عمران لم ترى العين مثله من قبل

استطاعت زها حديد، بعد أنْ حازت على جائزة بريتسكر في العام 2004، أنْ تُنَفِّذَ العديد من مشاريعها الشجاعة التي كان تمويلها متعذرًا حتى ذلك الحين. ميلاني فايديمولر التقت المهندسة المعمارية النجمة والفنانة المتألقة، زها حديد

زها حديد، الصورة: أ ب
نجمة الهندسة المهمارية الحديثة، زها حديد

​​

هل ستأتي؟ أم ستعتذر في اللحظة الأخيرة؟ كانت قد أعلنت أنها ستبقى لمدة نصف ساعةٍ فقط، ولن تقبل بحوارٍ صحفيٍ فردي. إنها زها حديد. ما نعرفه عنها من التقارير الصحفية ومن القصص التي تروى عنها أنها نجمةٌ شهيرةٌ في مجال الهندسة المعمارية، أطوارها غريبة تمامًا مثل تصاميمها. مهندسة المنحوتات العمرانية التي تبدو وكأنها تتحدى الجاذبية.

لنقل بشكلٍ أدق، هي مهندسة معمارٍ فائق الثبات، لكنه يبدو مزعزعًا لدرجة خطيرة، لأنه لا يتوافق مع عاداتنا البصرية. وللحق فقد نالت زها حديد الشهرة عبر تصاميم ومجسماتٍ ما بعد حداثية، في وقت لم يؤمن فيه أحدٌ بأنّ تنفيذ أفكارها المعمارية ممكنٌ أصلاً.

نجمة الهندسة المعمارية

نُفذتْ أول عمارة من تصميم زها حديد في العام 1993 في الريف: مبنى إطفائية لشركة فيترا في المدينة الألمانية الصغيرة "فايل أم راين" Weil am Rhein المحاذية للحدود السويسرية. مذ ذاك يقوم رواد معرض "أرت بازل" بزيارة خاطفة أثناء استراحة الغداء ليشاهدوا باكورة منشآت زها حديد.

ها هي الآن تحضر. وكل الكليشيهات المعروفة عنها تتأكد: الملابس المخرمة، وأناقة المصممين السوداء النافرة، هي لا تكف عن اللعب بهاتفها المحمول، ومن حولها حاشية من مدراء المشاريع اليافعين ، ناهيك عن تعابير وجهها التي تتبدل خلال ثوانٍ، مرةً جذابة، وتارةً متعالية، وأخرى ممتعضة من الحاضرين، ومن ثم فظة بلا مواربة. طباعٌ لا تجعلها محببة بالضرورة.

لكن ما سوف يلقى استحسانك هو ما سيُعرَضُ في الثلاثين دقيقة التالية على الشاشة: رحلة سريعة عبر عالم زها حديد الذي شيدته في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة: قطع فنية، ديكورات داخلية، خلفيات مسرحية، منشآت للمعارض، محطات قطار، فنادق، متاحف، ومجمعات صناعية.

لا شك في أنّ هذه "المهندسة المعمارية" مبدعةٌ بلا حدود، فهي تنتقل من فن العمارة إلى التصاميم الفنية إلى الأعمال الفنية بانسياب كامل، تمامًا كما تفعل في مجالات الأبحاث والتعليم والتطبيقات العملية. زها حديد المعمارية التي من شأنها أنْ تعيد تصميم العالم على هواها لو ترك لها الأمر.

انطلاقة متأخرة

​​ بدأتْ مرحلة تنفيذ البناء في وقت متأخر من حياة السيدة التي تبالغ اليوم سنتها السادسة والخمسين. ولدت زها حديد عام 1950 في بغداد، وكانت ابنة رجل أعمال وسياسي معارض، انتقلت إلى لندن في نهاية سبعينيات القرن العشرين، حيث درست العمارة في كلية عمارة مرموقة وأسست بعد أشهرٍ ثلاث "مكتب أوما" للهندسة OMA-Office مع رِمْ كولهاس، كما أسست في عام 1980 مكتبها الخاص.

ذاع صيتها من خلال تصاميمها للمعرض في عام 1988 في معرض متحف الفن الحديث MOMA الذي تمحور حول المدرسة التفكيكية-التركيبية، ثم عملت على تصميم وتنفيذ الفضاءات الداخلية، حيث صممت مطعمًا في اليابان، وأخيرًا ربحت المسابقات المعمارية في تسعينيات القرن الماضي وكُلِفَتْ بمشاريع خاصةٍ وعامةٍ في جميع أطراف العالم.

