قليل من الإحباط وكثير من الأمل

انقسمت الآراء حول خطاب الرئيس باراك أوباما الموجه إلى العالمين العربي والإسلامي وخصوصا مقاربته لملف الثورات العربية. فبينما رأى فيه البعض أقوى تعهد أمريكي بدعم الديمقراطية والتنمية اعتبره آخرون أفكارا قديمة في ثوب جديد. أحمد حسو تابع هذه المسألة.

 

فاجأت الثورات العربية الرئيس الأمريكي باراك أوباما كما فاجأت النظم العربية التي قامت هذه الثورات عليها. وقد يكون من الإجحاف المقارنة بين هذا الرئيس الديمقراطي، ذي الخلفية الحقوقية والمناضل السابق في حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وبين القادة العرب الذين "يحكمون بالحديد والنار وينتهكون حقوق الإنسان جهارا نهارا"، على حد قول نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان. لكن نقطة ضعف هذا الرئيس أن معظم هؤلاء، قادة الأنظمة العربية التي تثور عليها شعوبها في هذه الفترة، حلفاؤه وأنه "رئيس أكبر دولة في العالم وسياسي براغماتي وليس غاندي"، والكلام لعبد العظيم حماد رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية.

ويضيف حماد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الجميع فوجئ، مثل أوباما، ليس فقط بخروج الناس إلى الشوارع مطالبين بالتغيير والكرامة فحسب، بل بهذا "النضج الذي ظهرت عليه الشعوب العربية الثائرة". وتجلى هذا النضج، حسب حماد، في التحريك والتنظيم والتعبئة ورفع الشعارات والتدرج في إطلاقها وكذلك في الصمود والاستمرار. وبالرغم من تردد أوباما وإدارته، في البداية، في التعامل الإيجابي مع الثورات العربية، وخصوصا الثورتين التونسية والمصرية اللتين قامتان ضد نظامين حليفين لواشنطن، فإن حماد يرفض أن تكون الثورات العربية تشكل عبئا على الولايات المتحدة. فمساندة الديمقراطية "فكرة عضوية في السياسة الخارجية الأمريكية وليست أمرا طارئا يخص هذا الرئيس أو ذاك"، حسب كلام حماد الذي تولى رئاسة تحرير أكبر صحيفة تمولها الدولة بعد نجاح الثورة المصرية.

أقوى تعهد أمريكي بدعم التحول الديمقراطي في العالم العربي

الصورة ا ب
يرى رئيس تحرير الأهرام أن خطاب أوباما أقوى تعهد امريكي بدعم الديمقراطية. الصورة: جانب من مظاهرات جمعة الحسم في صنعاء

​​


ويرى حماد أن دعم الولايات المتحدة للتحول الديمقراطي "ليس حدثا طارئا فهي دعمت أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية واحتضنت التحول الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي في أوروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي كما ساندت الديمقراطيات الوليدة في أمريكا اللاتينية". ويضيف الصحافي المصري بأن الولايات المتحدة ستمارس "هزيمة لذاتها لو وقفت تتفرج على الحركات الديمقراطية وهي تترنح ولا تبادر إلى مساندتها. من هنا يعتبر خطاب أوباما أقوى تعهد أمريكي بدعم التحول الديمقراطي والتنمية في مصر وتونس والعالم العربي".

ويعرب حماد عن اعتقاده بأن نقطة ضعف إستراتيجية أوباما الديمقراطية في العالم العربي هي دول الخليج؛ فهو يدرك أن الأسر الحاكمة في هذه الدول ليست محل "شك كبير عند شعوبها" وأن هذه المنطقة ذات حساسية شديدة نظرا لما تصفه واشنطن بالخطر الإيراني وكذلك فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة. وهو ما لاحظه أيضا الناشط والحقوقي البحريني نبيل رجب الذي أعرب عن دهشته بأن أوباما لم يتطرق نهائيا للسعودية علما أنها من "أكثر الدول العربية انتهاكا لحقوق الإنسان". ويتهم رجب أوباما بأن سياسته قائمة على ازدواجية المعايير وبأنه غض الطرف عما يحصل في دول الخليج نظرا للمصالح الاقتصادية التي تجمع واشنطن بهذه الدول وللوجود العسكري الأمريكي هناك.

رفع الغطاء عن الرئيس السوري

الصورة ا ب

​​


وبينما تحدث أوباما بالتفصيل عن الأوضاع في الدول العربية التي انتفضت شعوبها "تجاهل الأوضاع في السعودية ودول الخليج". ويضيف نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، في حوار مع دويتشه فيله، أن أوباما لم يفرد مساحة كافية للبحرين في خطابه كما فعل مع الدول العربية الأخرى كاليمن وسوريا. وكان عليه أن يوجه رسالة قوية إلى البحرين خصوصا وأنها "ذهبت بعيدا في قمعها للانتفاضة الشعبية إذ ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، إذ سيطر الجيش على المستشفيات وقصف مساجد الشيعة لتحويل الخلاف البحريني إلى موضوع طائفي وليس خلافا بين شعب يطالب بحقوقه وحكومة طاغية". أما الباحث السوري المعارض أسامة قاضي فيرى أن "خطاب أوباما تسبب بالقليل من الإحباط وبثّ الكثير من الأمل لدى الشعوب العربية التواقة للتحول الديمقراطي".

ويضيف قاضي، رئيس المركز السوري للدراسات السياسية والإستراتيجية في واشنطن، في حوار مع دويتشه فيله، أن سبب الإحباط الأساسي أن "الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لم يفتك بشعبه، كما فعل الرئيس بشار الأسد، ورغم ذلك خرج أوباما بعد ثمانية عشر يوما ليقول له: تنح عن السلطة. بينما في سوريا وبعد أكثر من شهرين من قمع المظاهرات السلمية وإرسال الدبابات إلى المدن ووقوع أكثر من ألف قتيل يأتي أوباما ويقول للرئيس السوري لديك متسع من الوقت والطريق ليس مسدودا". ويعرب قاضي عن اعتقاده بأن الرئيس أوباما تلقى إشارات أوروبية وتركية "بعدم رفع الغطاء عن الرئيس السوري الآن وإعطائه فرصة قبل سحب الشرعية نهائيا عن حكمه". لكن النظام السوري، وحسب قاضي، لن يتلقف هذه الفرصة وسيضيعها كما ضيع فرصا كثيرة و"أنه (النظام) غير قادر على قيادة عملية التغيير كما طالبه به أوباما وأن تعامله مع مظاهرات جمعة آزادي، خير مثال على عدم تخليه عن سلوكه القمعي؛ لذلك فما هي إلا أيام ويضطر أوباما إلى سحب الشرعية عنه".


أحمد حسو

مراجعة: عبده جميل المخلافي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011