيخ فأنتقدت ما أسمته بشخصنة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية:

"لأن الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة إدارة الرئيس بوش الإبن قامت بشخصنة الإرهاب، تحول أسامة بن لادن إلى أيقونة تحاك حولها أساطير كثيرة، خاصة وأنه الشخصية التي قامت بتحدي القوى العظمى الوحيدة في العالم. وعلى ما يبدو يحتاج الشر شخصا يجسده في الولايات المتحدة، لذلك تحولت ملاحقة بن لادن إلى عملية ذات طابع رمزي أكبر من أهميتها الحقيقية. لكن الإرهاب لم يمت بعد وفاة أسامة بن لادن، الذي تحول إلى رمز للتخبط للسياسي"

صحيفة "الحياة" اللندنية علقت بدورها على موت بن لادن بالإشارة إلى تراجع تأثير الفكر القاعدي:


"قُتل أسامة بن لادن على دفعات. موته السياسيّ حصل مع ثورتي تونس ومصر، حين تبيّن أنّ هموم "القاعدة" ليست هموم من انتفضوا من سكّان العالم الإسلاميّ، وأنّ شبّان بلدانه الذين يهتفون "سلميّة، سلميّة" لا يربطهم مطلق رابط بإرهاب "القاعدة". وقد كان واضحاً أنّ الحكّام المستبدّين والفاسدين، الذين تساقطوا منهم والذين يتساقطون، هم الذين يريدون بعث بن لادن و "قاعدتـ"ه ويسعون إلى إحيائهما وإدامتهما. بدا ذلك جليّاً في محاولات أولئك الحكّام ردّ التحدّيات التي تواجههم إلى "القاعدة" و "السلفيّين" و "الإرهاب الأصوليّ". ووفق ذاك السيناريو المتهافت، كان هؤلاء الأشباح يمارسون تخريبهم على الأنظمة، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريّة، بتنسيق وتطابق كاملين مع الولايات المتّحدة الأميركيّة!"

أما صحيفة "الشرق الاوسط" الصادرة في لندن فاعتبرت أن نهاية أسامة بن لادن جاءت طبيعية:


"مقتل بن لادن يشكل ضربة معنوية هائلة بحق «القاعدة»، ومهما فعل التنظيم اليوم للانتقام، فإن الضربة أكبر من أن يتم تجاوزها؛ فبن لادن كانت له رمزية أكثر من أي شيء آخر؛ لأن وجوده كان يمثل رمزية بطولة يغرر بها الشباب السعودي والخليجي، واليمني، وكان يعرف كيف يحصل على الأموال، سواء من التبرعات أو المتاجرة بكل شيء حتى المخدرات والألماس، وغيرهما. وجوده كان عامل جذب، وقيادة. اليوم، وبعد مقتله، ستعجز «القاعدة» عن توفير زعيم لها يحمل شخصية بن لادن، أو مشروعيته التي تشكلت طوال السنين، وبتنقل المحطات. بل إننا في عالم متغير اليوم، وتحديدا العالم العربي، ومن الصعب تكرار نموذج بن لادن، فلا أحد اليوم يستطيع أن يسيطر على الخطاب الديني ويختزله بشخص، أو شيخ، أو قائد متخفٍّ في الجحور، أو القصور، ولا التمويل بات بالسهولة التي كان عليها، والوعي العربي والإسلامي بحجم الإساءة التي طالت ديننا بات كبيرا.
ملخص القول: إن نهاية أسامة بن لادن جاءت طبيعية، ومتوقَّعة، لكنها رسالة للعقلاء، وكذلك للمحرضين، بأن من غرر بأبنائهم وقذف بهم إلى الجحيم لم يُقتل في ساحة الوغى، بل وسط منزله الفخم، حيث يختفي مع زوجته، بينما أبناء الناس يُقتلون في مناطق النزاعات، أو أنهم مشردون في الجبال، أو ملقون في غياهب السجون. وبكل تأكيد، العالم اليوم أفضل كثيرا بعد مقتل إرهابي شيمته الغدر بدينه وأهله والعالم."

 

إعداد: لؤي المدهون
مراجعة: هبه الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011