ارتياح وحذر في إدلب سوريا: اتفاق إردوغان تركيا وبوتين روسيا...حل أم تأجيل لهجوم النظام على إدلب؟

يُبدي سكان في محافظة إدلب حذرهم إزاء مضمون الاتفاق الروسي التركي بشأن منطقتهم. وبينما تنفس بعضهم الصعداء مع استبعاد هجوم عسكري وشيك على آخر معقل رئيسي للفصائل المعارضة، يعرب آخرون عن عدم ثقتهم بموسكو، حليفة دمشق الأبرز.

ويجنّب الاتفاق الذي ينص على إقامة "منطقة منزوعة السلاح" تمتد على طول الحدود الإدارية لإدلب مع المحافظات المجاورة، المنطقة هجوماً تهدّد دمشق بشنه منذ أسابيع، وقد أرسلت تعزيزات عسكرية الى المنطقة بكثافة استعدادا له.

ويقول محمود رفعت البكور (34 عاماً) لوكالة فرانس برس: "ارتحنا قليلاً بعد الإعلان عن الاتفاق لأن لا حلّ في يدنا إلا عدم إراقة الدماء مجدداً وتجنيب المدنيين الكارثة الإنسانية التي كان يُتوقع أن تحدث".

ويضيف: "منذ ثماني سنوات ندفع نحن المدنيين ثمن كل الحروب في سوريا، والنتيجة دائماً مجازر كبيرة وضحايا جدد حتى أصبحنا مجرد أرقام تُكتب وتُوثق (...). لذلك فإن الإعلان عن عدم حصول معركة على إدلب يريحنا كثيراً".

وحذرت الأمم المتحدة مراراً خلال الفترة الماضية من شن أي هجوم عسكري قد يؤدي إلى "أسوأ كارثة إنسانية" في القرن الحالي في منطقة تؤوي مع مناطق محدودة محاذية لها ثلاثة ملايين شخص، نصفهم من النازحين.

وبعد وقت قصير من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الاتفاق، شارك العشرات مساء الإثنين في تظاهرة في بلدة بنش  في ريف إدلب الشمالي. ورفعوا أعلام المعارضة مرددين هتافات مطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

ورغم ارتياحه لابتعاد الهجوم، شكك اصطيف الأحمد (27 عاماً) على هامش مشاركته في التظاهرة بجدية الاتفاق على المدى البعيد. ورأى فيه "حلاً جزئياً وليس شاملاً".

وقال: "غايتنا الأساسية هي إسقاط الأسد وربما يكون الاتفاق التفافاً على غايتنا (...) ربما يحصل اتفاق جديد بين تركيا وروسيا ليسلموا المنطقة الى النظام. نحن أمام مصير مجهول".

ويخشى بعض الأهالي أن تتكرر في إدلب سيناريوهات شهدتها مناطق أخرى كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، وعمدت فيها قوات النظام إثر عمليات عسكرية إلى اجبار المقاتلين المعارضين على تسليم أسلحتهم الثقيلة ثم تمّ إجلاؤهم بموجب اتفاقات تسوية.

ويفرض الاتفاق الروسي التركي الجديد على الفصائل المعارضة إخلاء المنطقة المعنية من السلاح الثقيل، على أن ينسحب منها المقاتلون المتشددون.

لكن لا يعرف بعد ما هي الآلية التي ستعتمد لتطبيق هذا الاتفاق. وتمتد المنطقة التي يفرض أن تكون منزوعة السلاح، بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً في المحافظة التي تسيطر على الجزء الأكبر منها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وفصائل أخرى مدعومة من تركيا.

وبالإضافة إلى كونها آخر معقل رئيسي للفصائل، شكلت إدلب على مدى السنوات الماضية ملجأ لعشرات آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين الذين رفضوا اتفاقات تسوية مع النظام وأجبروا على مغادرة مناطقهم والانتقال إليها.

