الإصلاح القضائي كدعامة للتغير في البلاد العربية

يلاحظ المرء اتجاها عاما في الشرق الأوسط ينبئ عن انفتاح تدريجي ومزيد من الشفافية. رامي خوري، رئيس تحرير الجريدة اللبنانية اليومية "ديلي ستار"، يرى أن الإصلاح القضائي هي أولى الخطوات لضمان تغيير جذري في المنطقة.

آلهة العدالة، الصورة: إلوسكوب
"أينما وجدت الإرادة الصادقة للإصلاح، فسوف توجد الحلول للمشاكل التقنية. "

​​يلاحظ المرء اتجاها عاما في الشرق الأوسط ينبئ عن انفتاح تدريجي ومزيد من الشفافية. رامي خوري، رئيس تحرير الجريدة اللبنانية اليومية "ديلي ستار"، يناقش مع خبراء من مختلف التخصصات الخطوات اللازمة لضمان تحقيق تغيير جذري في المنطقة، الإجابة هي: الإصلاح القضائي.

إذا ما تركنا الإيدلوجيات والتركة التاريخية جانبا، فإن التحديات التي تواجه الشرق الأوسط من الناحية السياسية والإقتصادية سوف تطرح السؤال البسيط الآتي: هل البشر أم القوانين هم الذين يديرون المجتمعات؟

هل يعتد بتأثير العصابات أو بتأثير القوة الدينية أو العسكرية أكثر من الإعتداد بالشرعية التي تنتج عن نظام قانوني قائم على مؤسسات موضوعية ومستقلة؟

إن الكثير من العرب الذين يناضلون من أجل قيادة حكومية على قدر تحمل المسؤولية يصبون جل اهتمامهم اليوم على أولوية القانون واستقلالية القضاء. وهذا الشرط الذي يبدو أهم من الإنتخابات الحرة لا غنى عنه في تأسيس الديمقراطية التعددية، حيث تحظى البرلمانات المنتخبة بالتقدير، وتكون هناك صحافة واعية بالمسؤولية، ومجتمع مدني نشط، وأحزاب سيايسة، ونظام ضرائبي فعال، والأساسيات الأخرى لشئون دولة ديمقراطية.

الإرادة السياسية

ولكي أبحث هذه المسألة تناقشت مع بعض المحامين والقضاة ودعاة حقوق الإنسان من العرب، وأيضا مع خبراء عالميين. وهكذا التقيت من قريب مع أحد العاملين بالبنك العالمي في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية الذي قام في كل مكان في العالم ببحث العلاقة بين الإصلاح القضائي وقدرة تفعيل الديمقراطية.

وقد استطاع أن يخرج ببعض النتائج المهمة. وكانت أهم النتائج أن القضاء في أي بلد يمكن إصلاحه بسرعة، إذا كانت هناك إرادة سياسية لذلك. والنتيجة الثانية تقول إن الإصلاح القضائي الناجح له أثر مباشر وملحوظ على تحسن أحوال أي بلد سياسيا واقتصاديا.

وقد قام السيد رشارد أ. ميسيك أحد كبار الخبراء رفيعي المستوى لدى البنك العالمي في واشنطن بتقصي الشروط والإحتمالات اللازمة للإصلاح القضائي في الشرق الأوسط بناء على خبرات البلاد الأخرى.

وهو وزملاؤه قد بينوا الفروق الشاسعة في "مدى سرعة الحصول على الحقوق بالتقاضي" في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (منطقة مينا) من ناحية وبقية دول العالم النامية من ناحية أخرى.

فعلى سبيل المثال تستمر المطالبة بدين بسيط 438 يوم في المتوسط في محاكم بلدان منطقة مينا، أما في دول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية فتحتاج إلى 230 يوم فقط. وفي بلدان منطقة مينا تتراوح الفترة الزمنية التي يستغرقها مثل هذا التقاضي ما بين 700 يوم في لبنان أو سوريا، وأقل مدة 240 في المغرب وحتى 27 في تونس.

دور الأمور التقنية

وهناك مجموعة كبيرة من الأسباب التي قد تساعد على فهم هذه الفروق. فمن وجهة نظر ميسيك تعود هذه الفروق إلى الإجراءات القضائية القديمة ونقص أجهزة الكومبيوتر والتقنية الحديثة الأخرى وعدم الإهتمام بشؤون القضاء ونقص تأهيل القضاة الشباب.

وبالمقارنة ببلاد العالم الأخرى يرى السيد ميسيك أن الإصلاح هنا يتوقف بنسبة 90% على الإرادة السياسية وبنسبة 10% على الأمور التقنية.

ويرى أيضا أنه أينما وجدت الإرادة الصادقة للإصلاح، فسوف توجد الحلول للمشاكل التقنية. فعلى سبيل المثال يوجد في دبي ربما أحدث نظام قضائي على الإطلاق مزود بوسائل إثبات أوتوماتيكية لقياس القدرات العملية للقضاة ومراقبة المحامين. والتقنية الحديثة موجودة باللغة العربية، والتساؤل الوحيد هنا: هل توجد إرادة سياسية صادقة تهتم بالمشاكل المطروحة.

إن معوقات الإصلاح موجودة في كل أنحاء العالم، وغالبا ما تأتي من قبل المحامين وموظفي الدولة وأجهزة الشرطة وأيضا من أصحاب رؤوس الأموال،الدائنون، رابطة ملاك البيوت والبيروقراطيين الذين لا يريدون أن يخسروا مصادر ربحهم.

