جائحة كورونا تفضح العنصرية الممنهجة ضد العمال الأجانب

عمال وعاملات أفارقة مهاجرون يعيشون بالآلاف في بلدان عربية بمخيمات تحت ظروف غير إنسانية أشبه بحياة السجون. إحدى منظمات حقوق الانسان اتهمت دولا خليجية بـ "ممارسات عنصرية منظمة إلى درجة الكمال". الصحفيان برند دوريس وَ دنيا رمضان تتبعا حال إثيوبيين وإثيوبيات عاملين في لبنان والسعودية.

الكاتبة ، الكاتب: Bernd Dörries & Dunja Ramadan

مئات الرجال يفترشون الأرض العارية مرقدا لهم، كثير منهم عراة الصدور، نظراتهم جامدة، ويُظهِر بعضهم ندبات على ظهورهم؛ هذا ما نراه في صور التُقطت -وفقا لصحيفة ديلي تلغراف- في المملكة العربية السعودية -إحدى أغنى دول العالم- لمهاجرين إثيوبيين شباب جاؤوا إلى الخليج للعمل، وما إن انتهى الانتفاع منهم حتى احتُجزوا في مخيمات متفرقة أشبه بمعسكرات الاعتقال.

يقول أحد الشباب الإثيوبيين: "إنه الجحيم! تتم معاملتنا كما لو أننا حيوانات، ونتعرض للضرب يوميًا". ويذكر هذا الشاب أن بعض المحتجزين قد انتحروا بالفعل، في حين يغمر البراز دورات المياه القليلة، ويندر وجود مياه صالحة للشرب. وقد أفاد القنصل العام الإثيوبي في جدة بالمملكة العربية السعودية بوجود 53 سجنًا هناك، يتم احتجاز مواطنين إثيوبيين فيها، وقد وصل عدد المحتجزين في أحدها إلى 16 ألف محتجز.

طالبت بعض منظمات حقوق الإنسان المملكة العربية السعودية بمراعاة الشروط الإنسانية وبتفكيك هذه المخيمات. أما سفارة المملكة العربية السعودية في لندن فقد وعدت بالتوضيح وعلّقت على الصور بأنها "صادمة وغير مقبولة".

عنصرية "منظمة إلى درجة الكمال"

كثير من المهاجرين الأفارقة يتخذون من اليمن محطة عبور إلى السعودية ودول الخليج.  Foto: Nariman El-Mofty/AP
كثير من المهاجرين الأفارقة يتخذون من اليمن محطة عبور إلى السعودية ودول الخليج: ثمة مهاجرون أفارقة أيضا بدأت معاناتهم بعد طردهم من حيث كانوا يعملون شمال اليمن -بهدف كسب بعض المال- إلى الحدود السعودية، وذلك بناء على أوامر السلطات الحوثية بعد تفاقم أزمة كورونا. وأفادت تقارير بأنهم علقوا في مناطق تبادل إطلاق النار بين القوات السعودية والحوثيين ثم اعتقلوا في مراكز احتجاز سعودية وباتوا يعيشون في ظروف تهدد حياتهم.

 

غير أن ما تكشفه هذه الصور يتوافق مع ما يذكره العمال الوافدون في عدة دول خليجية منذ سنين، حيث يحتجزهم أصحاب العمل كما لو أنهم عبيد، وغالبا ما يتعرضون للإساءة؛ في حين تجعلهم التشريعات المحلية تابعين بصورة شبه كاملة لأرباب عملهم، ولا تمنحهم في كثير من الأحيان حتى الحد الأدنى من حقوق العمال.

ومَن يشتكِ من سوء المعاملة يُطرد من عمله بكل بساطة في أحسن الأحوال، وفي الوقت نفسه ليس بإمكان العمال المهاجرين المغادرة بشكل طوعي، لأن عليهم تسليم جوازات سفرهم إلى أرباب العمل. ويُعدّ استخدام العنف ضد العمال من الأمور المألوفة، وقد ذكرت صحيفة "أديس ستاندَرد" الإثيوبية أن جثث العمال المهاجرين تصل من الدول العربية بانتظام إلى مطار أديس أبابا.

وصارت حتى الحكومة الإثيوبية ترى أن هذه الأحوال داخل المملكة العربية السعودية في غاية القساوة، فحظرت الحكومة الإثيوبية على مواطنيها عام 2016 السفر للعمل في المملكة. واستمر الحظر حتى العام الماضي [2019]، وجاء رفع الحظر ليس بسبب تغير الظروف أساسًا، وإنما بسبب الضرورة الاقتصادية.

ويعمل الملايين من العمال الوافدين من آسيا وشرق أفريقيا في المملكة العربية السعودية، معظمهم في خدمة المنازل أو في قطاع أعمال البناء؛ ورغم ضعف الأجور التي يكسبونها إلا أنهم يرسلون الأموال إلى ذويهم في أوطانهم، حيث الحاجة الماسّة إلى المال هناك.

 

تقرير جديد نفضح تفاصيل مروعة بشأن معاملة المهاجرين من #أثيوبيا المحتجزين في المملكة العربية #السعودية. نحث السلطات السعودية إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً وفي الوقت نفسه وضع حد للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

شاهدوا، اطلعوا، شاركواhttps://t.co/5e8D6NFAS1 pic.twitter.com/ieSGtVnXlk

— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) October 2, 2020

 

ومع ذلك، أصبح الكثير منهم زائد عن الحاجة في السنوات الأخيرة، بعد أن دعا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مواطني بلده إلى العمل على زيادة عدد السعوديين العاملين للحد من البطالة. وتقول الحكومة السعودية إن إثيوبيا لا تريد استعادة عشرات الآلاف من مواطنيها، وهو ما ترفضه حكومة أديس أبابا.

