التزام طالبان بحماية تراث أفغانستان الثقافي؟

عام 2021 تعهدت طالبان بحماية التراث الثقافي، فهل تلتزم؟ مع انسحاب القوات الدولية من أفغانستان وصعود طالبان: شعرت فنانات بالخوف وسلك باحثون عن سجاد عتيق طرقاً تتجنب المعارك وتذكر أفغان تمثالين فجرتهما طالبان عام 2001 وخَلَف لاجئون السلاطين على أنقاض قصور شاهدة على تاريخ فن إسلامي عريق.

المرأة الفنانة في أفغانستان تجهل إذا كانت ستبقى "على قيد الحياة غداً": تشكل البورتريهات الذاتية التي تنجزها راده أكبر بأسلوبها المستوحى من الفنانة المكسيكية الشهيرة فريدا كالو، وسيلة للتعبير عن الاستقلالية في مجتمعها الأفغاني المحافظ... لكن كفاح هذه المصورة والفنانة لإعلاء شأن النساء في بلادها دونه مخاطر جمة.

فقد استهدفت الاغتيالات منذ أيلول/سبتمبر 2020 والإعلان عن انسحاب القوات الأميركية أكثر من 180 شخصاً، بحسب وزارة الداخلية، بينهم قضاة وجامعيون وصحافيون ونشطاء وشباب مثقفون وخصوصاً نساء، أي باختصار أناس يشبهونها.

حتى ملابس راده أكبر البالغة 33 عاما تعكس طموحها إلى أن تكون جزءاً من سلالة بطولية بين شخصياتها ملكات مؤسِسات وشاعرات ونساء قويات، تصحيحاً للنظرة الغربية التي لا تزال تضع النساء الأفغانيات في مرتبة الضحايا.

وتشدد الفنانة على أن "تاريخ المرأة الأفغانية لم يبدأ في العام 2001"، مع التدخل الأميركي. وتضيف "لدينا ماض طويل وغني ساهمت فيه النساء دائماً، بصفتهن ملكات أو مقاتلات".

وتذكر تحديداً في هذا الإطار الملكة جوهر شاد التي حكمت في القرن الخامس عشر ونقلت عاصمة الإمبراطورية التيمورية من سمرقند إلى هرات في غرب أفغانستان.

تحرص راده أكبر منذ ثلاثة أعوام على أن توجّه كل سنة تحية إلى هاتيك النساء في اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار/مارس، من خلال معرض تجهيزي تقيمه في أحد القصور الملكية السابقة في كابول.

في العام 2020، ألبست راده أكبر ثماني دمى عرض فساتين تذكّر بشخصيات نسائية بارزة، بينهن مثلاً مخرجة سينمائية ولاعبة كرة قدم، وفي إحدى زوايا القاعة عباءة متسخة من الشاش تحت وابل من الحجارة تخليداً لذكرى رخشانه التي رجمتها حركة طالبان بالحجارة بسبب هروبها من زواج قسري.

لكن الفنانة ارتأت تنظيم المعرض هذه السنة 2021 عبر الإنترنت، على موقع متحفها الافتراضي الذي يحمل اسم "ابارزانان" بالفارسية (أي "سوبر ويمن" بالإنكليزية أو "نساء خارقات")، بسبب التهديدات الصريحة التي تلقتها.

وأمام مجموعة من الكراسي الفارغة المغطاة باللون الأبيض، تمثل الغائبين، تعدد راده أكبر أسماء الضحايا.

وتلاحظ أن حركة طالبان تنفذ عملية تطهير عشية الانسحاب الكامل للقوات الأميركية والغربية من أفغانستان. وتقول "هدف (طالبان) ليس قتلنا فحسب، إذ لا يوجد الكثير منا، بل إسكات الجميع"، معتبرة أن فحوى الرسالة هو "استمر وستُقتَل".

وكمعظم أصدقائها، قللت راده من تحركاتها وأوقفت كل أنشطتها الروتينية الثابتة المواعيد، وتقول "علينا أن نبقى على قيد الحياة وإلا فما الفائدة".

تعيش الفنانة بمفردها منذ عشر سنوات في شقتها، وهذا ليس شائعاً جداً في بلدها، وتحظى بدعم عائلتها. فوالدها الذي توفي كان كاتب مقالات صحافية، أما والدتها فمعلمة، وكانا دائماً يدعمان بناتهما الخمس بينهنّ شقيقة راده، شهرزاد التي تترأس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.

