منذ اندلاع نزاع سوريا حيَّدَ الدروز أنفسهم فلم يحملوا السلاح ضد النظام ولم ينخرطوا معه في معاركه

هل دفع النظام السوري داعش إلى مناطق الدروز (3 % من السكان) لكسر حيادهم وإجبارهم على التجنيد؟

منذ اندلاع النزاع في سوريا، نجحت الأقلية الدرزية في تحييد نفسها فلم تحمل السلاح ضد النظام، ولا وافقت على الانخراط في معاركه. 

وقد انقسم دروز سوريا منذ بداية النزاع بين موالين للنظام الذي قدم نفسه "حامياً" للأقليات في مواجهة التطرف، وبين متعاطفين وناشطين مع الحراك الشعبي ضد النظام قبل تحوله نزاعاً مسلحاً، فيما بقي آخرون على الحياد. 

وفي تموز/يوليو 2018، تعرضت تلك الأقلية لاعتداء هو الأكثر دموية ضدها، بعدما شن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات واسعة في محافظة السويداء أسفرت عن مقتل أكثر من 260 شخصاً.

يبلغ تعداد الدروز في سوريا نحو 700 ألف نسمة،كانوا يشكلون نحو ثلاثة في المئة فقط من إجمالي عدد السكان البالغ 23 مليون قبل اندلاع النزاع الذي أدى الى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

تشكل محافظة السويداء في جنوب سوريا المعقل الرئيسي لدروز سوريا الموجودين كذلك في محافظة القنيطرة المجاورة وفي جبل حرمون الممتد بين لبنان وسوريا، فضلاً عن مناطق في الضاحية الجنوبية لدمشق أبرزها جرمانا وصحنايا.

كما يتواجدون في عدد من القرى في محافظة إدلب (شمال غرب). ونزح جزء كبير منهم من المحافظة مع سيطرة الفصائل الاسلامية والجهاديين عليها.

ويتوزع الدروز أيضاً في دول الجوار: 200 ألف في لبنان و130 ألفاً في إسرائيل بينهم 18 ألفاً في هضبة الجولان المحتلة. 

وتعود أصول الطائفة الدرزية التي لا تكشف عن تعاليمها الدينية إلى المذهب الإسماعيلي، أحد مذاهب الإسلام. ولا يمكن لغير الدرزي أن يتحول إلى هذه الطائفة.

في بداية النزاع، أيّد قسم من الدروز الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، ورفض الممثلون الدينيون للطائفة في الوقت ذاته الدخول في مواجهات ضد النظام.

وكان خلدون زين الدين أول ضابط درزي انشقّ عن الجيش السوري في عام 2011، وقتل في معارك خاضتها فصائل معارضة للتقدم في محافظة السويداء في 2013.

في المقابل، برزت أسماء ضباط في الجيش عرفوا بولائهم المطلق للنظام وأبرزهم العميد في الحرس الجمهوري عصام زهر الدين الذي بقي محاصراً لسنوات في مدينة دير الزور، خاض خلالها معارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ثم قتل جراء انفجار لغم بعد فك الحصار عن المدينة.

كما برز اسم الشيخ وحيد البلعوس الذي تزعمّ ما عرف بـ"مشايخ الكرامة"، وهي مجموعة ضمت رجال دين وأعيانا ومقاتلين وعملت على حماية المناطق الدرزية من تداعيات النزاع. وعرف البلعوس بمواقفه الرافضة لقيام الدروز بالخدمة العسكرية خارج مناطقهم. كما كان من أشد المعارضين للتنظيمات الإسلامية المتطرفة.

وقُتل البلعوس في تفجير سيارة مفخخة في أيلول/سبتمبر 2015 في مدينة السويداء. واتهم مناصروه النظام بقتله، إلا أن دمشق أعلنت اعتقالها عنصراً من جبهة النصرة قالت إنه اعترف بتنفيذ التفجير.

تخلف آلاف الدروز خلال سنوات النزاع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، بعضهم بسبب معارضتهم للنظام، والغالبية بسبب رفضها القتال في مناطق خارج المناطق الدرزية. 

والتحق عدد كبير منهم في لجان شعبية تم تشكيلها خلال سنوات النزاع للدفاع عن مناطقهم خصوصاً في السويداء، أبرزها "مشايخ الكرامة"، فضلاً عن مجموعة "درع الوطن" الموالية للنظام والتي تشكلت في نيسان/أبريل 2015 وضمت حينها ألفي عنصر.

غضت دمشق المنشغلة بجبهات أخرى الطرف طوال السنوات الماضية عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية في السويداء. لكن بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها على الأرض وإثر الهجوم الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية في السويداء، دعا رئيس النظام السوري بشار الأسد أبناء المنطقة للالتحاق بالجيش، معتبراً التخلف عن ذلك بمثابة "تهرب من خدمة الوطن".

وتعرض الدروز لبعض الهجمات خلال سنوات الحرب. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2012، تعرضت ضاحية جرمانا قرب دمشق، ذات الغالبية الدرزية والمسيحية لتفجير انتحاري أودى بحياة 54 شخصاً.

وبقيت محافظة السويداء نسبياً بمنأى عن الحرب باستثناء عمليات عسكرية محدودة بين 2013 و2015 شنتها فصائل معارضة بعضها إسلامية متطرفة وصدتها قوات النظام بمساندة السكان الدروز.

وسيطرت الفصائل المعارضة على بعض القرى عند أطراف المحافظة الغربية المحاذية لمحافظة درعا، لكن قوات النظام طردتهم منها عام 2018 خلال هجومها لاستعادة كامل الجنوب السوري.

وفي حزيران/يونيو 2015، قتل 20 مواطناً درزياً برصاص جبهة النصرة في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عناصر النصرة اتهموا الدروز بـ"الكفر" قبل إطلاق النار عليهم.

وفي عام 2016، أعدم تنظيم الدولة الإسلامية أربعة عمال لانتمائهم إلى الطائفة الدرزية. وفي 2017، قُتِل تسعة أشخاص في تفجير انتحاري بسيارة مفخخة في بلدة حضر ذات الغالبية الدرزية في هضبة الجولان.

وفي 25 تموز/يوليو 2018، قتل أكثر من 260 شخصاً في هجوم واسع تخلله عمليات انتحارية لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة السويداء. وخلال الهجوم، خطف التنظيم حوالي 30 سيدة وطفلاً. وقد أفرج عن ستة منهم في تشرين الأول/أكتوبر 2018 بموجب اتّفاق تبادل أسرى مع دمشق. وفي الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أعلنت دمشق تحرير باقي المختطفين في عملية عسكرية. وكان خمسة منهم قتلوا خلال فترة الاحتجاز جراء إعدامات او اشتباكات كما توفيت إمراة مسنة. 

وكان التنظيم انسحب بعد الهجوم إلى منطقة تلول الصفا الصحراوية المحاذية للمحافظة، قبل أن يطرده الجيش السوري منها في الـ17 من تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وانسحب مقاتلو التنظيم، وفق المرصد، إلى البادية، بناء على اتفاق مع دمشق التي تلقت وعوداً من مشايخ دروز بالعمل على إقناع الشباب للالتحاق بالجيش في حال إبعاد خطر التنظيم عن المحافظة. أ ف ب