وخلال تظاهرة بنش، صدحت أصوات المتظاهرين وهم يرددون هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام"، ملوحين بالأعلام ذات النجوم الثلاث والتي اعتمدتها المعارضة بعد اندلاع الاحتجاجات عام 2011. وحمل أحدهم علم تركيا.

وقال أبو يزن الحمصي إنه يعارض إقامة منطقة منزوعة السلاح. وأضاف "نتمنى من الثوار ألا يسلموا أسلحتهم (...) إذا أخذوا سلاحنا اليوم فمن يضمن ألا يقتحم النظام وروسيا مناطقنا؟"، متسائلاً "هل أنت يا إردوغان من سيحمينا مثلاً؟".

وعلى وقع قرع الطبول وموسيقى الدبكة، حمل متظاهرون لافتات كتب عليها "لن نسامح.. لن نصالح". ورأى وسيم سويد أن الاتفاق: "جزئي ولم يحل مشكلة الشعب السوري"، مضيفاً أن "إنشاء منطقة بعمق 15 كيلومتراً ليس من مطالب الشعب السوري الذي يطالب منذ اليوم الأول بإسقاط النظام".

وأضاف: "هذا الاتفاق برأيي لن يوقف القصف على الشعب". على بعد عشرات الكيلومترات شمالاً، أبدى محمد صالح المقيم في قرية حدودية مع تركيا، حيرته إزاء الاتفاق الجديد. وقال: "القرار جيد لكن أظن أن خلفه نوايا خبيثة من روسيا". وأضاف "غداً ينزعون السلاح الثقيل ثم يغدرون بتركيا. لقد تعودنا على غدر روسيا".

"اتفاق إدلب يؤجل الحسم العسكري ولا يلغيه ومهمة صعبة تنتظر أنقرة"

ويفسح الاتفاق الروسي-التركي حول محافظة إدلب المجال أمام مزيد من المحادثات بين الأطراف المعنية لتحديد مصير هذا المعقل الرئيسي الأخير للفصائل المعارضة، وفق ما يرجح محللون، لكنه لا يعني استبعاد الخيار العسكري نهائيا.

وأعلن الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان الإثنين الاتفاق على إقامة "منطقة منزوعة السلاح" في إدلب تفصل مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة عن مناطق سيطرة قوات النظام.

ويتضمن الاتفاق، وفق ما أعلن بوتين، إنشاء منطقة "منزوعة السلاح" في إدلب بحلول 15 تشرين الأول/أكتوبر، على طول خط التماس بين قوات النظام والفصائل بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، على أن يتم "انسحاب المقاتلين المتشددين منها بينهم جبهة النصرة" التي باتت تعرف بهيئة تحرير الشام بعد فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة.

وتمتد هذه المنطقة على طول الحدود الادارية لإدلب مع محافظات حلب (شمال) وحماة (وسط) واللاذقية (غرب). في مهلة أقصاها العاشر من الشهر المقبل، يترتب على "جميع فصائل المعارضة" إخلاء هذه المنطقة من السلاح الثقيل، على أن "تسيطر وحدات من الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية" عليها.

وفيما يشير الاتفاق الى مرحلتين، تحدثت صحيفة "الوطن" السورية القريبة من السلطات في عددها الثلاثاء عن مرحلة ثالثة تنص على "دخول مؤسسات الدولة السورية لاستلام مهامها قبل نهاية العام".

ويرجح محللون أن تكون البنود التي تمّ الإعلان عنها في سوتشي جزءاً من مضمون الاتفاق وليس كله. ويقول الباحث في معهد "شاتام هاوس" حايد حايد لوكالة فرانس برس "تفاصيل الاتفاق اليوم ليست واضحة ولا أعتقد أن هذا هو الاتفاق بالكامل. إنها فقط البداية، المرحلة الأولى"، لافتاً الى أن بقية التفاصيل قد تتضح في مرحلة لاحقة.

ورحبت كل من دمشق وطهران اللتين غابتا عن قمة سوتشي، بمضمون الاتفاق. وقال مصدر في الخارجية السورية إنه "حصيلة مشاورات مكثفة" مع روسيا، في وقت أشاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بما وصفه بـ"الدبلوماسية المسؤولة".