وتقول راده "كان هذا أمراً شائعاً في جيل والديّ. لم يكن المجتمع محافظاً إلى هذا الحدّ".

ومع ذلك، يتحدر والداها من إحدى قرى جوزجان في شمال البلاد، وهي ولاية أمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم.

وتذكّر بأن "النساء كنّ يتمتعن بقدر أكبر من الحرية في الماضي، لكن كل ذلك تغير مع وصول المجاهدين"، وهم أمراء الحرب الذين حاربوا السوفييت أولاً باسم الإسلام في ثمانينيات القرن العشرين قبل أن يتقاتلوا بدافع من مصالحهم ومصالح الدول التي ترعاهم، ومنها الولايات المتحدة.

وتلاحظ أن "صورة النساء الأفغانيات الآن هي صورة نساء يضعن البرقع ويتعرضن للعنف باستمرار".

 

 

وترى في المقابل أن الصورة بعد 20 عاماً من الوجود الأميركي تتمثل في أن "يتحدث الشخص بالإنكليزية وأن يلبس على النمط الغربي لكي يُنظر إليه على أنه +عصري+". وتضيف "ثمة هجوم على ثقافتنا. إنه شكل آخر من أشكال الاستعمار".

لكن ما يثير غضبها قبل كل شيء هو الأجانب والدبلوماسيون والصحافيون الذين يسألونها هل تشعر بأنها "تعبّر حقاً عن المرأة الأفغانية".

وتعلّق على ذلك قائلة "إنه بمثابة عدم احترام وإهانة، كما لو أن قيمي وطريقة حياتي ليست ملائمة، وكما لو أنني لا أنتمي إلى هذا البلد".

وتقول "إنها طريقة للتعاطي معي على أساس أني عقبة في طريق عملية السلام".

منذ الاتفاق الموقع في شباط/فبراير 2020 بين طالبان والولايات المتحدة والذي يضمن الانسحاب "غير المشروط" للقوات الأميركية في عام 2021 تشعر الفنانة وأصدقاؤها وخصوصاً النساء منهم بأنهم تعرضوا للخيانة.

وتشكو قائلة "لا توجد أي ضمانة للحفاظ على الحقوق التي حصلنا عليها. هذا الاتفاق خيانة تضفي المشروعية على طالبان".

وتعترف راده بأنها "فقدت الأمل". وتقول "لقد ولدتُ ونشأتُ في الحرب. منذ أن كنت طفلة، ناضلت دائماً من أجل حقوقي، كما علمنا والدي".

لكنها ترى أن "الاستمرار في الأمل بات صعباً اليوم، فكل يوم قد يكون الأخير. وليس هذا شعوري وحدي فحسب، بل لدينا جميعاً الشعور عينه. ماذا سيحدث غداً، هل سأبقى على قيد الحياة؟"

وتضيف "لقد أثّر ذلك على تركيزي وقدرتي الإبداعية، فمثل جميع الأفغان، أخاف من المستقبل".

لاجئون يخلفون السلاطين على أنقاض القصور في جنوب أفغانستان

صمدت بقايا أثرية لمدينة ملكية قرونا عدة عند ضفاف نهر هلمند في جنوب أفغانستان، غير أن علماء الآثار يبدون قلقا حيال مستقبل هذا المجمع الاستثنائي الذي يشغله مئات النازحين الهاربين من المعارك في المناطق المجاورة.

فوق مجرى مائي شبه جاف في ضواحي لشكر كاه عاصمة ولاية هلمند، يظهر مجمّع ضخم لقصور من الصلصال الأمغر عائد إلى القرن الحادي عشر يسمى قلعة كهنه.

ويشكل المجمع الذي يسميه علماء الآثار لشكري بازار، النموذج الوحيد المعروف للمقار الشتوية لسلاطين السلالة الغزنوية وبعدهم الغوريون. وقد حكمت هاتان السلالتان بين القرنين العاشر والثالث عشر على منطقة كانت تضم أفغانستان الحالية، وهما نشرتا الفن الإسلامي وصولا إلى شمال الهند.

وتمتد منشآت متفرقة أخرى على حوالى عشرة كيلومترات جنوبا وصولا إلى قلعة بست المعروفة بقوسها الحجري الضخم. وأثار المجمع اهتماما كبيرا بفضل ضخامته وهندسته اللافتة ولوحاته الجدارية.

