أفغانستان: مباراة دولية سياسية اختبارية مع فريق حركة طالبان

إقدام الولايات المتحدة على الحديث مع حركة طالبان والضغط على الحكومة الأفغانية لإجراء محادثات معها في غياب أي ضمانات معقولة بأن طالبان ستلقي أسلحتها، هو أمر محبط وشديد الترويع على أقل تقدير - تحليل السياسي الهندي شاشى ثارور.

الكاتبة ، الكاتب: Shashi Tharoor

في بطولة كأس العالم لرياضة الكريكيت التي أقيمت في إنجلترا (2019)، قَدَّم فريق أفغاني مقدام يتألف في الأساس من لاجئين سابقين صورة طيبة إلى حد مدهش عن أنفسهم، بما في ذلك في المباريات التي خاضوها ضد فريقي جارتيهما الهند وباكستان. ولكن من المؤسف أننا لا نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن فريقين أفغانيين آخرين ــ طالبان والحكومة الأفغانية - التقيا في الدوحة عاصمة قطر في وقت سابق من هذا الشهر للاتفاق على "خريطة طريق إلى السلام".

لم يستطع المسؤولون الأفغان الذين شاركوا في محادثات الدوحة حتى مجرد الزعم بأنهم يمثلون الحكومة، لأن محاوريهم، وهم أعضاء في عصابة قاتلة من المتعصبين، لا يعترفون بالحكومة الأفغانية. وبدلا من ذلك، وُصِف الوفد بطريقة مهذبة على أنه مجموعة من الممثلين من أفغانستان، دون أن يُذكَر من يمثلون على وجه التحديد.

بعد يومين من المحادثات، اتفق المشاركون على ثماني نقاط في إطار قرار مشترك، مما دفع زلماي خليل زاد، الممثل الأمريكي الخاص للمصالحة في أفغانستان، إلى تدوين تغريدة مفادها أن المحادثات "اختتمت بشكل إيجابي للغاية". وقد هنأ المشاركين "على إيجاد أرضية مشتركة".

ربما يكن بوسعنا أن نغفر للمراقبين في الهند - ثاني أكبر دولة تمنح المعونة لأفغانستان بعد الولايات المتحدة - القدر الذي أبدوه من الشك. فقد اتفق الجانبان في الدوحة على "خفض الخسائر في أرواح المدنيين إلى الصِفر". ولكن حتى أثناء اجتماعاتهما، كانت الدماء تراق على "أرضيتهما المشتركة" - أرض أفغانستان - بسبب هجمات وحشية تشنها حركة طالبان، التي رفضت وقف إطلاق النار لعيد الفِطر، وهو عيد المسلمين التقليدي بعد نهاية شهر رمضان.

حوار على وقع إراقة الدماء

ولم يهدأ العنف منذ ذلك الحين، مع تسبب سلسلة من هجمات طالبان في مقتل العشرات وإصابة المئات بجراح في الأيام السابقة. في الأول من يوليو/تموز 2019، قتل محاربو طالبان نحو 40 شخصا في هجوم على مجمع حكومي في كابول. وبعد ستة أيام، نفذت طالبان تفجيرا انتحاريا استهدف مجمعا للاستخبارات في إقليم غزنة وسط أفغانستان مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص وإصابة نحو 180 آخرين بجراح. 

 

سهيل شاهين ، ممثل حركة طالبان في محادثات الدوحة - قطر. (photo: Getty Images/AFP/K. Jaafar)
According to Shashi Tharoor, the Afghan government officials who participated in the Doha talks "could not even claim to be what they were, because their interlocutors, a murderous band of fanatics, do not recognise the Afghan government. Instead, the delegation was politely described as a group of representatives from Afghanistan, without saying whom exactly they represented." Pictured here: Sohail Shaheen, representative of the Taliban at the talks in Doha

 

وفي الهجومين، تضرر عدد من المباني المجاورة، بما في ذلك مدارس في الجوار، مما أدى إلى مقتل وتشويه أطفال. ووفقا لتقرير ضحايا الحرب الأفغانية الذي يصدر أسبوعيا عن صحيفة نيويورك تايمز، كانت حصيلة القتلى في الفترة بين الثامن والعشرين من يونيو/حزيران والرابع من يوليو/تموز هي الأعلى حتى الآن في عام 2019، حيث قُتِل 264 موظفا حكوميا و58 مدنيا.

ولا يُبدي هذا الصراع أي علامة تشير إلى اقترابه من نهايته. يُقال إن ونستون تشرشل كان يقول إن "الحوار أفضل من الحرب"، لكن حركة طالبان أتقنت فن الحديث أثناء القتال. ولم تُخفِ طالبان رغبتها في استعادة الإمارة الإسلامية، التي حكمت أفغانستان ــ وجعلت منها وحشا - في الفترة من 1996 إلى 2001 - إلى أن انهارت تحت وابل من القنابل الأمريكية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية.

مع هذا الهجوم الناجح على نظام وحشي أثيم، ورثت الولايات المتحدة المشاكل التي حاول الروس حلها خلال احتلالهم الكارثي لأفغانستان طوال الفترة من 1979 إلى 1989. مع رحيل الاتحاد السوفييتي، انغمست أفغانستان في سنوات من الحرب الأهلية والاقتتال حتى بين الأشقاء. ثم بلغت تلك الأحداث أوجها باستيلاء حركة طالبان على السلطة وفرض حكم ديني إسلامي صارم على البلاد، والذي شهد العديد من عمليات الإعدام، وبتر الأطراف، والرجم. 

