جمود دبلوماسي مغربي ألماني يقيد مشاريع التنمية

مواقف متضاربة للمغرب والاتحاد الأوروبي حول الصحراء الغربية، ومنها موقف ألمانيا غير الداعم للمطلب المغربي بشأن هذه المنطقة، والنتيجة خلاف مغربي ألماني كبير عززه شعور الرباط باستبعاد برلين لها من مؤتمرات ليبيا. وبمرور الوقت تزداد تكلفة الأزمة على البلدين. الصحفي الألماني هانس-كريستيان روزلر والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Hans-Christian Rößler

إبراهيم غالي ذهب ولكن الأزمة لا تزال قائمة. غادر إسبانيا في ليلة الأربعاء 02 / 06 / 2021 زعيمُ الجبهة الشعبية لتحرير الصحراء الغربية البوليساريو. غير أنَّ عودته إلى الجزائر لا تعني انفراجًا في العلاقات بين المغرب وإسبانيا - أو بين المغرب وبقية دول الاتحاد الأوروبي.

أوضحت الحكومة في الرباط في بيان رسمي -حتى قبل مغادرة إبراهيم غالي المستشفى الإسباني الذي كان يتلقى فيه العلاج من مرضه بفيروس كوفيد19-- أنَّ التحقيقات الجارية ضدَّه لم تلعب دورًا مركزيًا في الجفاء وتدهور العلاقات مع أوروبا.

يتعلق الخلاف بالاعتراف الأوروبي بمطالبات المغرب بالصحراء الغربية. لقد تضمَّن البيان المغربي تهديدين من المحتمل أن يثيرا بعض القلق في برلين أيضًا: فقد ذكَّر هذا البيان الأوروبيين بمدى أهمية المغرب كشريك في محاربة الإرهاب الجهادي والهجرة غير الشرعية. ورد في البيان المغربي أنَّه بفضل هذه الشراكة تم "تحييد اثنين وثمانين عملًا إرهابيًا".

لقد أظهرت مؤخرًا قوَّات الأمن المغربية في سبتة ما الذي يحدث عندما توقَّفت عن عملها على الحدود؛ فقد دخل (بعد غياب قوَّات الأمن المغربية عن حراسة الحدود) نحو عشرة آلاف مغربي إلى هذا الجيب الإسباني.

توقُّف التعاون الأمني

أوقف المغرب تعاونه الأمني مع إسبانيا، مثلما ورد في بيان الرباط. وتأثَّرت من ذلك ألمانيا في وقت مبكِّر. وفي هذا الصدد قال متحدِّث باسم وزارة الداخلية الألمانية الاتحادية لصحيفة فرانكفورتر ألغماينه في برلين إنَّ "التعاون الأمني المغربي الألماني في مجال الشرطة تم تعليقه مؤقتًا".

 

خريطة: معبر الكركرات - الصحراء الغربية - المغرب - الجزائر - إفريقيا.
بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأوَّل 2020 عن أنَّه سيعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، باتت الحكومة المغربية تأمل في قبول دولي لمطالبها بهذه المنطقة الغنية بالموارد. دفع إعلانُ ترامب هذا المغربَ إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. انتقدت ألمانيا قرار ترامب ودعت إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي من أجل ذلك. ومنذ ذلك الحين تصاعد الخلاف بين ألمانيا والمغرب وبات يُعرِّض التعاون في جميع المجالات للخطر.

 

لقد تباهت قوَّات الأمن المغربية في الماضي بأنَّ الهجوم الإرهابي -الذي وقع في شهر كانون الأول/ديسمبر 2016 في سوق عيد الميلاد في ساحة برايتشايد ببرلين- كان من الممكن منعه بالمعلومات التي قدَّمتها. إذ إنَّ المغاربة والتونسيين باتوا يشكِّلون مؤخرًا معظم الإرهابيين في أوروبا.

وذكرت الحكومة الألمانية الاتحادية أنَّها ملتزمة "بالاستئناف الفوري للتعاون". ولكن لم يعد من المحتمل استئناف التعاون بين البلدين منذ إيقاف الحكومة المغربية اتصالاتها بالسفارة الألمانية في الرباط ومغادرة السفيرة المغربية برلين. في حين تتوقَّع مدريد أنَّ هذا التعليق، الذي بدأ بالنسبة لألمانيا في شهر آذار/مارس (2021) وأصبح ببطء مكلفًا لكلا الطرفين، سوف يستمر لفترة طويلة.

تربط بين البلدين في الواقع أعوامٌ طويلة من التعاون التنموي الناجح. وفي العام الماضي (2020)، حصل هذا البلد الشمال إفريقي على تعهدات ألمانية قيمتها أربعمائة وعشرين مليون يورو ومعظمها في شكل قروض. وبسبب أزمة كورونا فقد أضيفت قروض أخرى بقيمة سبعمائة وسبعة عشر مليون يورو، وفقًا لمعلومات الوزارة الألمانية الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). وقال متحدِّثٌ باسم الوزارة: "بسبب الأزمة الدبلوماسية التي أثارها المغرب فقد توقَّفت منذ شهر آذار/مارس 2021 أنشطةُ المشاريع في مجال التعاون التنموي الحكومي وغير الحكومي".

