حكومة روحاني...سياسة برغماتية ودعم غير مطلق للأسد

صرَّح الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخرًا بأنَّ "إيران قد بذلت قصارى جهدها من أجل تجنُّب المواجهة في سوريا". وقال إنَّه يأمل في حال القيام بعمل عسكري ضدّ دمشق في أن يكون هذا العمل قصيرًا وبأقلّ الأضرار. وأضاف أنَّ طهران سوف تقدِّم عندئذ مساعدات إنسانية.
صرَّح الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخرًا بأنَّ "إيران قد بذلت قصارى جهدها من أجل تجنُّب المواجهة في سوريا". وقال إنَّه يأمل في حال القيام بعمل عسكري ضدّ دمشق في أن يكون هذا العمل قصيرًا وبأقلّ الأضرار. وأضاف أنَّ طهران سوف تقدِّم عندئذ مساعدات إنسانية.

رحَّبت إيران ضمن الأزمة السورية بالاقتراح الروسي الذي يقضي بفرض رقابة دولية على الأسلحة الكيماوية في سوريا. ومن الممكن الآن أن يأتي تفضيل الرئيس الأمريكي باراك أوباما لحلّ النزاع بالطرق الدبلوماسية مناسبًا للقوى المعتدلة في طهران التي هي ضد دعم بشار الأسد دعما مطلقا مهما كان الثمن. كما يرِد في تحليل الخبير الألماني ماركوس ميشائيلسن لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marcus Michaelsen

يبقى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وفيّاً للصورة التي كوّنها عن العالم، إذ يرى أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية سوف توظف معاقبة سوريا، على استخدام دمشق الأسلحة الكيميائية، كذريعة من أجل توسيع نفوذها في المنطقة. وفي الأسبوع الماضي صرّح علي خامنئي في طهران بألا أحد يصدِّق دوافعها الإنسانية وقال: "لكننا نعتقد أنَّ الأمريكيين سوف يرتكبون خطأً في سوريا وبكلِّ تأكيد سوف يتكبَّدون خسائر".

وبهذا فإنَّ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران الذي يعدّ رأس النظام الإيراني لا ينحرف عن نهجه الخطابي المعتاد ولا ينطق بأية تهديدات صريحة. ولكن مع ذلك يتَّضح بدون شكّ لدى بطانة خامنئي وحاشيته وجود خلافات حول الأزمة السورية. فقد أدَّى إعلان الولايات المتَّحدة الأمريكية عن نيَّتها القيام بضربة عسكرية إلى توترات واضطرابات في العاصمة الإيرانية طهران. وبعد نتائج الانتخابات الرئاسية المدهشة تزعزع الهدوء المتوتر. إذ بات الرئيس حسن روحاني وبعد أقل من شهر من توليه الرئاسة يواجه التحدي الأوَّل على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.

استعادة ذكرى صدمة الحرب العراقية الإيرانية - سقط في الثمانينيات عشرات الآلاف من الجنود الإيرانيين ضحايا لاستخدام صدام حسين أسلحة كيماوية. وحتى يومنا هذا لا يزال الكثيرون من المصابين في الحرب يعانون من الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة الكيماوية.

محور طهران-دمشق

تعدّ إيران من أهم الداعمين لحاكم سوريا بشار الأسد. فالحرس الثوري الإيراني يساند نظام الأسد في قمع الثورة كما تقاتل ميليشيات حزب الله اللبنانية المدعومة من طهران إلى جانب الجيش السوري ضدّ الثوَّار وذلك لأنَّ سوريا هي من تضمن نفوذ إيران الاستراتيجي في المنطقة. ومن خلال حزب الله والجماعات الفلسطينية المتطرِّفة يمكن الضغط على إسرائيل وبالتالي على الأمريكيين أيضًا.

