"على أوروبا التخلي عن عنجهيتها تجاه العرب"

الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط أودو شتاينباخ في فعالية بمقهى شابندر في شارع المتنبي في بغداد - العراق.
الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط أودو شتاينباخ في فعالية بمقهى شابندر في شارع المتنبي في بغداد - العراق.

يدعو خبير الشرق الأوسط أودو شتاينباخ إلى علاقة وثيقة بين ألمانيا ودول الخليج مطالبا بزيادة الاهتمام بتطورات المنطقة العربية بما يتجاوز صورا غربية نمطية تجاهها. بيرغيت سفينسون حاورته ببغداد لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Svensson

سيد شتاينباخ، على الرغم من نهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي أحاطت بها فضائح في قطر، أنت تطالب بتوثيق العلاقات مع دول الخليج. لماذا؟

أودو شتاينباخ: إنهم يمثلون المستقبل في المنطقة العربية. فإذا ما قارنا دول الخليج بمصر أو بلاد الشام فعلينا أن ندرك أن القضايا المستقبلية تجري مناقشتها في منطقة الخليج. وموضوعات العلم والتكنولوجيا هي القضايا التي تحظى هناك بالاهتمام حاليًا، بينما في بقية العالم العربي ما تزال تجري النقاشات القديمة على نحو ميؤوس منه.

على الرغم من أنه لا تزال هناك في الخليج هياكل رئاسية -بمعنى تجمع السلطات في يد فرد واحد- إلا أنهم يسعون إلى التواصل مع القوى التقدمية بالمفهوم العالمي. وهذا ما يجعل دول الخليج مثيرة جدا للاهتمام في الوقت الحالي.

 

لكن هذا التطور لا يحدث من الداخل، ولا توجد حتى الآن مؤسسة بحثية جادة ذات مستوى عالمي. دول الخليج تشتري لنفسها كل الخبرات والمعارف من الخارج، أليس كذلك؟

شتاينباخ: نعم، يشترون الخبرة والمعرفة من الخارج، لكن السؤال يجب أن يكون: لماذا يفعلون ذلك؟ هل بدافع جنون العظمة من أجل التباهي والتفاخر؟ أعتقد أن هناك ما هو أكثر من ذلك. فخلفية الإمارات الثقافية والتاريخية مثلا أنها ولفترة طويلة كانت تقع في آخر العالم.

 

 بمنأى عن السياسة الدولية لفترة طويلة

ولكن من الناحية أخرى، فإن الأمر يتعلق ببلاد (يقطنها) بَحّارة، وكان من الممكن الوصول إلى المحيط الهندي من الخليج أو من الساحل العماني.

وقد خلق هذا وعيا بقيمة الذات ظلت دول الخليج تتمتع به على الدوام. لكنهم مع ذلك ظلوا لسنوات عديدة بمنأى عن السياسة العربية والدولية. ومنذ أن أصبح النفط والغاز هما القوتين المحركتين بدأوا الخروج من ذلك الظل. وأضحى النقاش الوحيد في دول الخليج (يدور) الآن حول المستقبل فقط تقريبا، أما الماضي فلا يلعب أي دور.

 

افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي في نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - الإمارات.  Eröffnung des Louvre in Abu Dhabi im November 2017; Foto: picture-alliance
لسنوات عديدة، كانت دول الخليج بمنأى عن السياسة العربية والدولية. يقول أودو شتاينباخ: "منذ أن أصبح النفط والغاز هما القوتين المحركتين، بدأوا الخروج من ذلك الظل. وأضحى النقاش الوحيد في دول الخليج يدور الآن حول المستقبل فقط تقريبا، أما الماضي فلا يلعب أي دور. ويمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، في المتاحف التي يتم افتتاحها في الإمارات، حيث أن جميع المعروضات موجهة نحو المستقبل. ولا تزال دول الخليج متأثرة بقوة بتقاليدها السياسية والاجتماعية والثقافية. يدهشني كثيرًا ارتباطهم بتقاليدهم من ناحية، ثم يبدعون الأحدث والأعظم بفعل ديناميكية نابعة من داخلهم، ويريدون أن يضعوا أنفسهم في طليعة الحداثة".

 

ويمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، في المتاحف التي يتم افتتاحها في الإمارات، حيث أن جميع المعروضات موجهة نحو المستقبل. ولكن في الوقت نفسه، لا تزال دول الخليج متأثرة بقوة بتقاليدها السياسية والاجتماعية والثقافية. يدهشني كثيرًا ارتباطهم بتقاليدهم من ناحية، ثم يبدعون الأحدث والأعظم بفعل ديناميكية نابعة من داخلهم، ويريدون أن يضعوا أنفسهم في طليعة الحداثة.

