إرث حكم استعماري وصدمة تقسيم قاسية للهند

في يونيو / حزيران 2022 اندلعت احتجاجات ضد اضطهاد المسلمين في نيودلهي - الهند.
في يونيو / حزيران 2022 اندلعت احتجاجات ضد اضطهاد المسلمين في نيودلهي - الهند.

فكرة الهند ذات الأغلبية الهندوسية الساعية إلى دور قيادي عالمي هي الفلسفة الأساسية لمصدر إلهام حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند وهو أيديولوجية منظمة آر إس إس القوموية الهندوسية. تحليل سوبرانا بانيرجي.

الكاتب، الكاتبة : Suparna Banerjee

من السذاجة الاعتقاد أنّ الحكومات التي سبقت ناريندرا مودي والتي جاءت بعد استقلال عام 1947 كانت قد أنشأت مجتمعاً متناغماً وشاملاً. في معظم الأوقات، كان حزب المؤتمر الهندي هو المسؤول. وغالباً ما كانت السلطة في أيدي نخب الفئات والطبقة العليا. وبقيت الأقليات مهمّشة. نادراً ما استهدفتهم الحكومات بخطاب الكراهية، على الرغم من أنّ المجزرة المناهضة للسيخ في دلهي في عام 1984 شكّلت استثناء رهيباً. واليوم، أصبحت الأقليات في البلاد، ولا سيما الأقلية المسلمة، أهدافاً لحملات كراهية ممنهجة ومؤسسية. ومن هذا المنطلق، لا تزال صدمة التقسيم قاسية.

وفي باكستان أيضاً، تُعتبر سياسات الهوية القائمة على الدين مهمة، وإن كان ذلك بطريقة مختلفة عن الهند. إذ نجح السنة الراديكاليون في إعادة تعريف "الإسلام" إلى حدٍّ كبير ليعكس نسختهم الخاصة من الدين، ويقومون بالتمييز ضد الأخرين.

ويقول قول مأثور شائع أنّ القوة الاستعمارية البريطانية قد حكمت الهند بـ 15 ألف بريطاني فحسب في البلاد. تمكّنوا من السيطرة على شبه القارة الهندية الضخمة لأنّ الهنود ساهموا في حكمهم وساندوه أكثر من قرنين من الزمن. في الواقع، ازدهرت الطبقات العليا إلى حدٍّ كبير، كما حدث سابقاً في ظلّ أباطرة المغول.

"فرّق تسد"

اعتمد البريطانيون، كجزء من تكتيكاتهم الاستعمارية، مبدأ "فرّق تسد". إذ ركّزوا على تأليب المسلمين والهندوس بعضهما ضد بعض، وغرسوا الهوية الدينية باعتبارها الهوية الأساسية. وتاريخياً، اللغة والطبقة والفئة كانت متساوية في الأهمية على أقل تقدير، مع تغلغل النظام الطبقي في الأديان الأخرى غير الهندوسية.

 

خريطة الهند وباكستان وبنغلاديش. Karte von Indien, Pakistan und Bangladesch; Quelle: stepstone
بوصفها قوة استعمارية، اعتمدت بريطانيا على سياسة "فرّق تسد": كان التركيز على تأليب الهندوس والمسلمين بعضهما ضد بعض، وغرس الهوية الدينية بوصفها الهوية الأساسية. وتاريخياً، كانت اللغة والطبقة متساويتَيْن في الأهمية، مع تغلغل النظام الطبقي في الأديان الأخرى غير الهندوسية. وفي الوقت الحاضر، تُمزّقُ الهند وباكستان -بسبب إرث الاستعمار القاتم- سياسات الهوية اعتماداً على الدين.

 

وبعد انتفاضة عام 1857، التي شارك فيها الهندوس والمسلمين، والتي دعتها جنوب آسيا بحرب الاستقلال الأولى، تابعت القوى الاستعمارية بشكل صارم استراتيجية فرّق تسد الخاصة بها.

وكان حزب المؤتمر، الذي تشكّل في عام 1885، الرائد السياسي في القتال ضد البريطانيين. لم يكن منظمة هندوسية، ورغم ذلك شعر بعض المسلمين بالإقصاء. وتبعاً لذلك، تأسّس حزب الرابطة الإسلامية لعموم الهند في عام 1906.

أراد المؤتمر أن تبقى الهند موّحدة بعد الاستقلال، بيد أنّ الرابطة الإسلامية أصرّت على دولة منفصلة، والتي ستصبح لاحقاً "باكستان". وقد كان السبب في ذلك فكرة أنّ المسلمين، في ظلّ حكومة المؤتمر، سيعانون بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية.

وفي السنوات التي سبقت استقلال الهند، تزايدت التوترات بشكل كبير. وقد شهد عام 1946 وصول الكراهية إلى ذروتها في يوم الحراك المباشر في كلكتا (مذابح كلكتا)، تمثّلت في أعمال شغب طائفية شرسة بين الهندوس والمسلمين. وحين تنازل البريطانيون عن سلطتهم، استغرق الأمر عاماً واحداً فحسب لتصبح الهند وباكستان دولتين منفصلتين. وفي البلدين، بقيت الحكومات الجديدة خاضعة لسيطرة النخب القائمة.

 

 

سوبرانا بانيرجي

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: مجلة التعاون والتنمية / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

 

 سوبارنا بانيرجي محللة سياسية مقرها بمدينة فرانكفورت في ألمانيا