وبهذا المعنى تمامًا من المفترض أنَّ قاسم سليماني الذي يعدّ قائد وحدة من قوَّات النخبة في الحرس الثوري الإيراني قد أعلن مؤخرًا أنَّ إيران ستدافع عن سوريا "حتى النهاية". وبحسب رأي المتشدِّدين في طهران فإن الاستسلام في سوريا لن يشكًّل إلاَّ الخطوة الأولى نحو التغيير الذي تسعى إلى تحقيقه الولايات المتَّحدة الأمريكية في النظام الإيراني.

ولكن مع ذلك فإنَّ الحكومة الإيرانية الجديدة تبدو حذرة. فقد وصف وزير الخارجية جواد ظريف في مقابلة أجرتها معه مجلة "آسمان" الأسبوعية هجوم الولايات المتَّحدة الأمريكية على سوريا بأنه خطوة غير مقبولة تنتهك الاتفاقيَّات الدولية. وقال إنَّه كان يجب على الأمريكيين التعلّم منذ فترة طويلة من تجاربهم في فيتنام والعراق وأفغانستان أنَّ الأهداف السياسية لا يمكن فرضها بالقوة العسكرية.

انتقادات حادة للقيادة في دمشق - قال الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني: "لقد تم استهداف المواطنين بالأسلحة الكيماوية من قبل حكومتهم والآن هم مضطرون أيضًا إلى انتظار تعرّضهم لهجوم خارجي".

وفي الوقت نفسه حذَّر جواد ظريف من تنامي نفوذ الجماعات المتطرِّفة التي ساهمت في تأجيج النزاع في سوريا. وقال إنَّ استخدام الأسلحة الكيماوية كان مجرَّد "فخ" يهدف إلى إيقاع إدارة أوباما في شباك الحرب.

الخوف من الجماعات السُنِّية المتطرِّفة

وبهذه التكهنات يلمِّح جواد ظريف إلى المخاوف التي تتقاسمها إيران مع الأمريكيين وتشير إلى احتمال بسط الجماعات الإسلاموية المسلَّحة مثل تنظيم القاعدة سلطتها على سوريا بعد سقوط نظام الأسد.وهذه الجماعات يتم دعمها من قبل المملكة العربية السعودية وقطر - أي من قبل منافسي إيران الاستراتيجين في المنطقة.

ومن جانبه وعد الرئيس روحاني في حالة تعرّض سوريا لهجوم أمريكي بتقديم مساعدات إنسانية فقط، وفي الوقت نفسه أدان بكلِّ وضوح ولكن بشكل شامل استخدام الأسلحة الكيماوية. وفي الحقيقة يشكِّل استخدام الأسلحة الكيماوية والغازات السامة أيضًا هنا في إيران تجاوزًا للخط الأحمر. فقد سقط في الحرب العراق الإيرانية عشرات الآلاف من الجنود الإيرانيين ضحايا استخدام صدام حسين الغازات السامة وحتى يومنا هذا لا يزال الكثيرون من المصابين في تلك الحرب يعانون من الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة الكيماوية.

تحالف استراتيجي - تعدّ إيران من أهم حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد. إذ تقوم طهران بتقديم الدعم السياسي والتقني وكذلك العسكري والاستخباراتي بالإضافة إلى الدعم المالي لدمشق.

والتصعيد في سوريا لا يتناسب مع حسابات الرئيس حسن روحاني الذي يختبر منذ توليه منصبه حرية التصرّف التي تتمتَّع بها حكومته داخل جهاز السلطة في إيران. وهو الآن يضع مسؤولية المحادثات النووية مباشرة تحت تصرّف وزارة الخارجية. وبذلك لم يعد مجلس الأمن القومي مسؤولاً عن ملف المحادثات النووية، هذا المجلس الذي يخضع للرئيس من خلال منصبه ولكن روحاني لا يتمتَّع في داخله بنفوذ كبير بالمقارنة مع أعضاء آخرين من النخبة الحاكمة.