والعنصرية في دول الخليج "منظمة إلى درجة الكمال"، بحسب ما يذكر فاني ساراسفاثي من منظمة حقوق المهاجرين، وهي منظمة تدعو -من بين أمور أخرى- إلى دعم حقوق العمال المهاجرين. ويقارن ساراسفاثي مع البلدان الغنية الأخرى حيث توجد أحياء مختلطة ووسائل نقل عامة ومرافق يستخدمها الجميع، أما في دول الخليج فيسود في نهاية المطاف "فصل تمييزي".

وقد ازداد المناخ الاجتماعي في دول الخليج تدهورًا بعد اندلاع أزمة كورونا؛ ويفيد مهاجرون أفارقة عن إجراءات تمييز عنصري مورِسَت ضدهم من قبل أرباب عملهم، حيث يتم التعامل معهم بخشية بوصفهم حاملين محتملين للفيروس، فيُمنَعون من مغادرة المنزل ومن مقابلة الأصدقاء، أو يتم رميهم خارجًا بصورة تامّة.

 

عمليات ترحيل المهاجرين الإثيوبيين توقفت بسبب تفشي وباء كورنا (الصورة: أرشيف)
عمليات ترحيل المهاجرين الإثيوبيين توقفت بسبب تفشي وباء كورنا (الصورة: أرشيف): توفي ثلاثة أشخاص على الأقل في مراكز احتجاز في السعودية يعتقل فيها آلاف المهاجرين الإثيوبيين في ظروف تتسم بـ"قسوة تفوق التصور" ولا سيما في ظل تفشي وباء كوفيد-19، بحسب ما أوردت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر الجمعة (الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2020). وطالبت الباحثة والمستشارة في شؤون حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة ماري فوريستي، بـ"الإفراج فوراً عن جميع المهاجرين المحتجزين تعسفياً، وتحسين ظروف احتجازهم قبل أن تُزهق المزيد من الأرواح"، كما حثت الرياض بترحيلهم إلى بلدهم بالتعاون مع السلطات الإثيوبية. وقالت: إن "آلاف المهاجرين الإثيوبيين الذين غادروا منازلهم بحثاً عن حياة أفضل، واجهوا، بدلاً من ذلك، قسوة تفوق التصوُّر في كل مكان".

 

رمي عاملات وافدات أمام سفارة بلادهن في لبنان

في العاصمة اللبنانية بيروت، قام أرباب العمل ببساطة بإلقاء موظفيهم الإثيوبيين في الخارج مقابل قنصلية بلادهم، حيث يبدو المشهد كما لو أنه بحر من أفرشة النوم في وسط الشارع في حي الحازمية، تتنثر بينها حقائب وزجاجات مياه، ومئات النساء اللواتي لم يتبقَّ لديهن أي شيء، خيّمن لمدة شهور أمام سفارة بلادهن، راجياتٍ شيئًا واحدًا فقط، ألا وهو العودة إلى الوطن. وقد عملت هذه النسوة خادمات في المنازل، وقُدّرت أعدادهن بنحو 200 ألف خادمة في جميع أنحاء لبنان.

فقبل اندلاع أزمة كورونا، كانت قطاعات كبيرة من الطبقة المتوسطة في لبنان تكافح بالفعل من أجل البقاء، بسبب الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر العملة اللبنانية، ولم يعد العديد منهم الآن قادرًا على دفع أجور خادماتهم وسائقيهم ومرّبياتهم.

وكثيرًا ما يقف آلاف العمال المهاجرين في الشوارع بدون أن يملكوا فلسًا واحدًا من أجورهم، بل وأكثر من ذلك، بلا تذكرة عودة إلى بلادهم، والتي تكلف عدة مئات من الدولارات. "لقد تحول لبنان إلى سجن كبير، بعيد عن الوطن" كما تذكر منظمة "كفاية"، وهي منظمة تناضل ضد العنف بحق المرأة.

 

شابة إثيوبية أمام السفارة الإثيوبية في بيروت - لبنان. Foto: Getty Images/AFP
Schutzlos und ausgeliefert: Die anhaltende Wirtschaftskrise im Libanon trifft Arbeitsmigrantinnen aus Ostafrika besonders hart. Weil ihre Arbeitgeber sich ihre Löhne nicht mehr leisten können, setzen sie sie teilweise mittellos vor die Tür. Ihre Lage ist dramatisch.

 

ونشر العديد من المهاجرين في الأسابيع الأخيرة رسائل استجداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين حكوماتهم بإعادتهم إلى أوطانهم، إلا أنه في الغالب لم يحصلوا على أي مساعدة.

وفي أعقاب الانفجار المدمّر الذي وقع في بيروت [في الرابع من آب/أغسطس 2020]، تحدث رئيس وزراء إثيوبيا الحائز على جائزة نوبل للسلام، آبي أحمد، وأعرب في البداية عن أسفه، ليكتب بعد ذلك: "أشجع الإثيوبيين المقيمين في بيروت على الاتصال بالقنصلية، حتى يتمكنوا من مساعدة بعضهم بعضًا في مثل هذه المحنة"؛ وقد بدا حديثه بالنسبة للعديد من الإثيوبيين الذين تقطعت بهم السبل وكأنه محض استهزاء.

تمكنت على أي حال 94 امرأة إثيوبية يعشن ظروف صعبة في بيروت من العودة إلى ديارهن قبل أيام [في آخر أسبوع من أيلول / سبتمبر 2020]، وتكفلت منظمات إغاثية وأفراد بدفع تكاليف عودتهن، وشكرت منظمة غير ربحية المتبرعين بالقول: "لقد وضع سخاؤكم حدًا لكوابيس هؤلاء النسوة".

 

 

برند دوريس / دنيا رمضان

ترجمة: حسام الحسون

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:41360]