 

هل يحققون فعلاً هذا التوازن بين التقاليد والحداثة؟

 شتاينباخ: يمكن للمرء أن يقول ذلك في الوقت الحالي. وربما تبدو الأوضاع غريبة أحيانا، كما حدث في كأس العالم. بيد أن قدرة قطر على استضافة كأس العالم لكرة القدم، بما يتماشى مع شروط إطار عمل الفيفا، كان أمرا ضخما بالنسبة للعالم العربي بأسره. كما أن الصين [بالنسبة لمونديال السيدات] وروسيا حصلتا على حق تنظيم كأس العالم وهنا أيضًا كانت قضية حقوق الإنسان مثارة.

ومنذ أن مُنحت قطر تنظيم المونديال في عام 2010، تبدل الوضع العالمي تمامًا، وأصبح هناك مراكز ثقل وتوازنات قوى جديدة. لهذا السبب أدى السماح لدولة مثل قطر باستضافة كأس العالم إلى حدوث ضجة كبيرة مثل التي رأيناها. بالطبع، كان لذلك علاقة بقضايا المال والمكانة، لكن منح تنظيم كأس العالم لقطر هو أيضًا جزء من الديناميكية السياسية الجديدة التي نشهدها حاليا.

 

موقف مليء بالتناقضات

هل يعتبر الأمر أيضًا جزءًا من هذه الديناميكية عندما تقوم قطر برشوة المفوضية الأوروبية للتأثير على القرارات السياسية؟

 شتاينباخ: من المؤكد أن الرشوة ليست الأسلوب الذي ينبغي به رعاية تنمية العلاقات الدولية. لكن من الواضح أن هناك أشخاصًا في الجانب الأوروبي، كما ظهر في حالة منح قطر تنظيم كأس العالم، مستعدون لقبول الأموال الطائلة المكتسبة بسهولة.

 

 

الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط أودو شتاينباخ في فعالية في بغداد - العراق. Udo Steinbach bei einer Veranstaltung in Bagdad, Irak; Foto: privat
أودو شتاينباخ أثناء مشاركته في حدث ثقافي في بغداد: "علينا أن نفهم أن العالم قد تغير وأننا [في الغرب] لم نعد نستطيع تقديم أنفسنا كما اعتدنا. تقييمنا للوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة خاطئ تماما. لم يكن الخليج قَطُّ موضوع نقاش في السياسة الألمانية؛ نحن اضطررنا أن نواجه المنطقة فقط نتيجة لأزمة الطاقة. ولكن الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية هما حتى الآن منطقة مجهولة بالنسبة للسياسة الألمانية."

 

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب أن يرقى إلى مستوى مطالبته باتباع سياسة توجهها القيم، فمن الواجب عليه دعوة شركائه إلى حوار عن القيم. ولكن إذا اقتصرت العلاقات على عقد صفقات تجارية مع "الشيوخ"، فلا ينبغي أن نتفاجأ إذا رأينا هؤلاء "الشيوخ" يتصرفون بدافع تجاري فقط.

 

 الوضع مليء بالتناقضات حتى عندنا. فقد ألغت مفوضة حقوق الإنسان المكلفة من جمهورية ألمانيا الاتحادية رحلتها إلى قطر، ثم سافرت وزيرة الداخلية الألمانية إلى هناك. وسمح لوزير الاقتصاد هابيك بالذهاب إلى الدوحة لشراء الغاز، ثم غطى لاعبو المنتخب الألماني أفواههم بأيديهم للإشارة إلى غياب حرية التعبير.

 شتاينباخ: ما زلنا لم نفهم ما الذي يدور حوله الأمر فعلا. عندما نتحدث عن قطر والإمارات، فإن هناك صورة مُزدَرِية تتأرجح دائمًا في الخلفية. ولكننا من ناحية أخرى، نريد الحصول على النفط والغاز من هناك. لكن كيف يمكننا أن نتحدث مع الناس في الخليج بالعقلية الصحيحة؟ في حالة قطر، نحن غير قادرين على فهم موقف الدولة ومنظورها، فنحن نرى شيئا واحدا فقط هو انتهاكات حقوق الإنسان. لكن دولة عربية مثل قطر يمكن فعلا أيضًا أن تكون من قمم العالم.

 نعم، صحيح أنه تم استغلال العمال المهاجرين لسنوات، ولكن أُجريت هناك أيضًا تحسينات تعترف بها النقابات كذلك. ويعيش ملايين الأشخاص في باكستان وبنغلادش على الأموال التي يرسلها العمال المهاجرون إلى أوطانهم من قطر.

 

التغيير عن طريق الحوار

بالنسبة لكأس العالم لكرة القدم لم يكن الأمر يتعلق بأوضاع المهاجرين الذين بنوا الملاعب فقط، وإنما أساسا بالعبودية الحديثة في الخليج أيضا، عندما يعامَل العمال الأجانب مثل العبيد، ويُفرض عليهم تسليم جوازات سفرهم ولا يمكنهم تغيير مكانهم بسهولة.