"يرتبط الهدف الأهم في سياسة روحاني الخارجية ارتباطًا وثيقًا بأولوياته الداخلية؛ أي بتحسين الاقتصاد. وهو يسعى من خلال التوصّل إلى اتِّفاق مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني إلى النجاح في رفع العقوبات المفروضة على إيران وزيادة صادرات النفط وتخفيف العبء الاقتصادي لدى المواطنين"، مثلما يقول مراد فيسي الذي عمل في السابق رئيسًا لتحرير بعض الصحف الإصلاحية المشهورة في إيران.

سوريا كتهديد لحكومة روحاني

ولكن التهديد الأمريكي بشن هجوم على دمشق يمكن أن يعزِّز موقف المتشدِّدين في القيادة الإيرانية. وفي هذا الصدد يقول فيسي: "من الممكن أن تصبح سوريا خطرًا على حكومة روحاني، وذلك لأنَّ هذا التهديد يمكن أن يضع تحسن العلاقات مع الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلّ النزاع حول البرنامج النووي الإيراني موضع تساؤل وشكّ. ومن الممكن عندئذ أن تعيق أيضًا العقوبات الدائمة نجاح برنامج روحاني الاقتصادي".

مساعدات لحماية نظام الأسد - تقاتل ميليشيات حزب الله منذ عدة أشهر بشكل علني إلى جانب القوّات النظامية السورية وقد نجح أفراد هذه الميليشيات مؤخرًا في الاستيلاء على مدينة القصير السورية في شهر حزيران/ يونيو الماضي 2013.

لقد حصل الرئيس روحاني على الدعم من مرشده رفسنجاني الذي حمَّل حكومة الأسد المسؤولية المباشرة عن استخدام الأسلحة الكيماوية. وصحيح أنَّ رفسنجاني تعرَّض بسبب ذلك لانتقادت شديدة من معسكر المحافظين ومن ثم اضطر في وقت لاحق إلى التخفيف من حدة تصريحاته، ولكن هذه ليست المرَّة الأولى التي يستهدف فيها هذا السياسي المحنَّك أحد المحرَّمات في الخطاب الرسمي من أجل اتِّباع حسابات سياسية واقعية.

وفي طهران فإن البراغماتيين ضد دعم بشار الأسد دعماً مطلقاً مهما كان الثمن. إذ أنَّ تورّط إيران في نزاع لا يمكن التنبؤ بعواقبه لم يعد يحظى بشعبية لدى الشعب الإيراني بعد الاعتقالات الجماعية وسقوط مئات الآلاف من القتلى في سوريا والآن بعد أن تم هناك استخدام أسلحة كيماوية. وهذا ما كان بوسع وزير الخارجية جواد ظريف استخلاصه مباشرة من التعليقات التي بلغ عددها أكثر من ألفين وخمسمئة تعليق تلقاها بعد نشر رسالة حول سوريا على صفحته على الفيسبوك.

خوف إيران من انتشار الجماعات السُنِّية المتطرِّفة في سوريا - تخشى القيادة السياسية في طهران من احتمال بسط الجماعات الإسلاموية المسلَّحة مثل تنظيم القاعدة سلطتها على سوريا بعد سقوط نظام الأسد.

وبالتالي تشكِّل الأزمة السورية اختبارًا داخليًا مهمًا لحكومة روحاني أيضًا. فقد قبل المتشدِّدون بعد الهزيمة الواضحة التي تكبَّدوها في شهر حزيران/ يونيو الماضي بفوز روحاني في الانتخابات وذلك من أجل التغلّب على حالة الانقسام بعيد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل والتي تم إجراؤها في عام 2009 وكذلك من أجل ضمان استقرار النظام.

ولكن من الممكن الآن أن يقدِّم التعامل مع النزاع في سوريا الذريعة الأولى من أجل وضع حدود للحكومة الجديدة. وعلى العكس من ذلك يمكن لروحاني الآن إثبات قدرته على صنع القرار.

 

 

ماركوس ميشائيلسن

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2013