بايدن يغيِّر سياسة أمريكا في الشرق الأوسط - استئناف حوار إيران ومراجعة دعم دول الخليج العسكري

أعلنت الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن الأربعاء 27 / 01 / 2021 عن تغيير شامل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط تتضمن "مراجعة" للدعم العسكري لدول الخليج واستئناف الحوار مع إيران "سيستغرق بعض الوقت".

ويبدو مستقبل الاتفاق النووي الإيراني الذي سحب دونالد ترامب منه واشنطن سيكون واحدة من أكثر الأولويات إلحاحا على الساحة الدولية.

لكن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن وبعد يوم على توليه منصبه، خفف من الاندفاع. وقال في أول مؤتمر صحافي له إن "الرئيس بايدن أوضح أنه إذا أوفت إيران مجددا بكل التزاماتها" باتفاق 2015 "فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه".

وأضاف أن إيران "توقفت عن الوفاء بالتزاماتها على جبهات عدة. سيستغرق الأمر بعض الوقت إذا اتخذت هذا القرار، للعودة إلى المسار الصحيح، وسيستغرق الأمر وقتا حتى نتمكن من تقييم ما إذا كانت تفي بالتزاماتها. ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك. هذا أقل ما يمكن قوله".

لكن المفاوضات ستكون شاقة على الأرجح لأن إيران تطلب العكس، وتريد أن تقوم واشنطن بالخطوة الأولى عبر رفع العقوبات الأميركية قبل أي شيء آخر.

ولم يوضح أنتوني بلينكن الطريقة التي ينوي فيها حل هذه المشكلة. وقد التقى الأربعاء نظراءه الفرنسي والبريطاني والألماني المتمسكين جدا بالاتفاق الإيراني.

وتأتي تصريحات بلينكن بينما دعت روسيا وإيران الثلاثاء الولايات المتحدة إلى إنقاذ الاتفاق النووي لتحترم إيران التزاماتها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى استقباله نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إن "القضية المطروحة جدا راهنا هي إنقاذ (الاتفاق) ونحن، مثل إيران، نتمنى العودة إلى تنفيذه التام والكامل".

من جهتها، ذكرت إيران بايدن بعد يومين فقط من توليه مهامه الرئاسية، بما تعتبره متطلبات لإنقاذ الاتفاق النووي.

ففي مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، قال ظريف "على الحكومة الجديدة في واشنطن حسم خيار أساسي: تبني سياسات إدارة ترامب الفاشلة ومواصلة السير على طريق ازدراء التعاون والقانون الدوليين... أو يمكن أن يختار بايدن طريقا أفضل عبر إنهاء سياسة +الضغوط القصوى+ الفاشلة التي تبناها ترامب والعودة إلى الاتفاق الذي تخلى عنه سلفه".

ويفترض أن يمنع الاتفاق الذي أبرم في 2015، إيران من امتلاك قنبلة ذرية.

لكن في 2018، أغلق الرئيس الجمهوري السابق الباب معتبرا أن الاتفاق لا يكفي لوقف "الأنشطة المزعزعة للاستقرار" للجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار أعاد فرض كل العقوبات الأميركية ثم شددها، على إيران التي تراجعت بدورها تدريجيا عن القيود المفروضة على برنامجها النووي.

لكن بايدن يرى أنه يجب إنقاذ هذا الاتفاق قبل كل شيء لتجنب ظهور إيران نووية.

أكد بلينكن مجددا أنه "بعد ذلك سنستخدم ذلك كنقطة انطلاق لنبني مع حلفائنا وشركائنا، ما أسميناه اتفاقا أكثر ديمومة ومتانة، للتعامل مع العديد من القضايا الأخرى التي تطرح إشكالية كبيرة في العلاقة مع إيران"، من دون أن يضيف أي تفاصيل. غير أن بلينكن قال "لكننا بعيدون عن ذلك".

في الوقت نفسه، أطلقت وزارة الخارجية مراجعة للقرارات الأخيرة المثيرة للجدل للحكومة السابقة.

وكانت أول نتيجة تعليق واشنطن مبيعات الأسلحة "الجارية" حتى "إعادة التدقيق فيها" للتأكد من أنها تحقق "أهدافها الاستراتيجية"، يحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء. وبين هذه الصفقات التي جمدت ذخيرة دقيقة للسعودية وخصوصا مقاتلات من طراز إف-35 للإمارات العربية المتحدة.

وتقود الرياض بدعم من أبو ظبي تحالفا عسكريا مع الحكومة اليمنية في الصراع بينها وبين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

وكان بلينكن تعهد الأسبوع السابق "بإنهاء" الدعم الأميركي لهذا التحالف المتهم بارتكاب العديد من الأخطاء الفادحة ضد المدنيين اليمنيين. وقال الأربعاء إن هذا التحالف "ساهم في ما يعتبر في كثير من الأحيان بأسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم".

في الوقت نفسه، أكد على مراجعة "عاجلة جدا" لقرار إدراج الحوثيين على اللائحة الأميركية "للمنظمات الإرهابية" الذي واجه انتقادات من جميع الجهات لأنه يهدد بعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق واسعة يسيطر عليها المتمردون.

وتعكس هذه القرارات تغييرا كبيرا في توازنات التحالفات الأميركية إذ إن السعودية كانت مع إسرائيل، الركيزة الأساسية لسياسة دونالد ترامب المناهضة لإيران.

ويشكل تعليق بيع الإمارات طائرات "إف-35" تطورا رمزيا لأنه تقرر في الخريف بعد سنوات من الرفض، مقابل الاعتراف بإسرائيل.

