"أنا أدعو دائماً المستعربين في ألمانيا أن يرسلوا إلي نصوصاً مترجمة."

هارتموت فندريش من أبرز المترجمين الألمان الذين ترجموا الرواية والقصة القصيرة العربية إلى اللغة الألمانية. قام فندريش بترجمة أكثر من ثلاثين عملاً أدبياً لأشهر الكتاب العرب. وهو مسؤول عن السلسلة العربية في دار "لينوس" للنشر في سويسرا.

    هارتموت فندريش من أبرز المترجمين الألمان الذين ترجموا الرواية والقصة القصيرة العربية إلى اللغة الألمانية. قام فندريش بترجمة أكثر من ثلاثين عملاً أدبياً لأشهر الكتاب العرب نذكر منهم غسان كنفاني، يوسف إدريس، إميل حبيبي، إملي نصر الله، إبراهيم الكوني، إدوار الخراط وغيرهم. وهو مسؤول عن السلسلة العربية في دار "لينوس" للنشر في سويسرا وكما أنه من المقررين عن سلسلة "ذاكرة المتوسط" التي تصدر بعدة لغات أوربية. وبالإضافة إلى الترجمة يقوم فندريش بتدريس اللغة العربية في جامعات سويسرا.

أستاذ هارتموت بدأت الترجمة من العربية إلى الألمانية بالكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، في منتصف الثمانينات حيث ترجمت له عدة أعمال (مختارات قصصية، رجال في الشمس، عائد إلى حيفا)، ما الذي دفعك إلى غسان كنفاني؟ لماذا كنفاني بالذات كباكورة لترجماتك؟

هارتموت فندريش, الصورة: ماركس كيرشغسنر
هارتموت فندريش, الصورة: ماركس كيرشغسنر

​​هارتموت فندريش: في بداية الثمانينات كانت هناك حركة في أوروبا حول القضية الفلسطينية، حركة محدودة، لكن لأول مرة بدأ بعض المستعربين الألمان بالاهتمام بالأدب العربي المعاصر وخصوصاً الأدب الفلسطيني. من هنا جاء اهتمامي بالأدب الفلسطيني وبغسان كنفاني كأبرز ممثل ومجسد لهذا الأدب.

هذا يدفعنا إلى السؤال التقليدي الذي يمكن أن يطرح على أي مترجم، وأنت من المترجمين البارزين وتكاد تكون الأبرز والأغزر في مجال الرواية والقصة، كيف تختار الروايات التي تترجمها؟ بمعنى ما هو العامل الحاسم في عملية الاختيار: هل هو ملاءمة النص لذوق القارئ الألماني أم نجاح النص في العالم العربي؟

فندريش: أقوم بالاختيار على عدة مستويات. أنا أزور كثيراً الدول العربية وأتحدث مع المتخصصين في الأدب العربي المعاصر وأسألهم عن الإصدارات الجديدة، والأعمال الحديثة الهامة. وعندما أسمع ببعض العناوين الجديدة أذهب إلى أقرب مكتبة وأشتري الكتب وأبدأ بقراءتها. بعد ذلك أفكر فيما إذا كان هذا العمل أو ذاك مناسباً للترجمة ويمكن أن يفهم بين الجمهور الألماني أم لا؟

هل تختار بنفسك؟ ألا توجد لجان متخصصة للقراءة وإبداء الرأي في الأعمال الأدبية؟

فندريش: لا، لا. في السلسلة التي أنا مسؤول عنها أختار كل العناوين بنفسي.

إذن أن تقرر بعد القراءة على أساس ملاءمة النص للذوق الألماني، هذا هو العامل الأساسي؟

فندريش: ليس الأساسي. بالنسبة إلي العامل الأساسي في الاختيار أيضاً هو الحوارات التي تجري في العالم العربي. يعني أي عمل أدبي عربي يعتبر مهماً في إطار الثقافة العربية، هذا مهم جداً لاختياري، ثم تأتي النقطة الأخرى، أي هذا العمل المهم في بلده يلقى أهمية في ألمانيا أيضاً. أفضل دائماً النصوص التي تحظى بالاهتمام في العالمين العربي والألماني، أي عالم الأصل وعالم الهدف.

