"هويتي الثقافية متعددة"

يتنقل كلود شلهوب في موسيقاه بين الموسيقى العالمية والكلاسيكية ويحاول أن يجد مكانه في لبنان غير المستقر. شلهوب يرى في الموسيقى رسائل للتواصل الحضاري والإنساني بعيدا عن لغة العنف والتطرف. شتيفان فرانتسن التقى عازف الكمان والموسيقار البيروتي.

​​"عزف الموسيقى بالنسبة لي أقوى من أن تحمل سلاحاً وتخرج لتحارب. يمكنك أن تتكلم بلا كلمات، ومع ذلك تؤثر على أشياء عديدة"، هكذا يعبر كلود شلهوب عن قناعاته. لذلك يعتمد ألبومه الجديد على بلاغة ما وراء الأصوات، على لغة الآلات الوترية – رغم ذلك فإنه يحمل عنواناً يقتصر في المعتاد على المجموعات الشعرية: ديوان. "اخترت هذا العنوان لأن الألبوم يقدم مختارات مختلفة الأساليب، من ناحية أخرى فإن الأسطوانة تتسم بطابع شعري واضح. فأنا أعزف الكمان دوماً في المواضع التي تقارب فيها نغمة الصوت البشري."

الموسيقى ملاذاً

يستطيع كلود شلهوب أن يجعل كمانه يتحدث معه، ما أنقذه طيلة سنوات عديدة مظلمة. نشأ شلهوب في الحي المسيحي في بيروت، في منتصف الحرب الأهلية خلال الثمانينيات. الوالد صاحب محل حلاقة، ولكن العائلة كلها مسكونة بالحماس الموسيقي. كل طفل من الأطفال الأحد عشر حصل على آلة موسيقية، كلود حصل على آلة كمان. خلافاً لعديدين من الناشئة في العائلات البورجوازية لم يتلق كلود آلته بمشاعر رافضة، بل طوّر معها علاقة عميقة للغاية.

"ليس جميلاً بالطبع أن تنزل القنابل طيلة الوقت حول منزلك"، يقول العازف متذكراً. "أصبح الكمان ملاذا لي حتى أهرب من الواقع اليومي." عديد من شبان جيله لم يستطيعوا أن يتمتعوا بتربية موسيقية صحيحة، لذلك لم يكن أمامهم إلا تعليم النفس بالنفس. كان هذا تحدياً كبيراً، كما يقول شلهوب. "على الإنسان أن يقبل عدم مقدرته التعلم في الكونسرفتوار. بخطوات صغيرة للغاية يتقدم المرء إلى الأمام. وكل تفصيل صغير يكتشفه، يكتسب عندئذ أهمية شخصية."

ولكنه سرعان ما وجد عوناً في رحلته للبحث عن تفاصيل: منحة في الكلية الموسيقية المرموقة "رويال كوليج" في لندن. هذه المنحة انتزعت الصبي من بيروت وألقت به في عالم آخر. بسرعة استيعاب كبيرة تعلم الموسيقى الكلاسيكية الغربية، نظرياً وعملياً، كما حاز في الوقت نفسه جائزة للتأليف الموسيقي. وفي عام 1999 استعان المايسترو دانيل بارنبويم به عازفاً أول للكمان في "أوركسترا ديوان الشرق والغرب" – وهو مشروع يضم عازفين شبان من أتباع الديانات الثلاث ويدعو إلى السلام. وبعد ثلاثة أعوام تم تأسيس أوركسترا آخر للشرق والغرب في بيروت.

تعددية ثقافية طبيعية

منذ ذلك الحين بقي ملتزماً بالتواصل بين الشرق والغرب، وإن كان لا يستطيع أن يعبر عن ذلك في كلمات محددة: "ليس هدفي الأساسي هو البحث عن توازيات أو حتى تناقضات، أنا لا أحاول أن أجعل موسيقاي "متعددة الثقافات". غير أن خلفيتي الثقافية متعددة عبر إقامتي في أوروبا وجذوري الممتدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن هذا التعدد يعبر عن نفسه على نحو طبيعيي."

