منظمة عالمية ذات جذور اسلامية

منظمة إسلامية خيرية صغيرة في بريطانيا بدأت مسيرتها بعشرين بنسا قبل أعوام. لكنها اليوم واحدة واحدة من أهم منظمات الإغاثة العالمية. إحسان مسعود يكتب عن التغيرات الحاصلة في خارطة المنظمات غير الحكومية في العالم.

الصورة: www.islamic-relief.com
تنشط منظمة "الاغاثة الاسلامية" في كل أنحاء العالم

​​

عندما كنت في قاعة المؤتمرات الصحفية للقمة العالمية للتنمية المستديمة التي انعقدت في جوهانسبورغ في آب/أغسطس من العام 2002 في الذكرى العاشرة لقمة الأرض في ريو دي جانيرو، والتي تعتبر تجمعا للكبار والمميزين، اقترب مني مدير شاب يرتدي بدلة وعقدة عنق وقدم لي بطاقة عمله.

كان قد تم الاعلان عن تأخير كلمة لوزير بيئة محترم فقررت أن أمضي بعض الوقت في معرض للمنظمات غير الحكومية لأبحث عن صحبة تبعث فيّ النشاط.

كان مكتوبا على بطاقة العمل "منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم". وسألت بانفعال نوعاً ما عما اذا كانت هذه هي نفس المنظمة "العالمية" التي كان مركزها الرئيس يوماً ما في مكتب صغير في مدينة برمنغهام البريطانية.

جاءت اجابته مؤكدة لتساؤلي وأضاف أن المكتب الرئيس في المملكة المتحدة يشغّل اليوم أكثر من مائة موظف وأن هناك مكاتب اقليمية في بلاد أخرى. وتابع قائلاً إن "منظمة الاغاثة الاسلامية" متواجدة في قمة جوهانسبورغ لمتابعة المباحثات والتأثير على صناع القرار وللاتصال بمنظمات غير حكومية أخرى.

تذكرت هذا عندما شاهدت على شاشة التلفزة في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2005 صوراً لزلزال كشمير. فقد كانت هناك "منظمة اغاثة اسلامية" أيضاً، هذه المرة الى جانب منظمة "أوكسفام الدولية الخيرية" وصندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة / يونيسيف ومنظمات دولية أخرى استجابت لنداءات الاستغاثة بعد المأساة التي راح ضحيتها أكثر من تسعة وسبعين ألف شخص.

كانت المؤسسة الخيرية قد أعلنت مباشرة بعد المأساة عن تبرع قيمته مليون جنيه استرليني وتضاعف المبلغ منذ ذلك الحين. هذا يختلف تماماً عما كان عليه الحال عام 1984 عندما بدأت الاغاثة الاسلامية عملها بهبة قدرها عشرون بنساً.

ما الغريب في هذا الأمر؟

من ناحية لا غرابة في الموضوع، إذ أن الاغاثة الاسلامية اليوم تعمل كأية مؤسسة خيرية عالمية كبرى في بريطانيا. فهي تحصل على تمويلها من مزيج من الهبات الفردية والأعمال التجارية ومن الحكومة. ولها شبكة من المكاتب الاقليمية في أنحاء العالم.

ويتمتع كبار المسؤولين، ليس فقط مؤسسها هاني البنا، بعلاقات مع رؤساء الدول والوزراء وكبار موظفي الخدمات المدنية ومع وسائل الاعلام في الدول المتواجدة فيها، بالاضافة الى تواجدها الأكيد على أجندة سياسة المساعدات الدولية.

ولكن ولأن هذا ليس شيئاً مبتكراً لمنظمة دولية غير ربحية في العصر الحديث، فهي تمثل مرحلة جديدة في هذه النوعية. فإن ما نشهده هو على الأرجح أول منظمة دولية غير حكومية تمتلك جذورا إسلامية.

أضف الى ذلك أن مركز هذه المنظمة غير الحكومية ليس في الرياض أو القاهرة ولكن في لندن، وهذا هوالمثير في الأمر.

ربما تكون منظمة الاغاثة الاسلامية هي الأكبر من نوعها ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة، فهناك منظمات بريطانية أخرى تطمح لتكون منظمات غير حكومية مثل منظمة "اعانة المسلم" ومنظمة "أيادي المسلمين". الرسالة واضحة: دعنا نرى.