ولم تغفل الخارجية السورية أن تؤكد مضيها "في حربها ضد الإرهاب حتى تحرير آخر شبر من الأراضي السورية". ويوضح حايد أن "الهاجس الأكبر هو ألا ينفّذ النظام الاتفاق، فهو بكل تأكيد ليس سعيداً به والسؤال هو كيف سيحاول تخريبه؟".

يأتي إعلان الاتفاق بعد تلويح دمشق مع حليفتها موسكو بشن هجوم واسع على إدلب، رغم كونها إحدى مناطق خفض التصعيد برعاية روسية إيرانية تركية. ولهذه الغاية، وخلال الأسابيع الماضية ، أرسلت دمشق تعزيزات عسكرية الى محيط إدلب تزامناً مع تصعيدها في الأيام العشرة الأولى من الشهر الحالي وتيرة قصفها بمشاركة طائرات روسية.

وأثار التلويح بشن هجوم مخاوف دولية واسعة، وحذرت الأمم المتحدة من "أسوأ كارثة إنسانية" في القرن الحالي قد تشهدها المحافظة التي تؤوي مع أجزاء من محافظات مجاورة تحت سيطرة الفصائل، نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم من النازحين.

ويرى محللون أن الاتفاق لا يعني تجنيب إدلب الخيار العسكري بالمطلق. ويقول الباحث نوار أوليفر من مركز عمران للدراسات، ومقره إسطنبول، لفرانس برس إن "الاتفاق حل مؤقت وليس دائماً لأن الروس لا يريدون لاتفاق أستانا أن ينهار (..) ويريدون الإبقاء على علاقة جيدة مع تركيا".

ومنذ عام 2017، بدت محادثات أستانا التي شهدت على التقارب الروسي التركي بعد خلاف طويل حول سوريا، بمثابة بديل عن مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة التي لم تُحدث أي تقدم.

وتؤكد مديرة برنامج الشرق الأوسط في "شاتام هاوس" في بيروت لينا الخطيب لفرانس برس أن الاتفاق "لا يضمن أن الهجوم على إدلب لم يعد مطروحاً على الطاولة مستقبلاً".

وتضيف: "يجب النظر إلى الاتفاق الدولي على أنه بداية المسار فقط، لكنها ليست هذه النهاية بالنسبة إلى إدلب". لن تكون مهمة تركيا في إدلب سهلة. ويشرح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر لفرانس برس أن تطبيق الاتفاق "سيكون حافلاً بالمخاطر وللطرف التركي أكثر من غيره، كونه تحمّل مسؤولية التعامل مع هيئة تحرير الشام".

ويضيف: "يُتوقع أن تقاوم هيئة تحرير الشام اتفاقاً ينص على حجبها جغرافياً وتفكيك خطوط دفاع المعارضة على خط التماس" مع النظام. وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب. كما تسيطر فصائل أخرى معارضة على مناطق عدة وتتواجد قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي.

ويقول أوليفر في هذا السياق: "الخطر الخارجي على إدلب ليس بقدر قوة الخطر الداخلي"، مؤكداً بدوره أن الأتراك "يواجهون مهمة صعبة جداً وهي كيفية السيطرة على هيئة تحرير الشام ومحاربة "حراس الدين" "، مجموعة متشددة مرتبطة بتنظيم القاعدة. 

وأبدى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الثلاثاء استعداد بلاده لإرسال "المزيد من التعزيزات العسكرية" الى إدلب. وذكرت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية أن "كتيبة من خمسة آلاف جندي مستعدة للتدخل في إدلب إذا لزم الأمر لحماية المدنيين".

ويشكل الاتفاق، وفق هيلر، "اختباراً مفصلياً لتركيا في سوريا". ويقول: "رغم صعوباته، ليس أمامها خيارات أخرى، نظراً للضرر الكبير الذي سيلحق بالمصلحة التركية في حال انهارت هدنة إدلب".  أ ف ب