ألا يلعب التسويق أيضاً دوراً في عملية الاختيار؟ لأنّ الكتاب في النهاية سلعة، أم أنك لا تبالي بهذا الأمر؟

فندريش: بلى، هذه الناحية مهمة جداً لدار النشر. كلما اخترت كتاباً للترجمة علي أن أعرضه على دار النشر قبل الشروع في ترجمته. وكثيراً ما وجدت نفسي في مأزق، إذ أحب أن أترجم عملاً ما، والمسؤولون في الدار يكون لهم رأي آخر في الكتاب من حيث أنه غير مناسب للسوق الألمانية فأضطر إلى ترك الكتاب أو البحث عن ناشر آخر.

أنت مشرف على السلسلة العربية في "دار لينوس" كما أنك من المقررين في سلسلة ذاكرة المتوسط، والتي تنشر في حوالي سبع لغات، وهناك همس في العالم العربي حول الأسماء التي تختارونها، والنظرة إلى الغرب مليئة بالشك أيضاً، كيف ترد على هذه الانتقادات أو هذه الشكوك؟

فندريش: بالنسبة لـ"ذاكرة المتوسط" لم يكن اختيار الكتب دائماً اختياراً أدبياً، وهذا يجب أن يكون معروفاً للجميع، لأنه الأساس في عملية الاختيار. كل النصوص التي ترجمت من هذه السلسلة اختيرت بسبب كونها نصوصاً ذاتية.

مذكرات؟

فندريش: نعم مذكرات. في هذا المشروع أردنا دائماً أن نقدم للقارئ الأوربي وصف الحياة اليومية في العالم العربي، وهذا الأمر بالنسبة إلي كمستشرق هام جداً، إذ تسود أفكار غريبة بين الجمهور الألماني حول الحياة اليومية في البلدان العربية. لقد اخترنا في هذه المجموعة نصوصاً عن الطفولة، طفولة الكتاب في مختلف البلاد العربية، وهذا هو العامل الحاسم وليس القيمة الأدبية للنص.

هناك انتقادات على هذه السلسلة وأيضاً على سلسلة لينوس بأنّ كبار الكتاب العرب لم يترجم لهم، أسوق لك بعض الأمثلة: عبد السلام العجيلي، غائب طعمة فرمان، حنا مينة، هاني الراهب، بهاء طاهر، اسماعيل فهد اسماعيل، فؤاد التكرلي، إبراهيم أصلان، حيدر حيدر … إلخ إلخ.. وترجمتم لكتاب أقل شأناً، رفعت الترجمة من قيمتهم وأضحوا مشهورين؟

فندريش: هذا سؤال صعب. أعرف أنّ عدد الكتاب العرب كبير جداً وأنا كمترجم تقريباً لوحدي. عدد المترجمين من العربية إلى الألمانية قليل جداً. وعندما يقدم لي أحد المترجمين رواية لإسماعيل فهد إسماعيل أو لحيدر حيدر فسأكون له من الشاكرين. توجد في مكتبتي رواية لحيدر حيدر سأقوم بترجمتها قريباً.

بسبب الضجة التي أثيرت حوله مؤخراً؟

فندريش: لا، لا، لأنّ حيدر حيدر واحد من الكتاب العرب الذين يعنوني. أعرف تماماً أنّ عدد الكتاب كبير ولا يمكن ترجمة كل شيء، لكني أتساءل من جهة أخرى: هل الأعمال التي ترجمتها حتى الآن هي بدون قيمة؟!