هذا التوازن وصل إلى النضج في عمله الموسيقي الثاني المطروح الآن في الأسواق، وهو يختلف كلية عن أسطوانته الأولى التي وضعها بالاشتراك مع المنتج الكندي مايكل بروكس عام 2001 حيث كانت النغمات الموسيقية العالمية الممتزجة بالمؤثرات الإليكترونية هي الغالبة على الأسطوانة. في هذه المرة بقي العازف كل الوقت تقريباً في عالم الموسيقى الكلاسيكية، أما آلته المنفردة فهي لا تقيم حواراً مع آلات أخرى، بل مع عازفي وتريات أوركسترا لايبتسغ "غفاندهاوس".
"لقد استمتعوا باكتشاف هذه الموسيقى، ورغم العائق اللغوي تأقلمنا جيداً مع بعضنا بعضا، يقول شلهوب متحمساً.
مؤلفات شلهوب الموسيقية مقسمة في الغالب إلى مقطوعات تُذكّر أحياناً بموسيقى بارتوك أو دوفورجاك، ومطعمة أحياناً أخرى بموسيقى الباروك، غير أنها تتضمن بالطبع أيضاً ملامح شرقية. أين إذن أسلوبه المميز؟

النغمات العربية والكلاسيكية الأوروبية

"كل هذه النغمات توّلد شيئاً أسميه أسلوبي"، يقول الموسيقار شارحاً. "هذه عملية ما زالت متفاعلة بالطبع. إنني أدرس مؤلفات الآخرين وألاحظ أنني أعكس مثلهم خلفيتي الثقافية بحذر. أنا قاعة كونسير كلاسيكي ونادي جاز صغير في وقت واحد. وعندما أعزف على الكمان أحاول الجمع بين النغمات العربية والموسيقي الأوروبية الكلاسيكية لأنتج شيئاً فردياً. ويكلل مسعاي بالنجاح عبر تقنية استخدام قوس الكمان."

عاد كلود شلهوب إلى بيروت حيث ينوي البقاء في وطنه رغم أن ظروف العمل بالنسبة للموسيقار ليست مثالية. "لقد رأيت ثلاث حروب، في مطلع الثمانينيات، وفي آواخر الثمانينيات، وحرب العام الماضي. في بعض الأحيان أشعر بالاكتئاب، إذ أن ينابيع الإلهام تجف هنا. صحيح أن لدينا فرقة أوركسترا سيمفونية، ولكن التواصل مع الفنانين الأجانب قليل. الناس مشغولون بلقمة العيش، فالوضع السياسي غير مستقر على الإطلاق." "إنني أتمتع بحرية الكلام، ولكنني أضبط نفسي متلبساً بممارسة الرقابة الذاتية، فالإنسان هنا يعرف حدوده"، يقول شلهوب ويلاحظ المرء أن كلامه يتعثر ويتوتر، فمناخ الخوف في لبنان أصاب كثيرين بالقلق.

في النهاية يقول جملة تشيع الاطمئنان وتشير إلى نسبية الموقف: "من ناحية أخرى: هل سمعنا يوماً عن موسيقار كانت حياته دائماً مستقرة وسهلة؟" إن من يكون عازماً، مثل شلهوب، على ألا يغادر وطنه، لا بد أن يتصالح مع الخطر والعنف.

شتيفان فرانتسن
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

قنطرة

عازف العود اللبناني ربيع أبو خليل:
"تقاليد اليوم هي ثورات الأَمس"
في عام 1978 غادر ربيع أَبو خليل لبنان هاربًا من الحرب الأَهلية إلى بافاريا حيث درس هناك الموسيقى. أما اليوم فيُعدّ عازف العود، ربيع أَبو خليل من أَنجح وأَشهر الموسيقيين العالميين. تقرير بقلم لويس كروب.

الفنانة كميليا جبران:
التحرر من الطقوس الموسيقية
"وميض" عنوان العمل الجديد لكميليا جبران، المغنية الفلسطينية التي تتخذ من أوروبا مكانا لنشاطها الغنائي. تحاول في أعمالها أن تمزج الموسيقى الشرقية مع موسيقى الجاز والموسيقى الإلكترونية. صالح دياب يعرفنا بالفنانة.

دانييل بارنبيوم: ديوان شرق غرب في رام الله
الموسيقى تقهر زمجرة الدبابات
موسيقيون عرب وإسرائيليون يعزفون في مدينة رام الله مقطوعات موسيقية تهدف إلى تدعيم أواصر السلام وفتح قنوات الحوار. الموسيقى التي لحنها المايسترو بارينبويم تحل محل زمجرة الدبابات وأصوات الرصاص. تقرير علاء الدين جمعة