إيقاع الإخوان في التطرف...ذريعة يَنشُدها العسكر

تسعى المؤسسة الأمنية المصرية إلى عزل الإخوان المسلمين على أمل دفعهم إلى التطرف كي يسهل لها محاربتهم، بحسب تحليل الصحفي البارز كريم الجوهري لموقع قنطرة، ويتساءل: حرق الكنائس في مصر لعبة جديدة للأجهزة الأمنية؟

الكاتبة ، الكاتب: Karim El-Gawhary

هناك يقين واحد في مصر اليوم، ألا وهو أن الأمور ستمضي إلى الأسوأ بعد أن بلغ العنف مستويات مخيفة للغاية، إذ تحدثت وزارة الصحة عن وقوع أكثر من 525 قتيل، بينهم 43 شرطياً، بعد يوم من فضّ اعتصامي أنصار مرسي في رابعة العدوية والنهضة. كما قُتِلَ الكثيرون في المظاهرات التي أعقبت فضّ الاعتصام في كافة أنحاء مصر.
 
لكن الإخوان المسلمين يتحدثون عن مقتل أكثر من ألفي شخص، والحصيلة الحقيقية لأعداد القتلى في هذه الحرب الإعلامية قد تقع ما بين هذين الرقمين وتميل للارتفاع، إذا ما تم التعرف على هوية الأشلاء المحترقة في معسكري الاعتصام.
 
أما الجيش والحكومة الانتقالية وجزء مما يسمى بالحركات الليبرالية، فهم يتدربون على فنون تبرير العنف المفرط لقوات الشرطة، إذ أثنى رئيس الوزراء المؤقت حازم الببلاوي على الشرطة، التي قرّبت مصر من "إقامة دولة ديمقراطية ومدنية". هذه الكلمات لا بد وأنها بدت كنوع من السخرية بالنسبة لمناصري مرسي والمتظاهرين المعارضين للانقلاب.
 
تشققات في الواجهة المدنية
 
هذه العبارة تشبه ما قاله وزير الداخلية محمد إبراهيم، الذي تحدث عن ضبط النفس لدى قوات شرطته عندما هوجموا. هذا يوحي بضربة انتقامية، إذاً. كما أعلن إبراهيم أيضاً عن عدم السماح بإقامة أي اعتصام أو معسكر احتجاجي لمناصري مرسي. 

ووصل الأمر إلى أن قام وزير داخلية في مرحلة ما بعد مبارك بإطلاق هذه العبارة الغريبة: "أنا أعِد أنه بمجرد أن تستقر الأحوال ويستقر الشارع المصري في أقرب وقت ممكن فسوف يتم إعادة الأمن لهذا الوطن كما لو كان قبل 25 يناير وأكثر".

تبدو عبارات وزير الداخلية محمد إبراهيم بالنسبة للمتظاهرين وكأنها سخرية: " أنا أعد أنه بمجرد أن تستقر الأحوال ويستقر الشارع المصري في أقرب وقت ممكن، سوف يتم إعادة الأمن لهذا الوطن كما لو كان قبل 25 يناير وأكثر".

    كما أن ذلك لم يمنع ليبراليين مثل خالد داود، الناطق باسم جبهة الإنقاذ الوطني، أكبر الحركات الليبرالية المعارضة لمرسي، من التصفيق لتصرفات الشرطة. لكن الجبهة الليبرالية التي تقف إلى جانب الجيش بدأت بإظهار تشققات، إذ قدم محمد البرادعي نائب الرئيس المصري استقالته، لأنه لم يرغب في تحمل مسؤولية أوامر فضّ الاعتصامات. وانتشرت إشاعات مفادها أن عدداً من أعضاء الحكومة الانتقالية قد يحذون حذو البرادعي، مما يعني أن الواجهة المدنية لحكم العسكر بدأت بالتآكل.
 