أفق جديد

كانت رحلة طويلة تجلى فيها مزيج من الاستمرارية والتغيير. كانت "الاغاثة الاسلامية" كغيرها من المنظمات السابقة، مثل منظمة اعانة المسلم (1985) ومنظمة أيادي المسلمين (1993)، قد بدأت العمل كمؤسسة صغيرة جادة تمارس الدين وتحصر مساعداتها بأبناء دينها. اليوم وبعد أن توسعوا ما زالوا جادين في ممارسة الدين سوى انهم لم يعودوا يركزون فقط على مساعدة أبناء دينهم وحدهم.

ما حصل هو أنهم توسعوا وجددوا أنفسهم. كلمة "الاسلامية" في "الاغاثة الاسلامية" تشير الى عملية العطاء. كما أن كلمة "المسلم" في "اعانة المسلم" توازي كلمة "المسيحي" في "اعانة المسيحي". ليس من الضروري أبداً أن يكون متلقو المساعدات من المسلمين أو من المتدينين أصلاً ليكونوا جديرين بالمساعدة.

صحيح أن غالبية موظفي المنظمات الخيرية الاسلامية البريطانية ما زالت من المسلمين، ولكنها مسألة وقت قابلة للتخطي في المرحلة القادمة.

لا شك أن التحديث والتوسع تسببا عالمياً في إثارة توترات جديدة. ولكن هذه الاتجاهات تقدم شيئاً مختلفاً وربما مثيراً نوعاً ما: امكانية حصول تغيير حقيقي في عالم المنظمات الدولية غير الحكومية التي ما زالت تحت سيطرة المنظمات الغنية وذات النفوذ المتمركزة في الدول الغنية في شمال الكرة الارضية.

تشكل المحافظة على الدعم المادي الذي يتلقونه من المانحين الأساسيين في مرحلة التوسع مصدر التوتر الأساسي للجمعيات الخيرية مثل "الاغاثة الاسلامية"، في حين يتوجب عليهم في الوقت نفسه معرفة كيفية التعامل مع الاقتراحات الكثيرة من قبل الحكومات التي لا شك أنها تقطع عليهم الطريق – خاصة عندما تكبر جمعية خيرية مركزها المملكة المتحدة وتصبح ذات نفوذ في بلد لا تتمتع به الحكومة البريطانية بشعبية كبيرة.

ومع ذلك فانه لا يمكن للعلاقات الوثيقة لمنظمة الاغاثة الاسلامية مع الحكومة البريطانية أن تتزعزع بسبب الممولين الغاضبين من بلير بسبب دعمه لغزو العراق ومشاركته به.

عدم اعتياد المسلمين العاديين في بريطانيا على الجمعيات الخيرية المحترفة التي يديرها أشخاص يحملون الكمبيوتر المحمول ويكتبون رسائلهم الالكترونية بواسطة "بلاك بري" يشكل مصدر قلق آخر.

كما أن فكرة ان التبرعات من ذوي الدخل المحدود قد تُستخدم لتوظيف اللوبيين والمروجين والباحثين ومسؤولي الصحافة (بدلاً من مساعدة الفقراء في بلدان أخرى) لن تلقى ترحيباً من قبل الجميع.

ولذلك بشكل أو بآخر سوف يكون هناك دائماً مجال لما يعادل الجمعيات الخيرية التقليدية – يتم تمويلها مثل كثير غيرها من عائدات بيع الكعك والقهوة والمزادات الخيرية ومن جمع التبرعات من المصلين في المساجد أيام الجمعة.

ينبع مصدر فخر هذه الجمعيات من صغرها وقدرتها على العمل بسرعة. وقد شارك في الواقع الكثير منها في أعمال الانقاذ في زلزال كشمير. فقد أرسلوا فريقاً من الأطباء الشباب الذين تجمعوا لتقديم مساعدات طبية مباشرة. كما أن البعض اشتروا مواداً غذائية وثياباً وخيماً على نفقتهم الخاصة واستأجروا حاويات وشحنوها على متن شاحنات قادها البعض بأنفسهم ليتأكدوا من وصولها الى الهدف.

من الشمال الى الجنوب

كتبت في موضع آخر في هذا المقال أن ما حدث لمنظمات الاغاثة الاسلامية يفتح باب الاحتمال على ان شيئاً أكبر وربما أكثر اثارة قد يحدث في العالم الأوسع للمنظمات الدولية غير الحكومية.

