البهلوان تشولي...ثعلب المسارح الألمانية المحنك

يعتبر المخرج المسرحي ذو الأصول الإيطالية روبرتو تشولي من أبرز المسرحيين الألمان المعاصرين، وتتميز مسرحياته بالبعد السريالي، كما يركز على الحوار الثقافي بين شعوب الشرق والغرب عبر رحلاته الثقافية إلى بلدان إسلامية وغربية. وتكريما لمسيرته مُنح جائزة ولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية. كلاوديا بريفيتزانوز تسلط الضوء هذا المسرحي البهلواني ذي الباع الطويل في هذا المجال.

الكاتبة ، الكاتب: كلاوديا بريفيتزانوز

قبل بداية مسرحيته "البهلوان 2½" التي نفذت تذاكر مشاهدتها نظرا للإقبال الكبير للجمهور، يقوم روبرتو تشولي، مؤسس "مسرح الرور" في مدينة مولهايم الألمانية، بإلقاء خطاب مقتضب في بيته بعنوان: "تشولي يتحدث"، حيث ينادي بأعلى صوته ويروي للزائرين تاريخ فن البهلوان. بعدها يقوم هذا الفنان البالغ من العمر 79 سنة شخصياً بمراقبة تذاكر الدخول إلى المسرح ويعطي لآخر فرد يدخل إلى المسرح كرسياً يجلس عليه في الصف الأمامي.

إخراج سريالي

يبحث هذا المخرج المسرحي الذي ولد في ميلانو الإيطالية عن القرب من جمهوره، وهو ما ينجح في تحقيقه بفضل بيته الذي حوله إلى مسرح. لكن مسرحياته السريالية لم تكن دائماً تحظى بالترحيب إبان تأسيسه لـ"مسرح الرور" بمشاركة كاتب السيناريو هلموت شيفار وبدعم من المسؤولين في مدينة مولهايم عام 1980. وكانت الرغبة التي سكنته، تتمثل في تأسيس فن بتوجه مسرحي معاصر ومجدد، وهو ما كان يفتقده في المسارح الألمانية الأخرى، كما يقول.

وتنبني الفلسفة التي يستند عليها روبرتو تشوليفي كون "الواقع ليس في الحقيقة كما نراه أمامنا"، لحسب تشولي الذي يضيف: "خلف الواقع الذي نراه ربما يبدأ واقع آخر. إذ يمكن رؤية امرأة بثلاثة أنوف والغليون ليس هو الغليون الذي نعرفه، وإنما يصبح دراجة هوائية".

ويعمل المخرج روبرتو تشولي على تطبيق هذه النظرة السريالية للعالم على المسرح حتى أمام الجمهور التقليدي، "الذي يفضل مشاهدة الأشياء التي يعرفها". ويتذكر تشولي بدايات العمل في مسرح الرور بمدينة مولهايم قائلاً: "لأنه كان لدينا انطباع بأن الجزء الأكبر من الجمهور لا يفهمنا، كنا نشعر كغرباء في عقر دارنا".

المخرج المسرحي ذو الأصول الإيطالية روبرتو تشولي من أبرز المسرحيين الألمان المعاصرين
يُعرف تشيلي بالأعمال التي يلعب فيها البهلوان الدور الرئيسي. والبهلوان بالنسبة له يواجه تحدياً كبيراً يتجلى في التأقلم مع تقلبات الحياة. وتنبني الفلسفة التي يستند عليها روبرتو تشيلي شعار "الواقع ليس في الحقيقة كما نراه أمامنا".

هذا الشعور بالغربة هو الذي كان الدافع وراء سفر المسرحيين إلى مدن أخرى للقاء مع فرق مسرحية تعيش الوضع نفسه والشعور نفسه. وكان أول عرض لفرقة روبرتو تشولي كضيف عام 1983 في أحد مسارح يوغوسلافيا السابقة. ويقول روبرتو تشولي عن تلك التجربة: "رغم أننا أدينا المسرحية باللغة الألمانية، فقد فهمنا الجمهور، وأعطانا ذلك القوة للاستمرار على ذلك النهج في ألمانيا".

وبدورها جاءت الفرقة المسرحية اليوغسلافية لتقديم عرض مسرحي لها في ألمانيا، وهو ما ألهمنا فكرة تأسيس مسرح جديد ومختلف، مسرح يحتفي بالسفر ويجعل التبادل الثقافي في صلب اهتماماته.

كما قام روبرتو تشولي برفقة مجموعته المسرحية بزيارة ثلاثين دولة خلال أكثر من ثلاثين سنة. كما استقبل مسرح الرور الألماني فرقاً مسرحية من جنسيات مختلفة من خارج ألمانيا.

جائزة ولاية شمال الراين ويستفاليا

"التبادل الثقافي في نظري هو روح الثقافة" بهذه العبارة يؤكد تشولي، الذي درس الفلسفة في إيطاليا وناقش أطروحة الدكتوراه حول الفيلسوف الألماني هيغل، على أهمية التبادل الثقافي بالنسبة إليه. وكتكريم لمسيرته تقرر تسليم الفنان المسرحي الإيطالي، بعد عودته من جولة فنية في الجزائر، الأربعاء (20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) جائزة ولاية شمال الراين-ويستفاليا الألمانية.