وهذا يؤثِّر بشكل خاص على التحالف الألماني المغربي لاستغلال طاقة الهيدروجين الأخضر، الذي يتبعه بناء أوَّل "مصنع مرجعي واسع النطاق" للهيدروجين الأخضر في إفريقيا. ومن المتوقع أن تصل تكالفيه إلى ثلاثمائة وخمسة وثلاثين مليون يورو، من المقرَّر أن يتم تمويل قسمًا كبيرًا منها من خلال القروض والمنح المقدَّمة من الحكومة الألمانية الاتحادية عن طريق بنك التنمية الألماني. وضمن هذا السياق قال المتحدِّث باسم الوزارة الألمانية الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية: "يتم حاليًا تأجيل أنشطة المشاريع الجارية".

تعليق مشاريع التعاون التنموي

وفي المغرب، أثَّر تجميد العلاقات على المؤسَّسات السياسية وكذلك على الهيئة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، التي تنشط في المغرب منذ عام 1975 بالنيابة عن الحكومة الألمانية الاتحادية. ولكن مع ذلك فقد أوقفت في شهر آذار/مارس 2021 الوزاراتُ والسلطاتُ المغربية اتصالاتها مع الهيئة الألمانية للتعاون الدولي.

وحول ذلك قالت متحدِّثة باسم الهيئة الألمانية للتعاون الدولي إنَّ "عدم التواصل مع الشركاء المغاربة يؤدِّي إلى التمكُّن  فقط ضمن نطاق محدود من تنفيذ العمل في مشاريع الهيئة الألمانية للتعاون الدولي في المغرب، البالغ عددها نحو خمسين مشروعًا".

وحتى الآن، لم يكن لذلك أية عواقب شخصية: فموظفو الهيئة الألمانية للتعاون الدولي المحليين والمبتعثين، البالغ عددهم في المغرب نحو ثلاثمائة موظف، لا يزالون "هناك" - حتى وإن لم يكن لديهم حاليًا الكثير ليفعلوه.

يفقد المغرب منذ أكثر من ثلاثة أشهر تمويلًا حكوميًا وخاصًا كبيرًا من ألمانيا. إذ لا يمكن ببساطة تحويل مبالغ كبيرة -من أموال دافعي الضرائب (الألمان) إلى جهات حكومية في المغرب- لم يعد بالإمكان متابعتها وتتبُّعها. يُعَدُّ المغرب بعد جنوب إفريقيا ثاني أهم موقع استثماري للشركات الألمانية في إفريقيا.

ويعمل هناك ثلاثون ألف موظف في ثمانين شركة ألمانية تقريبًا ويحقِّقون مبيعات تصل إلى نحو ملياري يورو. "وهذا يؤثِّر على شركات تعمل في مجالات مثل الصحة والطاقة مع شركاء حكوميين لم تعد على اتصال بهم"، مثلما يقول كريستوف كانينْغِيسَر، مدير الجمعية الأفريقية للأعمال الألمانية.

 

 

وهذا له تأثيرات على المستثمرين الجدد أيضًا. فقد كانت هذه الجمعية تريد السفر في هذه الأيَّام إلى المغرب مع رجال أعمال ألمان من أجل إطلاعهم على مشاريع الهيدروجين. ومع ذلك فإنَّ هذا البلد الشمال إفريقي لا يعتمد على الألمان أو الإسبان. "توجد دائمًا بدائل للطرفين. الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج تعمل على توسيع نفوذها في المملكة المغربية ومنطقة المغرب العربي"، مثلما يقول كريستوف كانينغيسَر.

الخلاف حول ليبيا

والمغرب نفسه لديه طموحات سياسية في شمال إفريقيا. وهذا ينطبق في المقام الأوَّل على حلّ النزاع الليبي، حيث تشعر الحكومة في الرباط أنَّها مُستبعدة وتتم إعاقتها من قِبَل ألمانيا. وعلى الأقل هذا هو أحد الأسباب المقدَّمة لتعليق العلاقات الدبلوماسية، والتي لا يمكن فهمها في وزارة الخارجية الألمانية: فقبل أسبوعين فقط من استدعاء السفيرة المغربية ونشر البيان الرسمي في السادس من أيَّار/ مايو 2021، شارك المغرب في اجتماع خاص بليبيا برئاسة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس.

وقبل ذلك بوقت قصير، كانت وزراة الخارجية الألمانية دعت المغرب لحضور مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا في نهاية شهر حزيران/يونيو 2021. وذكرت وزارة الخارجية الألمانية أنَّ الاتهام المغربي لألمانيا بأنَّها لا تريد للمغرب أن يلعب دورًا في جهود السلام هو اتهام لا أساس له من الصحة؛ ولا يمكن فهمه كسبب لتعليق التعاون وكذلك لتصعيد الأزمة من خلال استدعاء المغرب سفيرته.

 

هانس-كريستيان روزلر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: فرانكفورتَر ألغماينه تسايتونغ / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:44534]