وجرى منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس، أما النساء، اللاتي منعن من الخروج من منازلهن دون مرافقة محرم من الذكور، فقد أصبحن غير مرئيات في الأماكن العامة تحت البرقع (النقاب). كما ألغيت السينما، والتلفزيون، والموسيقى. وتحت خِفارة المؤسسة العسكرية الباكستانية، جلبت حركة طالبان السلام إلى أفغانستان، لكنه كان سلام القبور.

بعد مرور شهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، نجحت مهمة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة تحت مسمى "عملية الحرية الدائمة" في تدمير حكومة طالبان. وكان الأمل أن تستمر الحرية دون وجود أمريكي دائم في أفغانستان. ولكن بمساعدة كبيرة من رُعاتها وأنصارها في باكستان، أعادت حركة طالبان تنظيم صفوفها وشرعت في حملة جيدة التمويل لاستعادة البلاد من المحتلين.  

وبعد مرور ثمانية عشر عاما، لا تزال الولايات المتحدة هناك، وإن كان ذلك تحت شعار جديد ــ "عملية حارس الحرية" ــ جرى تبنيه في عام 2015. تكبد التحالف الدولي نحو 3500 قتيلا، والآن، انسحبت العديد من الدول التي أرغمتها الولايات المتحدة على المشاركة في الحرب. والحق أن الولايات المتحدة تود لو تتمكن من الانسحاب، بدلا من تكبد المزيد من الخسائر، وبلا نهاية قريبة في الأفق. لكن الانسحاب تحت هجوم طالبان سيعد اعترافا بالهزيمة.

حوار أمريكي مع طالبان - ترمب عازم على الحد من خسائره

ولكن من الواضح أن هذه الحسابات تغيرت الآن. مثله كمثل سلفه باراك أوباما، خاض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حملته الانتخابية على وعد بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان. ولكن على النقيض من أوباما، نجد أن ترمب عازم على الحد من خسائره، وكان محتضنا لمحادثات السلام مع طالبان بالكامل، لتحقيق هدف أساسي يتلخص في السماح بالانسحاب المنظم - والكامل - للقوات الأمريكية من أفغانستان.

راقبت الهند هذه العملية بقلق. كانت إمارة طالبان الإسلامية ضالعة في اختطاف طائرة تابعة لشركة طيران الهند كانت متجهة إلى قندهار في عام 1999، مما أسفر عن وقوع خسائر في أرواح مواطنين هنود، وكانت خسارة الهند لمهابتها أعظم، حيث استجابت الحكومة الهندية لمطالب الخاطفين بإطلاق سراح ثلاثة إرهابيين باكستانيين. وكان آخر ما تريده الهند هو عودة نظام طالبان الإسلامي في جوارها.

 

نساء أفغانيات لابسات البرقع. (photo: W. Kohsar/AFP/Getty Images)
During the period of Taliban rule in Afghanistan, girls were not allowed to attend school and women were forbidden to venture out of their homes without an accompanying male guardian. They were also obliged to cover themselves with a burqa (pictured here)

 

الواقع أن انزعاج الهند مفهوم. فبتشجيع من الأمن الذي فرضته قوات التحالف الدولي، استثمرت الهند أكثر من ملياري دولار أمريكي في أفغانستان. وقد ساعدت في بناء أكبر مستشفى للنساء والأطفال في البلاد، وأقامت المدارس، وشيدت سد الصداقة الأفغانية الهندية (المعروف سابقا باسم سد سلمى)، وشقت طريق ديلارام-زارانج السريع عبر جنوب غرب البلاد (لفتح طرق التجارة إلى الغرب)، وعملت على ضمان التيار الكهربائي دون انقطاع في كابول، بل إنها شيدت مبنى جديدا للبرلمان.

لكن لا أحد في الهند يعتقد أن الأفغان مستعدون على الإطلاق لإدارة أمنهم دون أي تواجد دولي. فقد أسفرت هجمات طالبان عن مقتل نحو 1.4 مليون إلى مليوني أفغاني منذ عام 2001. ومجرد إقدام الولايات المتحدة على الحديث مع هذه الجماعة، بل وحتى الضغط على الحكومة الأفغانية لإجراء محادثات معها في غياب أي ضمانات معقولة بأن طالبان ستلقي أسلحتها، أمر محبط وشديد الترويع في أقل تقدير.

كان الهدف الذي سعت الهند إلى تحقيقه هو تثبيت الديمقراطية في أفغانستان وتعزيز مجتمعها المدني، حتى يصبح الأفغان أكثر قدرة على التحكم في مصيرهم. ولهذا السبب أيضا استضافت الهند المهووسة برياضة الكريكيت الفريق الوطني الأفغاني وشاهدت بإعجاب كيف استعرض اللاعبون تفوقهم في بطولة كأس العالم. ومن المعروف أن طالبان حظرت رياضة الكريكيت أيضا عندما كانت في الحُكم.

 

 

شاشي ثارور

ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2019

 

 

ar.Qantara.de

شاشي ثارور، مساعد سابق للأمين العام للأمم المتحدة ووزير دولة هندي سابق لتنمية الموارد البشرية ووزير دولة سابق للشؤون الخارجية. وهو عضو البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر الوطني الهندي ورئيس اللجنة الدائمة للبرلمان المعنية بالشؤون الخارجية. وهو مؤلف كتاب عن الهند وعالم القرن الحادي والعشرين.