"خسر النظام الإيراني معركة القلوب والعقول"

رغم محاولة الاغتيال المزعومة للرئيس الإيراني والتي أثارت إعجاب الغرب، إلا أن المشكلات المحيطة بسلطة الرئيس محمود أحمدي نجاد وبآية الله علي خامنئي أكبر من ذلك بكثير، كما يقول الخبير المعروف بالشؤون الإيرانية رودولف شيميلي في هذا التعليق.

خامينئي ونجادي، الصورة ا.ب
"الهوة بين الدين وسلطة الدولة فتتسع باضطراد بالنسبة لأكثرية الإيرانيين"

​​

يكفي أن تنفجر مفرقعة صغيرة بالقرب من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حتى يروَّج للشك بوقوع محاولة اغتيال. وبالرغم من أنَّ إيران لا تزال تبعد سنوات تقنية عن بناء القنبلة النووية التي هي حقًا ليست مفرقعة صغيرة، إلا أنَّ صناع الرأي في أوروبا يلهجون بهذا الموضوع بنفس الطريقة التي يتعاملون فيها مع محاولة الاغتيال المزعومة. أما الموضوع الإشكالي الحقيقي الكبير داخل الجمهورية الإسلامية فهو أزمة شرعية الحكم، وذلك ليس منذ الصيف الماضي الذي شهد قمع الاحتجاجات التي جرت ضد إعادة انتخاب الرئيس. والسلطة بوسعها أنْ تعتم كما تشاء لكن ذلك لن يغير في حقيقة الأوضاع شيئا.

وبعيدًا عن كلِّ المماحكات السياسية هناك معطيات جلية على أن أحوال أكثرية الشعب الإيراني البالغ عدده 75 مليون نسمة ليست على ما يرام، فأعداد العاطلين عن العمل تعد بالملايين ونسبة التضخم مرتفعة جدًا، وقد تراجع متوسط العمر المتوقع للفرد الإيراني بمعدل ست سنوات بعد ثلاثة عقودٍ على الثورة الإيرانية، كما ينتهي ثلثي الزيجات اليوم بالطلاق، وليس فقط في المدن بل في الريف أيضًا الذي بالكاد كان يعرف الطلاق من قبل، وعلاوة على ذلك يقدر عدد المدمنين على المخدِرات بأربعة ملايين مدمن بالرغم من إعدام تجار المخدرات المتكرر في إطار حملات القمع الصلف.

معركة خاسرة

خسرت حركة المعارضة المعركة في الشارع، فبطش الشرطة والعسكر والقوى الضاربة وربما التجربة المريرة التي كان على المعتقلين أن يخوضوها في السجون أثناء التحقيق تمنع بلورة أية حركة احتجاجات منظمة. كما أنَّ سيف الرقابة مسلطٌ على كلِّ أنواع الإعلام بدءًا من الصحافة المكتوبة وحتى الإنترنت. أما في السجون فيقوم صحفيون معتبرون وأشهر القيادات الطلابية بإضرابٍ عن الطعام. وبعيدًا عن اهتمام العالم تحدث في كافة أنحاء البلاد نزاعات ذات حجم صغيرٍ أو كبيرٍ بخصوص العمل. ناهيك عن وجود قيادات النقابات غير الشرعية في السجون كما هي حال السائق منصور أوسانلو منظم احتجاجات سائقي الحافلات الذي يقبع في السجن منذ عدة سنوات.

أحمدي نجاد، الصورة أ.ب
"كثيرٌ من المواطنين غير الراضين عن الأوضاع لا يريدون المجازفة ويؤثرون البقاء في منازلهم"

​​ كثيرٌ من المواطنين غير الراضين عن الأوضاع لا يريدون المجازفة ويؤثرون البقاء في منازلهم. لكن الرئيس محمود أحمدي نجاد والقائد الروحي علي خامنئي لم يربحا القلوب ولا العقول، إذ لا يوجد أيُّ كاتبٍ أو فنانٍ أو مخرجٍ معروفٍ يقف إلى جانب أهل الحكم في إيران. والسلطة تعمم أجواءً ينعدم فيها دور المثقفين ما يؤدي إلى ازدياد أعداد علماء الدين القياديين باضطراد ممن يبتعدون عن أصحاب السلطة في دولة الفقيه، ومنهم من يفعل ذلك بشكلٍ علني وملحوظ، حتى مورس العنف ضدهم. إذ نجد آية الله حسن صنيعي الذي قال ذات مرة إنَّ الجمهورية الإسلامية بعيدةٌ عن الإسلام بعد القمر عن الأرض، قد عبثت بمنزله مؤخرًا مجموعة من صانعي الشغب، هاتفين أثناء تأدية مهمتهم: "الموت لكلِّ من يعارض حكم علماء الدين".