وفي معظم الحالات يمكن تخطي تلك المعوقات عن طريق التوفيق بين القيادات السياسية وبالإجماع على حل وسط أثناء الحوار وبالقيام بحملات اعلامية تستهدف القطاع العام والقضاء.

والبنك العالمي وخبراء آخرون يحاولون بالتعاون مع ممثلي الدوائر القضائية تحسين الأوضاع في كثير من البلاد العربية، ولهم نشاط في المغرب والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة واليمن وتونس والجزائر.

وقد أثبتت البرامج (المكونة من التأهيل العلمي والتجهيز التقني والإدارة الإلكترونية وتحسين الإدارات) أنه إذا تعهدت حكومة بتقديم الوسائل اللازمة للتغيير، فستجد الكثير من بلاد العالم مستعدة لتقديم المساعدات الفنية والمالية.

ويروي ميسيك أنه بمساعدة أحد المشروعات تم في فينزويلا اختصار المدة التي تستغرق في التقاضي للحصول على ديون بسيطة أو النزاع حول الإيجار إلى 70% (من 800 إلى 200 يوم).

ويستطرد قائلا: "لقد حققنا مثل هذه النتائج في إكوادور وهناك مشروع في الفليبين يسير على قدم وساق. وعلى كل الأحوال فالقضية تتوقف على استعداد الأجهزة المحلية – القضاة والمحامين ورجال السياسة ووزارة العدل – في توظيف الوسائل لخدمة الغرض".

تأثير على النمو الاقتصادي

وقد أصبح التغيير ممكنا بواسطة التقنية، وإدارة القضايا بطريقة أشد فاعلية، وتحسين وسائل الاتصالات والتأهيل التخصصي. ولم تقتصر النتيجة الإيجابية في وقت قصير على القضاء فقط، فقد ساند التغيير أولئك الذين يسعون أيضا إلى أولوية الدولة الدستورية في الشرق الأوسط.

ويقول ميسيك: "لقد وجدنا علاقة واضحة بين نوعية القضاء وبين النمو الإقتصادي، وهذا ينطبق على الدول عامة وعلى الولايات داخل الدولة الواحدة. وقد رأينا تغيرات مثيرة في المكسيك والأرجنتين والبرازيل، أي في البلاد التي بها فروق شاسعة في نوعية النظام القضائي.

وفي البلاد التي يسير فيها القضاء بجدية ويبت في القضايا بسرعة، يصبح من السهل الحصول على قروض للمشاريع، ويؤثر ذلك إيجابيا على التطور الإقتصادي. وعليه فمن السهل أن نثبت العلاقة بين النظام القضائي الذي يقوم بمهامه وبين النمو الإقتصادي".

وهناك جانب آخر مهم لتأثير النظام القضائي يكمن في الإحساس المتغير تجاه النظام السياسي بأكمله من قبل الفرد الواحد. فعند الكثير من المواطنين تعتبر المحكمة أول وأهم نقطة اتصال مع الحكومة.

ويرى ميسيك أنه إذا تم هذا الاتصال بصورة إيجابية فسوف تنتهي الخلافات في الغالب بنتيجة عادلة وبسرعة. وإذا وجد المواطن معاملة حسنة من موظفي الدولة ومن القضاة، فسوف تتغير وجهة نظرهم تجاه الحكومة بصورة إيجابية.

ويوجد أيضا اتجاه مشجع آخر لاحظه البنك العالمي والمؤسسات الأخرى التي تعمل في هذا المجال، ألا وهو أن الحكومات العربية ودعاة حقوق الإنسان يبذلون الكثير من المساعي من أجل إصلاح شامل للنظام القضائي، ويطلبون لهذا مساعدة من الخارج.

ويقول ميسيك: "لسنا نحن الذين نحض على الإصلاح، ففي الحقيقة يتوجه الناس إلينا ويطلبون منا المساعدة"، وهذا اتجاه آخذ في التطور.

ويقول أيضا: "من قبل عشر سنوات كانت قلة من بلدان "منطقة مينا" يهتمون بهذه المسألة، واليوم يمكنني أن أقول بأن معظم بلاد هذه المنطقة ترغب في مساعدتنا أو مساعدة المؤسسات الأخرى كي يحسنوا من نظامهم القضائي. إننا بصدد مسألة تبدو ملحة أكثر وأكثر".

بقلم رامي خوري
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الترجمة العربية قنطرة 2005

رامي خوري، رئيس تحرير الجريدة اللبنانية اليومية "ديلي ستار".

قنطرة

حوار مع سعد الدين إبراهيم
يتحدث سعد الدين إبراهيم أحد المرشحين للرئاسة المصرية وأستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية عن مدى مصداقية أوربا والولايات المتحدة في دعم الديموقراطية في العالم العربي، كما يرى تطورا ملحوظا في مجال الإصلاح في العالم العربي.

إلى أين يتجه العالم الإسلامي؟
مظاهرات سلمية في لبنان، إسلاميون وليبراليون يحتجون في مصر ضد نظام مبارك، انتخابات بلدية في السعودية، ومفاوضات بين الأحزاب في العراق من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. هل يمر العالم العربي بمرحلة تحول جذري؟ تحليل الباحث عمرو حمزاوي