كما أعلن البرادعي أن الفضّ العنيف للاعتصامات سيقود إلى ازدياد التطرف لدى الطرفين. وفي حقيقة الأمر، فإن الانقلاب وفضّ الاعتصام سيفتح الباب أمام أشكال مختلفة من التطرف في صفوف الإسلاميين، إذ يسوّق خصومهم الانقلاب وفضّ الاعتصامات على أنها جزء ضروري من الديمقراطية. فما هي العبر التي ستستقيها جماعة الإخوان المسلمين من هذه الدروس المفترضة في الديمقراطية؟
 
لعبة خطرة للأجهزة الأمنية
 
لقد كان هذا التطرف واضحاً بالأمس، عندما هوجمت مقرات للشرطة ومبان للمحافظات من قبل المتظاهرين. بل وتعدى ذلك إلى مهاجمة عدد كبير من الكنائس. ويبدو أنه ليس من الصعب في بعض المناطق بمصر توجيه غضب المتظاهرين المؤيدين لمرسي إلى الكنائس، ذلك أن بابا الكنيسة القبطية، بالإضافة إلى شيخ الأزهر، قد وقف مع الانقلاب. وكان شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الأقباط، الذين توهموا أن ذلك سيقضي على الإخوان المسلمين سياسياً.
 
المتهورون موجودون بكثرة في صفوف الإسلاميين، ممن يحرضون على الأقباط وسط مظاهرة لمؤيدي مرسي. لكن من غير الواضح ما إذا كانت الهجمات على الكنائس مخططاً لها، ذلك أن قيادة الإخوان المسلمين، التي تأمل في دعم دولي ضد الانقلاب، لن تستفيد من هذه الهجمات. لكن لا يمكن استبعاد كون هذه الهجمات مقبولة لدى الصفوف الدنيا من الجماعة. ومن الممكن أيضاً أن يقف سلفيون متشددون وراء هذا الهجمات.

يذكر كريم الجوهري أنه "كلما كان يشعر نظام مبارك بأنه منحشر في زاوية ضيقة كانت تحترق في مكان ما بالبلاد كنيسة كتمويه لصرف النظر عن أزمته. لذلك من غير المستبعد أن يكون أمن الدولة هو من يقف وراء ذلك، مستخدماً طرقه القديمة والمجربة، لاسيما وأن الضباط العاملين فيه لم يتغيروا".

 في عهد مبارك وجَد أمن الدولة، الذي لم يمسه أي أذى حتى الآن، لدى السلفيين مرشحين جاهزين لمثل هذه الهجمات، فالوجوه باتت معروفة بسبب كثرة الاعتقال وطول فترة السجن. ولم يكن نادراً أن تقوم علاقة نفعية بين الطرفين. 

وكلما كان يشعر نظام مبارك بأنه منحشر في زاوية ضيقة كانت تحترق في مكان ما بالبلاد كنيسة كتمويه لصرف النظر عن أزمته. لذلك من غير المستبعد أن يكون أمن الدولة يمارس طرقه القديمة والمجربة، لاسيما وأن ضباطه لم يتغيروا.
 
شيطنة العدو
 
الكنائس المحترقة تشكل حجة جيدة من أجل تبرير فضّ اعتصامات الإخوان المسلمين واستخدام العنف ضدهم. وإذا ثبت تورط أمن الدولة في هذه العمليات، فستكون تلك لعبة خطيرة بالنار. كان نظام مبارك قادراً على إشعال الصراعات المذهبية وإخمادها وقتما شاء. لكن ذلك بات اليوم مرشحاً للتطور إلى وضع لا يمكن لأي أحد السيطرة عليه.
 
لا بد وأن الأمر بالنسبة للتحالف المكوّن من الجيش والحرس القديم لمبارك، خاصة في أجهزة الأمن، يتعلق بعزل الإخوان المسلمين سياسياً. لكن دفع الإخوان إلى التطرف سيكون تطوراً مقبولاً للغاية بالنسبة لهذا التحالف، إذ سيعني ذلك أن أمن الدولة سيتحرك ضدهم بشكل أسهل وأفضل من التحرك ضد متظاهرين ومعتصمين.
 
لقد كانت حقبة التسعينيات، حين انفجرت قنابل في كل مكان بمصر ونفذ إسلاميون متطرفون عمليات استهدفت الأقباط والسياح، هي عصر الذروة لأجهزة الأمن المصرية التي تمكنت في النهاية من حسم الصراع لصالحها. لكن العبرة المستخلصة من الوقت الراهن هي أن الإسلامويين الذين يحرقون الكنائس ويهاجمون رجال الشرطة يمكن التغلب عليهم ويسهل شيطنتهم دولياً.
 

 
كريم الجوهري
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013