ولاية الفقيه هي أعلى مبادئ الدولة، فهو يضع علماء الدين فوق كلِّ مؤسسات ما يسمى جمهورية، ويرفعهم لمصافي الحاكم المطلق. أما آية الله خامنئي فهو رجل دين متوسط المستوى بلا أية ميزات فقهية، لذا يزداد عدد الإيرانيين الذين لا يرون فيه المواصفات التي حددها الدستور الإيراني لمن يتبوأ هذا المنصب: "عادل، مؤمن، شجاع، ماهر، بمستوى العصر، ومجتهد"، وبخاصةٍ لأنه يدعم الرئيس أحمدي نجاد.

ولاية الفقيه

، رفسنجاني الصورة دويتشه فيله
يرى المعلق أن النظام الإيراني خسر معركة القلوب والعقول في سعيه للحفاظ على السلطة من خلال قمعه للمعارضة والأصوات المعتدلة

​​

لا يوجد في العالم الشيعي سوى عشرين شخصًا يحملون لقب آية الله العظمى. وهؤلاء يُشكلون مرجعيةً لمن يتبعهم في جميع قضايا الحياة ويعتبروا "منابع التقليد". ولم يكن بينهم سوى اثنين ممن رأوا أنَّ الخلط بين العقيدة والسياسة ليس صحيحًا، بينما عبَّر علماء دين عظامٍ آخرون عن آرائهم في السياسة. وصف آية الله قاسميني بورود شيردي الجمهورية الإسلامية قبل اعتقاله في عام 2006 بأنها "مؤامرةٌ على الله وعلى العباد"، أما آية الله جلال الدين طاهري خورام أبادي فقد تحدث قبل سنوات عن: "حكم الفاسدين للفاسدين بقيادة الفاسدين".

وليحمي نفسه من نقد العلماء القديرين وليُثبِّت سيادته استعان آية الله خامنئي بفتوى أصدرها آية الله ناصر مكارم شيرازي القريب من النظام. وهذه الفتوى تُلزم حتى آيات الله العظام بالخضوع لأوامر القائد الروحي الذي هو أعلى سلطة دينية ودنيوية في إيران. وأكد إعلان صدر عن مكتب خامنئي: أنه ينوب عن النبي محمد وعن الإمام الثاني عشر عند الشيعة المهدي المنتظر طالما لم يظهر بعد. وبذلك يكون خامنئي قد حدد دوره.

إنَّ تأجج النزاعات مع القائد الروحي الشيعي بسبب هذه الفتاوى العبثية مسألة وقت. أما الهوة بين الدين وسلطة الدولة فتتسع باضطراد بالنسبة لأكثرية الإيرانيين الذين ما زالوا مؤمنين. لكن هذا لن يؤدي إلى سقوط أركان النظام، فشعارهم العقائدي الخفي: السلطة بيدنا، ونريد الاحتفاظ بها وبكلِّ امتيازاتها.

رودولف شيميلي
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2010

رودولف شيميلي خبير في شؤون الشرق الأوسط ومراسل "صحيفة زود دويتشه تسايتونغ" لسنوات طوال.

قنطرة

حوار مع المحلل السياسي كريم سجادبور:
"النظام الإيراني الآن أضعف بكثير من السابق" بكثير من السابق"
الخبير في الشؤون الإيرانية لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، كريم سجادبور، يسلط الضوء في هذا الحوار الذي أجرته معه بيرغيت كاسبر على الأوضاع المتوتِّرة في إيران بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الرئيس محمود أحمدي نجاد، وكذلك على الاحتمالات المتوقعة في الخلاف مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.

أزمة الاقتصاد الإيراني:
إيران واقتصاد الملالي الفاشل
مع استمرار المواجهة بين الحكومة والمعارضة في إيران، يتجلى عامل قد يحدد نتائج هذه المواجهة والذي يتجلى في الحالة البائسة التي بلغها الاقتصاد الإيراني. ولكن تُرى هل يكون الأداء الضعيف للاقتصاد سبباً في قلب المعادلة هناك في نهاية المطاف؟ الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة ميمار سنان التركية كنان مورتان يسلط الضوء على هذه القضية.

تاريخ البرنامج النووي الإيراني:
"الفكر النووي الإيراني".....دروس التاريخ ومخاوف المستقبل
تعود فكرة البرامج النووي الإيراني إلى سبعينيات القرن الماضي وذلك على الرغم من أن فكرة الأسلحة الذرية كانت تعتبر لدى القيادة الإيرانية "غير إسلامية". بيد أن تجرب الحرب العراقية الإيرانية أدت إلى قناعة طهران السياسية بأن البلاد بحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة كنوع من الردع ولتحسين موقعها كقوة إقليمية. كتاجون أميربور تلقي الضوء على تطور تاريخ البرنامج النووي الإيراني.