حوار متوتر حول المثلية الجنسية

"لوطنة العالم" عنوان مقالة للكاتب الألماني يواخيم هلفر بالاشتراك مع زميله اللبناني رشيد الضعيف صدرت مؤخرا عن دار نشر زوركامب. فولكر كامنسكي يقدم لنا عرضًا لنتائج هذا الحوار المميز.

زار الكاتب اللبناني رشيد الضعيف برلين لعدة أسابيعٍ رافقه خلالها الكاتب الألماني يواخيم هلفر الذي زار بدوره زميله في بيروت.

هذا اللقاء الذي جرى في إطار مشروع التبادل الثقافي "ديوان شرق-غرب" إمتلك حضورًا مميزًا حيث كان موضوع المثليّة الجنسية بين الرجال في صلب النقاش الذي دار بينهما.

المثلية الجنسية في المركز

أثناء اللقاء التحضيري الأول أحيط رشيد الضعيف علمًا بأنَّ شريكه الألماني مثليّ الجنس. كان من المتوقع أنْ يكون الحوار العلني الذي دار بين العالمين الغربي والعربي حول طبيعة الحياة الجنسية وأدوار الجنسين أقرب إلى التحفظ الحذِر والتصريح الدبلوماسي المكبوح لا سيما عند كاتبين مثقفين وذات دربة مثل الضعيف وهلفر.

لكن ما زاد في الاستغراب هو أنَّ الكاتبين عالجا الموضوع بعلنية ومباشرة تصل إلى صراحة لا تعرف الهوادة. بلا مواربة قررا أن يطآ أرض الأخلاق الجنسية، أو لنقل بكلمات رشيد الضعيف: يطآن "ساحة الوغى بين التقاليد العربية والحداثة الغربية".

الكتاب شيق للغاية لأنّه يعالج موضوع الحب والجنس ذات الطبيعة المثليّة بشكلٍ ملموسٍ متخذًا من شخص يواخيم هلفر مثالاً حيًا.

وقد كُتبت المقالة على مرحلتين. فبعد زيارته لبرلين وبعد أنْ رد هلفر الزيارة كتب الضعيف مقالته الأدبية التي لم يتناول فيها هلفر كاتبًا بل خاض في مثليّته الجنسية. فصدرت مقالة الضعيف باللغة العربية في كتاب تحت عنوان "عودة الألماني إلى رشده"، وجاء من ثم رد هلفر على شكل تعليق متسلسل. ومن هنا يتخذ النص شكل الحوار دون أنْ يكون حوارًا حقيقيًا.

بعلنيةٍ وانفتاحٍ جسورين يصرح هلفر بمعلومات عن حياته الشخصية ويتحدث بلا تحفظ عن توجهاته الجنسية. يرفض إملاء الأدوار على الجنسين من الخارج ويناهض الافتراء عليها (على سبيل المثال، المثليّة الجنسية بين الرجال = قبول الإيلاج = الأنوثة = الدونية).

الاضطهاد في العالم العربي

الضعيف بدوره، وهو أستاذ في الجامعة اللبنانية في بيروت، يساري، وكاتب متنور، يكتشف مستهجنًا إلى حدٍ ما مدى ارتباط جذوره بالتقاليد العربية، حيث تبدو أدوار الرجال والنساء وكأنها حُدِّدت مرة وإلى الأبد.

حظر المثليّة الجنسية، واضطهاد المثليّين ما زالا للأسف قائمين في العالم العربي. المثليّة الجنسية تعد من المحظورات، كما يسود العلاقة بين الجنسين الطابع الأبوي الحاد.

هكذا يخبرنا رشيد الضعيف عن الأحكام المسبقة الكثيرة المناهضة للمثليّة الجنسية بين الرجال (ولا يتكتم عنها بأيِّ شكلٍ من الأشكال)، لكنه كلما تعرف أكثر على مسار حياة هلفر الذي تربطه منذ أكثر من عشرين سنة علاقة ثابتة برجل يكبره سنًا بكثير، كلما زاد اضطرار الضعيف لمراجعة رؤاه.

مدى صعوبة كسر التصورات الأخلاقية ووضع النفس مكان الآخرين هو أيضًا أحد محاور الكتاب.

من جهة أخرى يمارس الضعيف النقد تجاه طريقة الحياة الغربية التي تبدو له مطبوعةً بكثيرٍ من الفجور. وهو يرى خطورة انحدارٍ متعاظم، لا بل زوالاً للمجتمع بحد ذاته. أما الزواج المثليّ فيمثِّل رمزًا لأزمة الحضارة الغربية بالنسبة له.

حوارٌ غير حقيقي

يتشعب الكِتَاب للأسف عميقًا داخل الحياة الخاصة في بعض مقاطعه، ويغوص النص باسهاب مفرط وبنغم بطولي مبالغ فيه لدى هلفر، عندما يتعلق الأمر بـ "العشق المرضي" وببحثه عن "فتى أحلامه".

كما تثير جمل هلفر الملتوية المتعرجة الاستغراب، أما عباراته الجدالية فتتخذ غالبًا لهجة المدرِّس. ويذهب إلى أبعد من الهدف في معرض رده على نص الضعيف، حيث يؤول كل صغيرة ويعالجها في صراعه التبريري عبر توجيه التهم المتجنية.

هنا يتبلور ضعف فكرة الكتاب بشكل واضح: هذا ليس حوارًا حقيقيًا إذ ليس بوسع الشركاء أنْ يردوا فيه على ما يقال.

بالرغم من ذلك يبقى هناك انطباع ايجابي في النهاية: فنحن نعلم الكثير عن الهوة الواقعة بين حضارتين متباينتين، هوة يتعين تجسيرها، كما نَخَبَرُ بعض الشيء عن الأحوال المتردية للنساء ولمثليي الجنس من الرجال في لبنان، اللائي واللذين يسعون للتحرر من النماذج التقليدية.

يتضح لنا كذلك، مدى حداثة عهد المساواة بين الجنسين والحريات في مجتمعنا الغربي وأنَّه علينا أنْ نتابع تحصينها والدفاع عنها داخليًا.

يأتي الكتاب بمسألة مفاجئة في نهايته. لا أريد أنْ أفشي بها هنا. إنَّها واقعةٌ صغيرةٌ مثيرةٌ تحدث لهلفر في بيروت. نتلمس فيها شيئًا يشبه القدر. هناك عند التماس مع عالمٍ مغايرٍ تمامًا، يختبر الكاتب الألماني واقعة تقلب حياته رأسًا على عقب.

فولكر كامينسكي
ترجمة يوسف حجازي
© حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

التبادل الأدبي الألماني - العربي
يعتبر الأدب دوما أحد الوسائل الرئيسية في حوار الحضارات، وغالبا ما يتمثل هذا في شكل أنشطة صغيرة تعمل في الخفاء، المترجم والناشر مثلا اللذان يعيشان على حافة الكفاف، ويقتاتان من العمل في التعريف بالثقافة الغريبة المحبوبة. ونقدم هنا مبادرات ألمانية وعربية.