ورحب بلينكن بهذا التطبيع التاريخي للعلاقات مع الدولة العبرية الذي انتزعه دونالد ترامب من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، لكنه أشار إلى أنه بدأ بالفعل "النظر" في "الالتزامات" التي قطعتها واشنطن لانتزاع هذه الاتفاقات، من أجل التوصل إلى "فهم شامل" لها.

ولم يرد الوزير الأميركي على سؤالين عن التراجع عن القرار المتعلق ببيع طائرات إف-35 أو عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

مبعوث بايدن الخاص لإيران تحت نيران انتقادات "الصقور"

في سياق متصل ورغم أن تعيينه لا يزال حديث العهد، إلا أن المبعوث الأميركي الجديد لإيران روبرت مالي، أحد مهندسي الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، لم يسلم من سيل انتقادات صقور اليمين المحافظ الذين يتهمون الدبلوماسي بالتساهل مع بلد عدو.

وأكدت واشنطن الجمعة 29 / 01 / 2021 تسمية روبرت مالي صديق طفولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن ورئيس مجموعة الأزمات الدولية، "مبعوثاً خاصاً لإيران".

وأعلن مسؤول في الخارجية الأميركية الجمعة أن مالي "يضفي إلى هذا المنصب نجاحاته السابقة في المفاوضات حول القيود على البرنامج النووي الإيراني"، مؤكداً أن "وزير الخارجية لديه الثقة بأنه وإلى جانب فريقه، سيتمكن (مالي) من التوصل إلى هذه النتيجة مرةً أخرى".

وعمل مالي كمسشتار في البيت الأبيض وكان أحد المفاوضين الرئيسيين في الاتفاق الهادف إلى منع إيران من تطوير قنبلة نووية والذي أبرِم في عهد باراك أوباما.

لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب الولايات المتحدة في العام 2018 من الاتفاق الذي كانت كل من روسيا وألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة أطرافاً فيه أيضاً. واعتبره ترامب غير كاف لردع أنشطة إيران "المزعزعة للاستقرار" في الشرق الأوسط ولا للحدّ من أنشطتها النووية.

وأكد بلينكن هذا الأسبوع نية الرئيس بايدن العودة إلى الاتفاق النووي، بشرط أن تجدد إيران الالتزام بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق والتي بدأت بالتخلي عنها رداً على عقوبات إدارة ترامب.

 

ويبدو أن المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي ستكون صعبة إذ إن إيران تريد في المقابل أن تقوم واشنطن بالخطوة الأولى عبر رفع العقوبات.

وحتى قبل تسميته رسمياً، حظي اسم روبرت مالي بترحيب العديد من الخبراء والدبلوماسيين.

لكن، وفي انعكاس للانقسام العميق في الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة والعوائق التي ستظهر أمام الثلاثي بايدن-بلينكن-مالي في محاولتهم الوفاء بوعدهم العودة إلى الاتفاق دون إشعال النقاش السياسي، أثار اختيار مالي غضب أوساط الصقور من اليمين المحافظ.

وكتب السناتور الجمهوري توم كوتون في 21 كانون الثاني/يناير 2021 في تغريدة "من المثير جداً للاستياء أن يفكر الرئيس بايدن باسم روب مالي لقيادة السياسة الإيرانية".

وحذر السناتور من أن "مالي معروف بتعاطفه مع النظام الإيراني وعدائيته تجاه إسرائيل"، معتبراً أن المسؤولين في إيران "لن يصدقوا مدى حسن حظهم إذا ما عيّن" مالي.

واتخذت شخصيات أخرى مناهضة بشدة للاتفاق النووي الإيراني موقفاً مماثلاً أيضاً.

وقال الأكاديمي الصيني الأميركي زيويه وانغ -الذي سجن في إيران عام 2016 وأفرج عنه أواخر عام 2019 في إطار تبادل للسجناء تفاوضت عليه إدارة ترامب- إن روب مالي "لم يلعب أي دور إيجابي" سعياً لإخراجه من السجن عندما كان في البيت الأبيض.

واعتبر وانغ الأسبوع السابق أن "تسميته ستعطي انطباعاً بأن الإفراج عن الرهائن الأميركيين في إيران لن يكون أولوية".

وبمواجهة هذه الانتقادات، تأخذ إدارة بايدن حالياً وقتها لإظهار أنها لن تقوم بأي خطوة متسرعة في هذا الملف الشائك.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي الجمعة 29 / 01 / 2021 "لن أعطي جدولاً زمنياً" لبدء المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، ورفضت القول إِنْ كان بايدن مستعداً للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني أو على الأقل التحدث معه هاتفياً كما فعل باراك أوباما عام 2013.

وحتى الآن، تبدي الولايات المتحدة غموضاً متعمداً بشأن نواياها في هذا الملف، مكتفيةً بالقول إن اتفاقاً حول الملف النووي، الذي يعدّ ضرورة طارئة، سيتطلب "بعض الوقت"، وسيشكل "نقطة انطلاق" للتفاوض على "اتفاق أكثر استدامةً وأقوى".

وفي "توصياتها" للحكومة الأميركية الجديدة، قالت مجموعة الأزمات الدولية التي يرأسها مالي حتى الآن إنه يتعين "البدء بإلغاء المرسوم العائد لعام 2018 الذي ينهي المشاركة الأميركية" في اتفاق عام 2015، و"إطلاق عملية رفع كامل لعقوبات عهد ترامب فيما تعيد إيران برنامجها النووي إلى المسار الصحيح". أ ف ب

 

[embed:render:embedded:node:38600]

 

[embed:render:embedded:node:42775]