ويقول مدير البعثة الأثرية الفرنسية في أفغانستان (دافا) فيليب ماركي لوكالة فرانس برس "لا يوجد مثل هذا الموقع في أي مكان آخر في العالم الإسلامي، مجمّع بهذا القدر من التجانس والدقة في العمل، ورغم كل شيء لا يزال المكان محفوظا بصورة جيدة نسبيا".

ويضيف "نعرف القليل عن المكان في نهاية المطاف"، ومن "المهم الحفاظ عليه لأننا متأكدون أن ذلك سيعلّمنا الكثير عن تلك الحقبة".

لكنّ هذه المعالم المصنوعة من حجر الطوب والتربة المدكوكة، مهددة جراء المساكن المعاصرة في المدينة الآخذة في التوسع والتي تضم في داخلها عائلات هاربة من النزاع في المناطق الريفية التي يسيطر عليها متمردو حركة طالبان.

وقد اختارت هذه العائلات النزول بين الأقواس المزخرفة والأبراج المنهارة جزئيا بعدما كانت تزخر في الماضي بنقوش ورسوم شتى. وقد أضاف القاطنون الجدد على المكان نوافذ وأبوابا وأسلاكا شائكة وغطوا الجدران بمزيج من الطين والقش لتفادي انهيارها.

يتألف "منزل" آغا محمد من قاعتين صغيرتين بجدران مرتفعة جدا أضاف على إحداهما سقفا من الخيزران.

ويقول هذا الشرطي البالغ 33 عاما "عندما سقطت مقاطعة ناد علي (قرب لشكر كاه)، أتيت إلى هنا".

ويضيف "أريد من الحكومة أن توفر لي مكانا أعيش فيه. أنظروا إلى التفسخات في السقف. أخشى أن يهوي فوق رؤوسنا في إحدى الليالي".

يعيش في الموقع بضع مئات من الأشخاص، أكثرهم من عائلات الشرطيين الذين لا يملكون المال الكافي لاستئجار مساكن فعلية.

ولا يتلقى هؤلاء أي مساعدة كما أنهم محرومون من التيار الكهربائي والمياه الجارية. ويقول بيبي حليمه (48 عاما) الذي فر من المعارك المستعرة في مقاطعة غرشك المجاورة "يجب أن أحصل على دعم من الحكومة لأني فقدت ثلاثة أبناء كانوا يخدمونها".

ويرى خدائي نظر البالغ 54 عاما وهو من هؤلاء النازحين أيضا أن "هذا المكان مناسب للأشباح وليس للبشر"، فيما يقول سيد آغا البالغ 55 عاما إن "كل منزل مليء بالأرامل ... إذا ما قضى أطفالنا، لا أحد سيهتم بنا"، مبديا استعداده للمغادرة في أي لحظة إذا ما عُرض عليه ذلك.

وتنتشر أخبار في لشكر كاه عن وضع مسؤولين اليد على جزء كبير من النقاط الأثرية بهدف تأجيرها للاجئين، لكن الصمت لا يزال سيد الموقف في القضية.

ويقر المسؤول في وزارة الآثار في العاصمة كابول فريد حيدري بأن "الموقع يخضع لسيطرة أناس يؤجرون منازل للفارين من مناطق الخطر".

وكانت البعثة الأثرية الفرنسية في أفغانستان قد استكشفت الموقع في خمسينيات القرن العشرين، لتتوقف بعدها كل عمليات التنقيب الأثري. وهي كشفت حينها عن قصور ومساجد ومبان ملاصقة أخرى مثل مشاغل للخزفيات والأعمال الحرفية ومبرّدات تتيح الحفاظ على الأطعمة طازجة.

ونبشت البعثة أيضا اللوحات الشهيرة لمشاهد من حياة البلاط الملكي، وهي قطع نادرة في حقبة كان التصوير التجسيدي للبشر غير مستحب في التفسيرات الدينية.

هذه الرسومات التي وُضعت في متحف كابول، تعرضت للهدم أو السرقة خلال الحرب الأهلية في تسعينيات القرن العشرين. لكنّ بعض الصور لا تزال موجودة.

ويبدي فيليب ماركي قلقه إزاء عمليات التدمير الناجمة عن أشخاص يحتلون الموقع أو ينهبونه.. كما يخشى تبعات التغير المناخي الذي قد يؤدي إلى فيضان النهر ويقضي تالياً على الموقع.

ويأمل ماركي في تحويل المجمّع إلى "متنزه أثري" مع إشراك النازحين في أعمال الحفظ ليؤمنوا قوتهم ويغادروا المكان. ويقول "المفارقة تكمن في أن الناس يحمون المكان بطريقتهم لكونه منزلهم".

 

 

صيد السجاد القديم في أفغانستان مهنة خطرة زاخرة بالمغامرات

في فصل الشتاء يتحدّى شاري اللهقل العواصف الثلجية على القمم العالية في بحثه المحموم عن آخر السجادات القديمة في أفغانستان، ويتعرض صائد السجّاد أحياناً للضرب من قبل قطاع الطرق، أو يتعلم تفادي عناصر حركة طالبان.

يجوب شاري الأراضي الصخرية والشديدة الانحدار في شمال أفغانستان على ظهر حصانه، ويستعين بالبغال لتحميل ما يشتريه من قبائل الرحّل من سجادات ثمينة مصنوعة يدوياً.

ويروي شاري الذي يضطر إلى تمضية "الليالي في الغابات أو الصحاري" ويعتمد على كلبه القوي لحمايته أثناء نومه أن "الطرق خطرة وتعجّ بالذئاب والأعداء".

على مدى أسابيع أو أشهر، يسلك الباحثون عن السجاد المسارات التي كانت تتبعها القوافل في الماضي، ويجوبون كل قرية للعثور على قطع قديمة نادرة يشترونها بالمال أو يبادلونها بسلع استهلاكية حديثة.

وبعد ذلك، يبيعونها في الأسواق لهواة جمع السجاد. وتتوقف نوعية السجادة على عمرها وحالتها وحجمها، فإذا كانت عالية الجودة، قد يصل سعرها في القرى إلى 100 أو 200 دولار، ويكسبون منها بالقدر نفسه عند بيعها.

لكن هذه الحياة محفوفة بالمخاطر. فشاري الذي عاشها منذ الطفولة، شهد الكثير من المغامرات، كتعرّضه للضرب ذات مرة بأعقاب البنادق من قبل قطّاع الطرق. والمفارقة أن هؤلاء لم يدركوا قيمة السجادات التي يحملها إذ كان كل ما يريدونه سلبه نقوده. حتى أنهم قالوا له "اِرمِ تلك البُسُط القديمة".

لطالما كانت هذه الأخطار ملازمةً للمهنة. ويتذكر شاري أن والده الذي علّمه أصولها بعدما ورثها بدوره عن والده، كان يخبره قصة حصلت قبل زمن بعيد، عن صديق ذهب للبحث عن السجاد فالتهمته الذئاب حياً بعد أن حاصرته بسبب عاصفة ثلجية، ولم يُعثر على أثر له سوى "حذائه وبساطه".

ومع تزايد حدة المخاطر اليوم بفعل انسحاب القوات الدولية من أفغانستان، بات شاري يتنقّل ضمن مجموعات، مفضلاً المرور عبر الجبال على سلوك الطرق لتجنب المعارك وحركة طالبان.

تمتد المنطقة التي نسجت فيها قبائل الرحّل أكثر السجادات دقّة في أفغانستان على مدى قرون، من مدينة قندوز في الشمال إلى الغرب، على طول الحدود مع أوزبكستان وتركمانستان، وصولاً إلى الجنوب القريب من إيران.

ينتقل شاري من قرية إلى أخرى بناء على المعلومات التي تزوّده إياها شبكة المتعاونين معه. وقد يفاصل شاري لساعات على سجادات غالباً ما تكون نسجتها عائلة عروس لتكون بمثابة المهر لزواجها.

السجادات المرغوبة جداً هي تلك التي يبلغ عمرها عشرات الأعوام والمزيّنة بأنماط قبلية، من صوف مغزول يدوياً ملون بأصباغ طبيعية مأخوذة من جذور الزهور أو بتلاتها.

وينبغي غسل السجادة وتجفيفها على الأسطح لأشهر عدة حتى تنعش الشمس ألوانها، أو حتى أن يتم تصليحها بدقة، قبل بيعها في المدن الكبيرة.

ويشبّه شاري تصليح السجاد أو بيعه بـ"تربية الطفل"، إذ "يتطلب عملاً شاقاً".

ويستغرق صنع السجادة ما بين ستة أشهر وسنتين. في نهاية المطاف، يمكن بيعها بآلاف الدولارات في السوق العالمية.

يُعتبَر عبد الوهاب أحد أبرز جامعي السجاد في كابول، وهو اشترى مجموعته قطعة قطعة من صائدي السجاد. ويقول "نحن نعتمد بنسبة 99,9 في المئة على هؤلاء الأشخاص".

لكنّ وجه هذه التجارة تغّير بعد عقود شهدت صراعات وهجرات واتسعت خلالها رقعة المدن وسكانها.

واستقرت قبائل الرحّل إلى حد كبير، وتخلّت العائلات عن الكثير من المهن المرتبطة بصناعة السجاد، على ما يلاحظ تجار من العاصمة.

ويعود ذلك إلى أن منتجات أرخص ثمناً باتت تنافس سجاداتهم، تنتجها بكميات كبيرة ورش صناعية باستخدام الصوف المستورد والأصباغ الاصطناعية.

ويرى عبد الوهاب الذي يملك أيضاً متجراً في كندا أنه "أمر محزن حقاً". ويلاحظ أن "الصوف بلجيكي والأصباغ من بلد آخر (...) لم يعد يوجد شيء أفغاني على الإطلاق".

ويشكو من أن النسخ ذات الجودة المتدنية تنتشر في أفغانستان وكذلك في باكستان والهند، ما يجعل من الصعب بيع سجاد عالي الجودة للزبائن الذين لا يعرفون الفرق.

 

 

لا يتردد بعض التجار في معالجة السجادات المصنّعة بالمواد الكيميائية أو غسلها بالشاي لجعل ألوانها باهتة والإيحاء بأنها قديمة. ويذهب الآخرون إلى حد إمرار سياراتهم عليهم لجعلها تبدو مستعملة مما يساعدهم في رفع أسعارها.

وحده الفحص الدقيق من شخص يتمتع بالخبرة في هذا المجال يمكن أن يكشف عن القيمة الحقيقية للسجادة. ويوضح صاحب شركة "هرات كاربتس" في كابول وحيد عبد الله أن "الأصباغ والأسلوب والحالة والشكل هي العناصر التي تحدد قيمة القطعة".

وإذ يقرّ عبد الله بأن السجادات القديمة ليست دائماً عالية جودة، يشرح أن الأنماط المميزة أو خاصيّة معيّنة أو عيباً تركه الحائك عمداً يمكن أن يفرّق السجادة المنسوجة يدوياً عن تلك المنتجة صناعياً. "إنه فن حقيقي. من الصعب شرحه"، على ما يقول.

لكنّ هذا الفن في طور الاضمحلال لأن القطع القديمة المنسوجة يدوياً أصبحت نادرة الوجود.

ويشعر جامعو السجاد بالقلق من احتمال انقراض جزء من التراث الوطني، لكن السلطات المنشغلة بالحرب لديها أولويات أخرى.

ويأسف صائد السجّاد زلماي أحمدي من هرات (غرب أفغانستان) لكون "السجاد المنتج صناعياً أساء إلى قطاع السجاد الحرفي".

فخلال جولتيه الأخيرتين، لم تتعد غلّته سجادتين، علماً بأنه كان من شأنه العودة من جولة مماثلة، قبل بضع سنوات، بعشرات القطع.

ويقول "الرحلات أضحت صعبة جداً. قد يعترضنا عناصر طالبان أو القوات الحكومية أو لصوص. إما أن يطلبوا منك المال أو أن يقتلوك".

ويضيف أن الباحث عن السجاد في الماضي "كان يستطيع الحصول على أي شيء يريده، أما الآن فلا يمكنه العثور على أي شيء."

أفغان يستذكرون يوم فجرت حركة طالبان تمثالي بوذا في باميان

بقي تمثالا بوذا الضخمان يسهران لقرون على وادي باميان الخلاب فصمدا في وجه غزوات المغول وأهوال الطقس إلى حين وصول حركة طالبان التي لم تتردد في القضاء على هذا الكنز الأثري القديم.

بعد سنوات من الهجمات المدمرة في كل أرجاء البلاد استهدفت حركة طالبان التمثالين. فبعدما قصفتهما بالمدفعية أتت عليهما من خلال التفجير في آذار/مارس 2001.

والتمثالان حفرا في جرف صخري في القرن الخامس وقد فجرهما أبناء من المنطقة جندتهم حركة البان.

ويتذكر غلام ساكي وهو من أبناء باميان بمرارة الدور الذي اضطر إلى الاضطلاع به في هذه الكارثة الثقافية.

ويروي لوكالة فرانس "هذه ذكرى لا تمحى" مضيفا أنه اقتيد من السوق مع عشرات آخرين للمساعدة في تفجير التمثالين الضخمين.

ويؤكد مبررا مشاركته "جل ما فكرت به يومها هو أن أنقذ حياتي".

ويُعتبر تفجير التمثالين واحدا من أسوأ الجرائم التي طالت مواقع أثرية في العالم. وأظهر للعالم مدى تطرف حركة طالبان قبل أشهر على هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر التي تسببت بغزو الولايات المتحدة لأفغانستان لإسقاط حكم طالبان.

وأتى ذكر التمثالين للمرة الأولى في العام 400 بعد الميلاد في كتابات رحالة صيني وهما يؤشران إلى أهمية الوجود البوذي في قلب جبال هندو كوش على طول طريق الحرير الشهيرة.

وكان ارتفاع التمثالين يصل إلى 55 و38 مترا. وقد نُحتا باليد في جرف من حجر الصلصال في باميان وكانا محاطين بشبكة كهوف وأديرة وأماكن دينية أخرى. ولا يزال بالإمكان اليوم رؤية بعض الرسوم الجدارية.

على مدى أجيال كان ساكي وعائلته يفخران بهذا الكنز الأثري الذي كان يستقطب سياحا من العالم بأسره يسلكون "مسار الهيبي" في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

ويؤكد "السياح الأجانب كانوا يأتون بأعداد كبيرة لزيارة التمثالين والكثير من الناس ومن بينهم والدي كانوا يوفرون لهم الطعام وأشياء أخرى في مقابل المال".

ويضيف "كان الوضع جيدا ويستفيد منه الجميع من تجار وسائقين ومالكي أراضي وغيرهم".

لكن وصول طالبان إلى الوادي مع أسلحتهم الثقيلة غير المشهد في باميان.

ويقول حمزة يوسفي الذي شهد على تفجير التمثالين إنهما "كان جميلين ومصدر أمل للسكان".

وتردد صدى الانفجار الضخم في كل أرجاء الوادي حيث انتشر الدخان والغبار.

ويقول بأسى "كان الأمر مخيفا لقد تحطم فؤادي كما الجميع".

في أفغانستان استفادت باميان كثيرا من سقوط نظام حركة طالبان.

 

 

فقد أعاد أبناء المنطقة وهم بغالبيتهم من الشيعة بناء المدارس واستفادوا من المساعدات الإنسانية ورمموا أحد المواقع القليلة التي لا تزال تستقطب السياح الأجانب رغم الحرب التي تستمر بنهش البلاد.

ويُعتبر الوادي النائي أحد أقل مناطق البلاد خطورة في هذه الفترة.

ويقول إسحق موحد مدير هيئة الثقافة في باميان "لو كان التمثلان لا يزالان هنا لكانت ازدهرت السياحة كثيرا".

ورغم ذلك لا يزال موقع التمثالين في الجرف الصخري يستقطب السياح على غرار مناظر باميان الخلابة المناسبة للتنزه.

غير أن الانتعاش الاقتصادي البطيء في الوادي مهدد باحتمال عودة حركة طالبان إلى السلطة إثر توقيع اتفاق مع واشنطن العام الماضي 2020 ينص على انسحاب القوات الأميركية في عام 2021.

فقلة من المواطنين تعتبر أن القوات الأفغانية ستكون قادرة على مواجهة حركة طالبان من دون دعم القوات الجوية والقوات الخاصة الأميركية.

ويقول موحد "في حال عادت حركة طالبان مع الأيديولوجية نفسها التي أدت إلى تدمير تمثالي بوذا فهي ستدمر كل ما تبقى".

وفي بيان عام 2021 التزمت الحركة حماية التراث الثقافي للبلاد.

وجاء في البيان "لا يحق لأحد التنقيب عن الآثار ونقلها وبيعها أينما كان أو إخراجها من البلاد".

لكن في باميان الثقة مفقودة بحركة طالبان.

ويوضح أنار غول (23 عاما) خريج كلية الآثار في جامعة باميان "كانت جريمة ولا ينبغي على أحد الصفح أو النسيان". أ ف ب

 

 

[embed:render:embedded:node:37039]