لا، ليست بدون قيمة، لكن التساؤلات التي تطرح بقوة، لماذا يتم تجاهل كتاب يعتبرون أسساً في الثقافة العربية؟ أنت ترجمت مثلاً روايتين لسلوى بكر، بالطبع لا أريد أن أحط من قيمة سلوى بكر، لكن هناك قامات أكبر في الأدب العربي لم يتم حتى الالتفات إليها.
فندريش: عندما تترجم لأي كاتب أو كاتبة فإنك تقرأ كثيراً له أو لها، وفي هذه الحالة أفضل أن أترجم أكثر من رواية لكاتب واحد لأني قد قرأت أعماله أو أعمالها وتعودت على أسلوبه أو أسلوبها.

ولكن أنت مشرف على سلسلة وتتدخل في اختيارات المترجمين الآخرين، ثم أنا لا أطالبك أن تترجم كل شيء بنفسك.

فندريش: أنا أدعو دائماً المستعربين في ألمانيا أن يرسلوا إلي نصوصاً مترجمة. نحن ترجمنا رواية حنا مينة "بقايا صور"، وكما قلت لك قبل قليل، إذا وجدت مترجماً يترجم عبد السلام العجيلي أو إسماعيل فهد إسماعيل، فأهلاً وسهلاً.

لنعد إلى الترجمة، بعد أن ترجمت أكثر من ثلاثين عملاً عربياً، كيف تنظر إلى دور الترجمة؟ هل تعتبر نفسك كمترجم جسراً بين الثقافتين مثلاً؟

فندريش: الأدب في رأيي تعبير عن رؤى وتخيلات لأجزاء العالم وما يعنيني هو العالم العربي، من هنا أرى الترجمة مهمة. لأنه من خلال الأدب العربي الذي أقوم بترجمته أقدم هذه الرؤى والأفكار الموجودة في هذه البقعة من العالم إلى لغتي وهذا هو كل شيء. بهذا المعنى أعتبر نفسي جسراً بين العالمين والثقافتين العربية والألمانية.

كيف قررت أن تتوجه إلى الترجمة؟

فندريش: كنت مستشرقاً عادياً، جامعياً، وفي وقت من الأوقات تساءلت: هل كل ما أعمله في الجامعة مفيد حقاً لفهم العالم العربي في أوروبا وخصوصاً في ألمانيا وسويسرا؟ عندها أدركت أنّ الترجمة مفيدة أكثر لإيصال الفكر العربي أو الرؤى والتخيلات العربية إلى أوروبا. وذاكرة المتوسط هي مواصلة لهذا النهج أو هذا الاهتمام.

بمناسبة هذا الكلام، كيف تنظر إلى موقع الأدب العربي من خارطة الآداب العالمية؟

فندريش: أنا في الواقع لا أتكلم عن الأدب العربي بشكل عام وإنما أتحدث عن كل كاتب على حدة كما هو الحال في الأدب الألماني إذ نجد كتاباً غير مهمين، الشيء نفسه ينطبق على الأدب العربي. بعض الكتاب العرب أجدهم مهمين جداً ويعبرون بصدق عما يجري في بلادهم.

توجد الآن حركة ترجمة ملحوظة في ألمانيا عن العربية إلى الألمانية، هل حصل تطور في نظرة القارئ الألماني للأدب العربي، هل زاد اهتمامه بهذا الأدب؟

فندريش: القارئ الألماني غير موجود. توجد فقط بعض المجموعات من القراء المهتمين بآداب العالم الثالث ومنها الأدب العربي. بين هؤلاء أعتقد أنّ الاهتمام بالثقافة العربية قد تزايد وهذا طبيعي، فالأعمال موجودة الآن، إذ كيف تستطيع أن تهتم بالأدب العربي والأعمال العربية غير موجودة في لغتك؟!

ولكن الترجمة من العربية إلى الألمانية أقل بكثير مما هي في اللغات الأوربية الأخرى، كالإنكليزية والفرنسية والإسبانية، علماً أنّ الاستشراق الألماني يحظى باحترام شديد في العالم العربي.

فندريش: طبعاً هذا واضح جداً وأمر مفروغ منه. فالمستعربون الألمان قليلون جداً بالمقارنة مع المستعربين في اللغات التي ذكرتها. كما يوجد تواصل ثقافي وتاريخي مع أبناء تلك اللغات والعرب عبر البحر الأبيض المتوسط، هذا واضح.