 شتاينباخ: هذا صحيح، هذا لا يتناسب مع عالم اليوم وهذا ما يشعل معظم الانتقادات. ولكن هناك أساسات جادة لتغيير ذلك. وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن هناك بالفعل تحسينات وأن الواقع مختلف عما كان عليه قبل عشر سنوات. لقد تغير الكثير من خلال النقاشات التي نجريها منذ ذلك الحين.

 

 هل هذا يعني أن التغيير حدث جراء الحوار؟

 شتاينباخ: نعم، ويجب علينا مواصلة الحوار، لكن علينا أن نجد اللهجة الصحيحة. هذا ما يقال لي مرارًا وتكرارًا عندما أكون في الخليج: نريد التعامل تجاريا مع الصينيين والروس، لكننا نريد اجراء حوار مع أوروبا. على أساس المساواة، أي على قدم المساواة وبدون تلك العُنْجُهِيَّةِ القديمة التي يظهر بها الأوروبيون أحيانًا.

في العلاقة مع عرب الخليج، يجب ألا نركز فقط على المصالح الاقتصادية، بل يجب أيضا أن نتناول المصالح الثقافية، وهو ما لا يفعله الصينيون والروس.

 

ناطحات السحاب في الدوحة - قطر. Die Skyline von Doha, Katar; Foto: picture-alliance
مستقبل الشرق في الخليج: "دول الخليج هي المستقبل في المنطقة العربية"، بحسب ما يقول خبير الشرق الأوسط أودو شتاينباخ. "إذا قارنا دول الخليج بمصر أو بلاد الشام، فعلينا أن ندرك أن القضايا التي تجري مناقشتها في الخليج هي قضايا المستقبل. قضايا العلم والتكنولوجيا هي القضايا التي تحظى بالاهتمام حاليًا، بينما في بقية العالم العربي، تستمر النقاشات القديمة على نحو ميؤوس منه. نعم لا تزال هناك هياكل رئاسية في الخليج، لكنها تحاول التواصل مع القوى التقدمية بالمفهوم العالمي. وهذا ما يجعل دول الخليج مثيرة للاهتمام جدا في الوقت الحالي." في الصورة داخل المقال تظهر ناطحات السحاب في الدوحة.

 

علينا أن نفهم أن العالم قد تغير وأنه لم يعد بإمكاننا أن نظهر مثلما كان في السابق. نحن لدينا تقييم خاطئ تماما للوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة. لم يكن الخليج قَطُّ موضوع نقاش في السياسة الألمانية حتى الآن؛ ولم تبدأ مواجهتنا بالمنطقة إلا من خلال أزمة الطاقة. فمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية كانتا حتى الآن منطقة مجهولة بالنسبة للسياسة الألمانية.

 

المستقبل موجود في الخليج

هل يجب علينا أولاً أن يتعود بعضنا على بعض؟ ولهذا يوجد كثير من الخلافات في الوقت الحالي؟

 شتاينباخ: يجب أن يتعرف بعضنا على بعض. موازين القوى يعاد ترتيبها الآن من جديد ونتيجة لذلك هناك أيضًا اضطرابات في الخليج والشرق الأوسط حول دور القيادة والمنافسة بين قطر والإمارات والمملكة العربية السعودية. ولنأخذ مصر على سبيل المثال، كانت البلاد رائدة في الشرق الأوسط لعقود. اليوم مصر لا شيء.

 حتى في جامعة الدول العربية ذاتها، لم تعد مصر منذ مدة طويلة تلعب الدور الذي كانت تلعبه من قبل. هذا هو التحدي الكبير للعالم العربي. يجب عليه أن يتلاقى من جديد مع فهم جديد للعالم من أجل إعادة بناء سوريا والعراق ودول أخرى. وعلى الرغم من قدرة أوروبا والأمريكيين على تقديم المساعدة، إلا أن القدرات لتحقيق التنمية يجب أن تأتي من المنطقة العربية نفسها.

 

أما زال من الممكن اليوم الحديث عن عالم عربي؟

 شتاينباخ: نعم، في الواقع. رغم أن القومية العربية انهارت، وهذا صحيح، لكن يمكن رؤية التعاون البراغماتي بالفعل. وتريد دول الخليج أن تعتلي القمة. وأرى أن هذه فرصتهم لتشكيل مستقبل العالم العربي معًا.

 

 

حاورته: بيرغيت سفينسون

ترجمة: صلاح شرارة

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

 

أودو شتاينباخ، ولد في مدينة زيتاو الألمانية عام 1943، وهو عالم متخصص في العلوم الإسلامية وترأس المعهد الألماني للشرق في هامبورغ من عام 1976 إلى عام 2007. وهو حاليا 2023 عضو مجلس إدارة جمعية الصداقة الألمانية العربية ومسؤول عن مركز "مينا" لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمؤسسة.