طالبان لن تستطيع أن تهزم النساء

مجموعة نساء رافعات الأيدي ولافتة في مظاهرة في كابول - أفغانستان.
مجموعة نساء رافعات الأيدي ولافتة في مظاهرة في كابول - أفغانستان.

سياسة طالبان في مجال تعليم الإناث لا تمثل أفغانستان الحقيقية ولا الإسلام الحقيقي. وتوجد حاجة ماسة إلى أن يتحد المجتمع الدولي خصوصا العالم الإسلامي لدعم الأفغانيات. تحليل غوردون براون وياسمين شريف.

الكاتبة ، الكاتب: Gordon Brown & Yasmine Sherif

في الأسابيع التي انقضت منذ كانون الأول/ديسمبر 2022، وهو تاريخ إصدار طالبان لمرسوم يقضي بمنع الفتيات من الالتحاق بالجامعة، أظهر الأفغان أنهم لن يبقوا مكتوفي الأيدي أمام هذا القرار المُشين. إذ أطلقت الطالبات اللواتي يتحلين بالشجاعة حملة مقاومة- قد تُعرضهن للضرب أو للاعتقال أو لما هو أسوأ- وأظهر زملاؤهن من الرجال (والعديد من الأساتذة) تضامنهم من خلال الانسحاب من امتحاناتهم.

ورغم أن طالبان تحاول قمع حقوق الفتيات والنساء، فمن غير المرجح أن تحقق "نصرًا" نهائيًا. فقد كانت الفتيات والنساء الأفغانيات يتمتعن بالحق في التعليم في السنوات التي سبقت عودة طالبان إلى السلطة في عام 2021، والآن لن يؤدي التخويف ولا عقوبة السجن إلى إسكاتهن. لقد جربن ما يعنيه أن تكون حراً، ولن يقبلن البديل.

النظام خالف اتفاقيات دولية كان وافق عليها بشأن حقوق الطفل والمرأة؟

لقد تم تحذير طالبان بالفعل من أنهم إذا استبعدوا النساء من العمل الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية التي تقدم الغذاء والرعاية الصحية، فلن يكون أمام هذه المنظمات خيار آخر سوى مغادرة البلاد- وهي رسالة عززتها هذا الأسبوع نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد. ولكن هناك طريقة أخرى لإحداث التغيير، وهي تهديد نظام طالبان باستخدام القوة الكاملة للقانون الدولي. وتستدعي معاملة طالبان القاسية واللاإنسانية للنساء والفتيات إجراء تحقيق من قبل محكمة دولية. إذ من الواضح أن النظام يخالف الاتفاقيات الدولية التي وافق عليها بشأن حقوق الطفل والمرأة. ولا يوجد بلد آخر في العالم يمنع النساء والفتيات من تلقي التعليم، أو ينتهج هذه الأساليب القاسية من الاضطهاد الجنساني الذي تقوده الدولة.

 

مقاتل مسلح من طالبان وامرأة أفغانية في أحد شوارع كابول. Armed Taliban fighter and Afghan woman on the street in Kabul (image: Ebrahim Noroozi/AP/picture-alliance)
تنعكس الانقسامات داخل نظام طالبان في وجود تفاوت في تنفيذ السياسة: في بعض أجزاء البلاد، لاتزال الدروس تُلقى في مدارس سرية أو في المدارس المنزلية، وتكاد هذه المدارس لا تلقى مقاومة من السلطات؛ وفي مناطق أخرى، لا يزال يُسمح للفتيات بالالتحاق بالمدارس العادية، في تحدٍّ صريح لتعليمات طالبان. ويمكن للمرء أيضًا أن يستنتج انقسامات داخلية ناجمة الحظر المفروض على النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية، وهي سياسة يدعي وزير الصحة العامة في أفغانستان أنها لا تسري على قطاع الصحة.

 

لقد تحدثت إلى العديد من الطلاب الأفغان بصفتي مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة للتعليم العالمي، ولا يمكن للكلمات أن تعبر عن الإحباط الذي يشعرون به. ويعلم الأطفال الأشد فقراً وهشاشة في العالم أنهم يتحملون الآن العبء الأكبر في الكفاح العالمي ضد أحد أكثر أوجه الظلم إجحافا على الإطلاق- حرمان الفتيات والنساء من حقوقهن. فقد مُنعت الفتيات الأفغانيات من دخول المدارس، ومُنِعن من دخول الأماكن العامة، ومُنِعن من السفر دون مرافقة من الذكور، وأُجبرن على ارتداء البرقع الذي يغطيهن من الرأس إلى أخمص القدمين.

وكان قرار المنع من دخول الجامعة وشيكا منذ فترة. فبعد استيلاء طالبان على السلطة في عام 2021، قررت الجامعات فصولا دراسية ومداخل تفصل بين الجنسين، وأعلنت أنه لا يمكن تعليم الطالبات إلا من قبل أساتذة من النساء أو من الرجال كبار السن. وبعد ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصدرت طالبان قيودًا شاملة على المواد الدراسية التي سُمح للنساء بدراستها. وتم حظرهن من دراسة العلوم البيطرية، والهندسة، والاقتصاد، والصحافة، والزراعة.

ولكن السلطات كانت ترسل إشارات متضاربة، مما يشير إلى أن النظام ليس موحدًا وراء القيود الجديدة. فعلى سبيل المثال، في حين سُمح لآلاف الفتيات والنساء باجتياز امتحانات القبول بالجامعة قبل ثلاثة أشهر، سرعان ما أعقب هذا القرار قرار يقضي بمنعهن من الالتحاق بالجامعة. ومن المحتمل أن يدل هذا على توتر بين القيادة الدينية، ووزارة التعليم التي تفضل رؤية الفتيات في الفصل الدراسي بدلاً من مكوثهن في منازلهن.

كما تنعكس الانقسامات داخل النظام في وجود تفاوت في تنفيذ السياسة. ففي بعض أجزاء البلاد، لاتزال الدروس تُلقى في مدارس سرية أو في المدارس المنزلية،  وتكاد هذه المدارس لا تلقى مقاومة من السلطات؛ وفي مناطق أخرى، لا يزال يُسمح للفتيات بالالتحاق بالمدارس العادية، في تحدٍّ صريح لتعليمات طالبان. ويمكن للمرء أيضًا أن تُستَنْتَج انقسامات داخلية ناجمة عن الحظر المفروض على النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية، وهي سياسة يدعي وزير الصحة العامة أنها لا تسري على قطاع الصحة.

خوف طالبان من تمكين المرأة؟

وتشير كل هذه الأمثلة إلى أن السلطات لا تُشرِّع من موقع القوة بل إنها تتصرف بدافع الخوف من تمكين المرأة. وعلى أي حال، لا يوجد مبرر آخر موثوق لمثل هذه السياسات. إذ يشجع الإسلام التعليم، ويوفر جميع جيران أفغانستان التعليم للفتيات. فهم يدركون أن تعليم الفتيات لا يتماشى فقط مع التعاليم الإسلامية بل إنه ضروري أيضًا للازدهار الاقتصادي.

 

فتاة أفغانية تكتب على السبورة المدرسية في أفغانستان. Mädchen an der Schultafel in Afghanistan; Foto: Zohra Bensemra/Reuters
تعليم البنات أمر مثير للجدل: المسؤولون في حركة طالبان غير متَّفقين فيما بينهم حول تعليم البنات بعد الصف السادس (الابتدائي)، مثلما يقول مراقبون أفغان للوضع الأفغاني، ويرون أنه يوجد من بين طالبان مَنْ يستحسنون تعليم البنات بعد الصف السادس وكذلك مَنْ يعارضونه. ومن حيث المبدأ الفقهاء المتعلمون في المجتمع الأفغاني يؤيِّدون تعليم البنات، ولكن طالبان غير متَّفقين على ذلك فيما بينهم. ومع ذلك فإنَّ تعليم البنات ليس الموضوع الوحيد، الذي لا يتَّبع فيه طالبان خطَّاً مُوَحَّداً. وإذا استمر ذلك بهذا الشكل فلا بدّ من أنَّ الوضع سينفجر في وقت ما.

 

وفضلا عن ذلك، سبق أن حققت أفغانستان نفسها مكاسب من تعليم الفتيات. إذ يظهر ماضي البلد أنه إذا استمرت طالبان في سياسة القمع، فلن يكون لدى الأفغان سوى نصف ما يحتاجونه من الأطباء، والممرضات، والمعلمين. وإذا بُدد نصف رأس المال البشري في أفغانستان، فإن الاقتصاد، الذي يحتاج بشدة إلى إعادة البناء، سيظل من بين الأسوأ أداءً في العالم.

وخلال زياراتي العديدة التي أجريتها قبل عام 2021 إلى المدارس الأفغانية حيث كانت الفتيات يتلقين تعليمهن، رأيت بنفسي أن هناك حماسة واسعة النطاق لتعميم التعليم، سواء في المناطق الريفية أو في المدن. إن الحظر الذي تفرضه طالبان يتعارض مع التطلعات الإنسانية الأساسية. فالناس أينما كانوا يريدون أن يحصلوا على قدر أكبر من الحرية، وليس العكس.

إن سياسة طالبان في مجال تعليم الفتيات والنساء لا تمثل أفغانستان الحقيقية ولا الإسلام الحقيقي. وهناك حاجة ماسة إلى أن يتحد المجتمع الدولي، وخاصة العالم الإسلامي، لدعم الشابات الأفغانيات في دفاعهن عن حقوقهن.

 

 

غوردون براون / ياسمين شريف

ترجمة: نعيمة أبروش

حقوق النشر: بروجيكت سنديكست 2023

 

 

ar.Qantara.de