ويشكل تصميم زها حديد "منطقة تفكير" -مشروع القبّة الألفية Millennium-Dome في لندن- علامةً فارقةً رمزيةً في مسارها المعماري العالمي المتنامي باضطراد في السنوات الأخيرة. ونذكر هنا بعض المشاريع التي نفذتها منذ العام 2000: محطة قطارات في ستراسبورغ، وجسر في أبو ظبي، وجامعة في مكسيكو، ومرفأ في ساليرنو، ومركز روزنتال للفن الحديث سينسيناتي Cincinnati، وهو أول متحف للفن المعاصر في روما.

أشهر منجزاتها العمرانية تُبَيّنُ فرادة تصاميمها: زها حديد تبني وكأنها تصيغ فن العمارة من جديد. في العام 2002 تم افتتاح "منصة القفز الثلجية برغيزل" بالقرب من مدينة إنسبروك، حيث ينتصب هذا الصرح المائل في الهواء، بطول تسعين مترًا من الخرسانة والفولاذ، مثل رقبة ديناصور رشيق، ومن على منصة الرؤية والمقهى المذهلين على ارتفاع أربعين مترًا ينظر الزوار إلى المتزلجين القافزين وهم يسبحون في الهواء فوق إنسبروك.

تكافل عالمان

ربط الشكل والوظيفة مع بعضهما بأفضل ما يمكن، مع مراعاة أهمية المتطلبات التقنية، والاجتماعية، والجمالية. هناك مثالان حديثان لهذا الشعار نجدهما في ألمانيا حيث توجد مباني من تصميم زها حديد أكثر من أيِّ بلدٍ آخر في الوقت الحاضر.

هذا و تم افتتاح مركز فينو للعلوم Phaeno Science Center في ولفسبورغ عام 2005. وكذلك المركز الجديد لشركة بي أم دبليو في مدينة لايبزيغ حيث يعمل 650 موظفًا. والجدير بالذكر أنّ هذا البناء قد حاز على عدة جوائز حتى الآن.

تتميز ابتكارات زها حديد هنا بإلغاء الفصل بين أقسام التخطيط والإنتاج والإدارة: المركز بمثابة مِفصَلٍ، نقطة تقاطعٍ، العقل المفكر في المجمّع الصناعي، حيث تتقاطع كل روافد الإنتاج والتواصل مع بعضها البعض.

​​ما يعني من الزاوية المعمارية أنّ زها حديد تستغني عن الأقسام الخاصة حيث صمَمَت قاعة مكاتبٍ إداريةٍ مفتوحةٍ ومقصفًا مفتوحًا لكل العاملين حيث تسبح خطوط الإنتاج المفتوحة فوق رؤوس الجالسين،محمِّلةً قطع السيارات، منتقلةً من موقع التصنيع إلى ورش الدهان، ومنها إلى موقع التجميع النهائي. من الناحية الاجتماعية يعني هذا جمع عالمين مختلفين ومجموعتين من وضعين اجتماعيين مختلفين ، "مرتدو الثياب الزرقاء" مع "مرتدي ربطات العنق".

تقف زها حديد اليوم على قمة النجاح. حيث وصل حجم مشاريعها ليغطي المخططات العامة لمجمعات مدنية سكنية وصناعية بأكملها. مشروع "One North" في سنغافورة في طور البناء حاليًا، مشروع"Zorrozaurre" في مدينة بيلباو،"Olebeaga" في إسبانيا، "Soho City في بيجينغ الصينية، أو فوزها الأخير في مسابقة مخطط كارتال العام في اسطنبول.

يُدرِجُ ملفها الصحفي ثلاثين جائزةً ووسام، من بينها جائزة بريتسكر الشهيرة في عام 2004 التي تعتبر "جائزة نوبل لفن العمارة"، فكانت بذلك أول امرأة تحصل على هذه الجائزة. كما يَذكُر الملفُ التدريسَ في لندن وهارفارد وجامعة كولومبيا، وحاليًا عملها أستاذةً جامعيةً في جامعتي فيينا ويال. هذا وقد كرَّمها متحف غوغنهايم في نيويورك بأول معرض استرجاعي شامل، ومن جهته يتلهف سوق الفن على أعمالها الفنية، ورسوماتها ومجسماتها المعمارية.

ينتهي الاستعراض المصوَّر بنظرة على "البيت المثالي" الذي عُرَضُ في معرض كولون للمفروشات، حيث شاركت المهندسة المعمارية بوصفها مصممة، وتقول بهذا الصدد: "العمارة والتصميم شيءٌ واحدٌ بالنسبة لي".
وعندما شارك زميلها "ناوتو فوكوساوا" باللقاء الصحفي عبر الفيديو والأقمار الصناعية ليبدي رأيه بلباقة آسيوية برؤاها الجسورة، كانت زها حديد قد غادرت المؤتمر. إنها المواعيد

بقلم ميلاني فيديمولر
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007