وتأتي هذه الجائزة تكريماً لهذا المسرحي الذي "عمل على بناء جسور الحواربين الثقافات" على حد تعبير رئيسة وزراء الولاية هانيلوره كرافت في شهر أيلول/ سبتمبر 2013 خلال مراسيم إعلان أسماء الفائزين بالأوسمة العليا للجمهورية الألمانية. وسبق لكتاب وفنانين آخرين الحصول على هذه الجائزة، ومنهم الفنان جيرارد ريشتار والناقد الأدبي مارسيل رايش رانيسكي والفيلسوف يورغن هابرماس.

إحدى مسرحيات المخرج روبرتو تشيلي
تنبني الفلسفة التي يستند عليها روبرتو تشيلي شعار "الواقع ليس في الحقيقة كما نراه أمامنا"

جولة مسرحية في العراق عام 2002

رغم أن اتفاقيات الشراكة والتعاون بين المسارح الألمانية والمسارح العالمية تقليد قائم، إلا أن ما يميز عمل روبرتو تشوليهو عدم اقتصاره على الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية، بل ويشمل أيضاً دولاً أخرى كيوغوسلافيا السابقة وتركيا والإكوادور وكوستاريكا وروسيا وإيران وسوريا وأوزباكستان وكازاخستان وتركمنستان.

والأكثر من هذا فقد قام روبرتو تشولي بعرض بعض مسرحياته في العراق عام 2002، وهو الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة بتهديد بلاد الرافدين بضربة عسكرية بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية. كما زارت فرقة المسرح الوطني العراقي مسرح مدينة مولهايم في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2001 لعرض مسرحية عراقية.

وفي مارس/ آذار من نفس العام وقع روبرتو تشولي اتفاقية تبادل ثقافي مع وزير الثقافة العراقي وتمسك المسرحي الإيطالي بتلك الاتفاقية رغم التطورات السياسية التي شهدها العراق في تلك المرحلة.

وفي الفترة بين عامي 1991 و2001 أنتج مسرح الرور مسرحيات عديدة بشراكة مع مسرح Pralipe الغجري. لكن تشولي لا يعتبر نفسه فارس المسرح الألماني، ويقول في هذا السياق: "لا يحتاج المرء أن يكون فارساً كي يهتم اليوم بمشاكل المهاجرين والغجر واللاجئين أو مجموعات أخرى، فاتخاذ القرار بالاهتمام بالآخرين لا يحتاج حتى تعليم خاص أو للذكاء، يجب أن يكون ذلك بديهياً".

تشولي البهلوان!

يُطلق على تشولي أوصاف عديدة كالأستاذ أو المسرحي الكوسموبوليتي أو ثعلب المسارح الألمانية المحنك، لكنه يفضل النظر إلى نفسه كبهلوان. ويوضح ذلك بالقول: "البهلوان هو الشخص الذي يوجد دائماً في عالم منقلب وغريب ويحاول جعل الحياة فيه ممكنة".

جائزة ولاية شمال الراين ويستفاليا اعتراف بدور تشيلي في بناء جسور الحوار بين الثقافات
جائزة ولاية شمال الراين ويستفاليا اعتراف بدور تشيلي في بناء جسور الحوار بين الثقافات

بدأ هذا المسرحي التعود على الاختلاف منذ طفولته، إذ كان الوحيد ذو شعر أحمرفي عائلة كاثوليكية محافظة، كل أفرادها لديهم شعر أسود. "فهمت منذ البداية أنني لا أنتمي إليهم وحاولت أن أخلق عالماً خاصاً بي". كما ينظر تشولي إلى نفسه كرحالة، غادر إيطاليا قاصداً ألمانيا عام 1965.

ورغم أنه بدأ العمل في مسارح إيطاليا، لكن رغب في مغادرة البلاد وفتح صفحة جديدة في حياته بعد إصابته بمرض خطير ألم به حين كان في الثلاثين من عمره. وفي سنواته الأولى بألمانيا كان يكسب قوت يومه كسائق شاحنة وفي مهن صغيرة. غير أنه قرر في نهايات ستينات القرن الماضي العودة إلى المسرح من جديد، وقدم مسرحياته في عدة مدن كغوتنغن وكولونيا وبرلين ودسلدورف، قبل أن يتم تعينه مسؤولاً للمسرح الرور.

المسرح كوطن

رغم مرور خمسين عاماً على مقام هذا المسرحي بألمانيا، فإنها لم تصبح وطناً له. يفسر ذلك قائلاً: "أعتقد أن الإنسان لا يحتاج الوطن بالمفهوم الجغرافي أو جواز السفر، ليصيح أن بمقدوره الحديث عن الآخر".

لكن هذا الفنان، الذي يصادف مطلع نيسان/ أبريل من عام 2014 عيد ميلاده الثمانين، وجد في ألمانيا بلداً لغوياً، وبات وطنه مسرح الرور وأصبح من الصعب تخيل أحدهما بدون الآخر. ورغم سنه المتقدم فهو لا يفكر في التقاعد، "أعرف أنه سيأتي وقت أتوقف فيه عن العمل، لكن ذلك مستبعد حالياً".

 

 

كلاوديا بريفيتزانوز

ترجمة: عبد الرحمان عمار

تحرير: عماد غانم

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013