السؤال هو ان كانت بعض الجمعيات الخيرية الكبرى في جنوب الكرة الأرضية سوف تحذو حذو منظمات الاغاثة الاسلامية وتقرر أنها أيضاً تملك الطاقة لتتجرأ وتنظم وتجمع المال وتؤثر وتتصل بالصحافة العالمية على مستوى أكبر وأكثر استراتيجية مما تفعله الآن. ولكن هل لدى هؤلاء ما يؤهلهم ليصبحوا منظمة دولية غير حكومية؟

ربما لن يحدث هذا قريباً للمنظمات غير الحكومية في البلاد ذات الغالبية المسلمة حيث المحتمع المدني ضعيف عامة وسيطرة الحكومة الدائمة تعني أن المجموعات الشرعية تتمثل فقط في أولئك الذين لا يتحدون صلاحيات الدولة.

ولكن على الأرجح أن المنظمات غير الحكومية في أميركا اللاتينية وجنوب وجنوب شرق آسيا وجنوب أفريقيا ستشهد بعض التغييرات. تتمتع معظم المنظمات غير الحكومية الكبرى في هذه الدول بنفوذ كنظيراتها الدولية مثل منظمة السلام الأخضر ولكن نفوذها يكون أكبر على النطاق الوطني.

من الصفات الشائبة المعروفة لقطاع المجتمع المدني الدولي أن المنظمات غير الحكومية من دول الشمال تهيمن عليها منظمات أخرى مثل منظمة "أكشن ايد" والمجلس العالمي للعلوم.

ولأنها سئمت من الطابع "الشمالي" وفي محاولة صادقة منها لإبراز هموم الجنوب بشكل أفضل فإن هذه المنظمات مشغولة في فتح مكاتب في الدول النامية وتوظيف عمال محليين.

وقد أقامت منظمات غير حكومية تعتمد على الأبحاث مثل المعهد الدولي للبيئة والتنمية ورئاسة منظمات البيئة والتطوير (رب عملي السابق) شبكة علاقات مع المنظمات غير الحكومية للتطوير في الجنوب.

تعطي هذه التدابير المنظمات غير الحكومية في الجنوب منفذاً الى الموارد المالية والى أكبر صناع القرار في الشمال. بينما توفر للمنظمات غير الحكومية في الشمال معرفة حقيقية لمشاكل التنمية في الجنوب.

أما ما يجب أن يحدث فهو تأسيس منظمة غير حكومية عالمية حقاً (من نوعية السلام الأخضر أو المعهد الدولي للبيئة والتنمية) من دول الجنوب، منظمة تملك الرؤية الدولية والثقة والقدرة على تحقيق هذه الرؤية.

يتم تمثيل الجنوب في الاجتماعات الدولية من قبل عدة منظمات وطنية غير حكومية متميزة مثل شبكة العالم الثالث (بينانغ) ومركز العلم والبيئة (نيودلهي). ولكن لا تساعد هذه المنظمات في تشكيل السياسة في عواصم دول المنظمات غير الحكومية الجنوبية التي تنشط اليوم في اسلام اباد ونيودلهي.

ربما يجب أن ينظر الى الموضوع على أنه لم يحن أوانه بعد. اذا كانت جمعية بريطانية خيرية صغيرة نسبياً تبلغ من العمر عشرين عاماً تدعى "الاغاثة الاسلامية" قادرة على ان تصبح عالمية في فترة قصيرة من الوقت فيجب استغلال طاقة المنظمات الأكبر في مناطق أخرى لتفكر بشكل أكبر مما تقوم به حالياً.

بقلم إحسان مسعود
حقوق ترجمة النسخة العربية قنطرة 2006
صدر المقال في موقع أوبن ديموغراسي

قنطرة

اهتمام عربي باهت
جمعت المنظمات الإنسانية في شتى دول العالم خلال الأيام الماضية الملايين من التبرعات لضحايا الزلزال البحري الذي ضرب جنوب شرقي آسيا. وينتقد الباحث والصحفي خالد حروب قلة تضامن العرب على المستوى الشعبي والإعلامي

معا ... من أجل عالم أقل فقرا وتعاسة
كيف يمكن أن نجعل عالمنا أقل فقرا ومرضا وتعاسة؟ كيف يمكن أن تكون الدول والشركات الكبرى في مستوى المسؤولية عندما تتعرض الإنسانية لكارثة طبيعية؟ هذا ما تحاول الإجابة عنه إفيلين هيرفكنس في هذا اللقاء