ألم يلعب الاستعمار (الكولونيالية) دوراً في ذلك أيضاً؟

فندريش: هذا أقدم من الكولونيالية.

بعد هذه الخبرة في الترجمة كيف تنظر إلى بداياتك، هل ما زلت تسير في الخط نفسه، أم حصل تطور في نظرتك إلى أسلوب الترجمة؟

فندريش: آمل أن يكون أسلوبي في الترجمة قد تحسن. لدي الآن تجربة طويلة في الترجمة تؤهلني للتمييز بين الأساليب المختلفة للكتاب. أعرف عدداً جيداً من الكتاب العرب وأساليبهم، كما أرى في النصوص الأدبية المختلفة خصائصها بصورة أسهل من السابق.

وهل تنقل هذه الخصائص إلى القارئ الألماني عبر الترجمة، أعني روح النص العربي؟

فندريش: إلى حد ما. هذه مشكلة الترجمة عموماً. أي كلمة في أي لغة، أو بين لغتين تحمل معنى مختلفاً من لغة إلى أخرى، حتى بين اللغات الأوربية. لنأخذ مثلاً كلمة Haus الألمانية فكرتها مختلفة عن كلمة Maison الفرنسية، والفرق أكبر في العربية، لأنّ كلمة "بيت" أو "دار" لا تعني فقط الـ"Haus" بل لها معانٍ أخرى مختلفة. إنها مشكلة الترجمة عموماً، هل هي ممكنة أم غير ممكنة؟

اختلاف تركيب الجملة العربية الـSyntax عن الألمانية هل يؤثر في نقل هذه الروح؟ أم أنك لا تهتم بهذا الأمر وتركز فقط على إنتاج نص ألماني؟

فندريش: الاثنين معاً. بالطبع تركيب الجمل الـ Syntax موجود في اللغة الألمانية على قواعد دقيقة جداً لا أستطيع أن أحيد عنها، وفي الوقت نفسه أحاول أن أماثله بالتركيب العربي إلى أقصى حد ممكن. وفي النهاية القارئ الألماني ينتظر أن يقرأ كتاباً باللغة الألمانية.

ألم تفكر في ترجمة الشعر العربي؟

فندريش: لا لا أبداً.

صدرت في السنة الماضية أنطولوجيتان للشعر العربي باللغة الألمانية، ما رأيك فيهما؟

فندريش: لم أقرأهما إلى الحد الذي يمكنني أن أبدي رأيي فيهما.

أنت وإبراهيم الكوني تشكلان ثنائياً جميلاً، وترجمت له حتى الآن أربع روايات هي من أهم ما كتب، ولقيت هذه الأعمال صدى هاماً في ألمانيا وآخرها العمل الملحمي الضخم "المجوس"، ما الذي شدك إلى إبراهيم الكوني وعالمه؟

فندريش والكوني في ليبيا، الصورة: ماركس كيرشغسنر
فندريش والكوني في ليبيا، الصورة: ماركس كيرشغسنر

​​فندريش: سمعت باسم إبراهيم الكوني للمرة الأولى في باريس في عام 1994، أذكر أني التقيت مجموعة من المثقفين العرب هناك،صحفيين كتاب، وسألوني إذا كنت قد تعرفت إلى الكوني، لأنه مقيم أيضاً في سويسرا؟ لم أكن قد سمعت بهذا الكاتب من قبل. لكن حديثهم عنه أثار فضولي، فذهبت في اليوم التالي إلى مكتبة "ابن سينا" في باريس واشتريت بعض أعماله. في طريق العودة إلى سويسرا بدأت بقراءة مجموعته القصصية "القفص" في القطار. وبعد ذلك قررت أن أترجم له، ثم اتصلت به وهكذا تعاونا معاً إلى أن أضحينا ثنائياً كما تقول.

أجرى الحوار أحمد حسو

© 2001، أحمد حسو