تشكك يهود ومسلمين من أطعمة الحشرات حتى الرفض
حشرات في المواد الغذائية؟ ربما يبدو ذلك فكرة جيِّدة بالنسبة للأشخاص الذين يحبُّون التجارب. ولكن الحشرات موجودة بالفعل مجفَّفةً ومجمَّدةً وبشكل مسحوق في منتجات مختلفة. فقد وافق الاتحاد الأوروبي بشكل تدريجي منذ حزيران/يونيو 2021 على السماح باستهلاك الحشرات: في البداية ديدان الدقيق وصراصير الحقل الأليفة والجراد المهاجر؛ وفي بداية عام 2023، منحت المفوضية الأوروبية موافقتها أيضًا لاستهلاك يرقات خنفساء الحبوب، المعروفة باسم دودة الجاموس، وكذلك المسحوق منزوع الدهن جزئيًا من صراصير الحقل الأليفة.
وهذا يعني أنَّ الأشخاص الذين يتَّبعون نظامًا غذائيًا نباتيًا صرفًا أو نباتيًا عاديًا -والذين يعانون من حساسية أو يلتزمون بتعاليم وشرائع غذائية لأسباب أخرى- بات يجب عليهم الآن أن يقرؤوا بعناية بيانات المحتويات على عبوات الأغذية - ويأملوا أن يكون كلَّ ما فيها مكتوبًا على الملصق. إذ يجب رسميًا (في ألمانيا) وضع معلومات واضحة على المواد الغذائية التي تحتوي على حشرات وتحديد ذلك أيضًا بأي شكل.
والدين هنا يمثِّل عاملًا مهمًا أيضًا: فمَنْ أراد الالتزام بالتعاليم والشرائع الغذائية في الديانتين اليهودية والإسلام يجب عليه مراعاة بعض الشرائع والمحرَّمات. وهذه الأحكام والقواعد الدينية مستمدة في اليهودية من التوراة والتفسيرات وفي الإسلام من القرآن والأحاديث النبوية.
تفرض اليهودية أحكام الكشروت (כשרות)، أي شروطًا محدَّدة على تناول الطعام. وما يطابق هذه الأحكام يُسمى بالـ"كوشَر". يجب مثلًا بحسب هذه الأحكام الفصل بين الحليب ومشتقاته وبين اللحوم، وتوجد أيضًا حيوانات طاهرة وحيوانات نجسة تشمل بالإضافة إلى الخنازير الديدان والحشرات.
تناول الحشرات إجمالاً مُحرَّم في اليهودية والإسلام باستثناء الجراد
ولذلك فإنَّ استهلاك المواد الغذائية التي تضاف إليها حشرات يتعارض مع الأحكام الغذائية في الديانة اليهودية، مثلما أعلن المؤتمر الحاخامي الأرثوذكسي في ألمانيا ORD: "بصرف النظر عن حقيقة أنَّ هذه الظاهرة الغذائية العصرية لا تبدو فاتحة للشهية أبدًا فإنَّ تناول الديدان وجميع الحشرات الأخرى محرَّم تحريمًا تامًا بحسب التوراة"، مثلما أكَّد الحاخامات أفيخاي آبل (من مدينة فرانكفورت الألمانية) وتزولت بالا (من مدينة لايبتسيغ الألمانية) ويهودا بوشكين (من مدينة شتوتغارت الألمانية) لمجلس إدارة المؤتمر الحاخامي الأرثوذكسي في ألمانيا.
وقالوا إنَّ تحريم أكل الحشرات والديدان صارم جدًا لدرجة أنَّ أكل حشرة واحدة يشكِّل في الوقت نفسه انتهاكًا للعديد من المحرَّمات في التوراة. الاستثناء الوحيد هو أكل الجراد، الذي تسمح به التوراة - "ولكنه لا يلعب أي دور في قائمة الطعام في الديانة اليهودية وهذا يفشل ضمن سياق إنتاج المواد الغذائية بسبب المتطلبات العالية لأحكام الكوشر الخاصة بالمواد الغذائية"، مثلما قال الحاخامات.
"باختصار: الحشرات والديدان لا تعتبر كوشَر (حلال) ولا مكان لها في الطعام"، مثلما يؤكِّد الحاخامات آبل وبالا وبوشكين. ولذلك فهم يطالبون بوضع "تحذيرات واضحة" على المنتجات التي تحتوي على حشرات وديدان.
وقد أشار في بداية شهر شباط/فبراير 2023 زميلهم الحاخام الأرثوذكسي أفراهام رادبيل من مدينة كونستانس في صحيفة "يوديشة ألغماينه" إلى أنَّ تناول أنواع معيَّنة من الجراد يعتبر في المجتمعات اليمينية على وجه الخصوص "جزءًا من الحياة اليومية". ولكن الحاخام أرام رادبيل أكَّد أيضًا على أنَّه لا ينصح على الإطلاق بتناول الحشرات.
اليرقات والديدان محرَّمة تحريمًا تامًا في الإسلام
ينظر معظم الفقهاء المسلمين إلى تناول الحشرات نظرة تحريم صارمة مثل اليهود. والمسلمون أيضًا يُبيحون من حيث المبدأ تناول الجراد فقط، والذي يقال بحسب الأحاديث النبوية إنَّ النبي محمد أباحه بصراحة وأكله هو نفسه أثناء غزواته. وبما أنَّ الجراد يعتبر من فصيلة الجنادب فإنَّ تناول الجراد بشكل عام حلال في الإسلام، مثلما توضح رانيا نسيبة من المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا.
وفقط المذهب المالكي المنتشر في شمال أفريقيا يبيح استخدام المزيد من أنواع الحشرات كمواد غذائية ويشترط لتناول هذه الحشرات أن تكون ميِّتة. ولكن مع ذلك فإنَّ اليرقات والديدان محرَّمة تحريمًا تامًا في الإسلام وذلك لأنَّها من اللافقاريات.
ولكن يوجد أمل لدى دعاة استخدام الحشرات والكائنات المشابهة في الطعام؛ لأنَّ الشريعة الإسلامية تُقِرّ بظاهرة الاستحالة أو التحوُّل، "التي تضمن تحويل المادة غير الطاهرة -عادة من خلال عمليات عضوية- من مادة حرام إلى حلال"، كما يقول مهند خورشيد، رئيس مركز الدراسات الإسلامية في جامعة مونستَر الألمانية.
ومن أمثلة ذلك إنتاج خل النبيذ من النبيذ وإنتاج الجيلاتين من لحم الخنزير، علمًا بأنَّ استهلاك الخنزير والنبيذ محرَّم على المسلمين. وإذا رفعت الاستحالة أساس التحريم -مثل تأثير الكحول المُسكِر وتناول لحم الخنزير الذي يعتبر نجسًا في الإسلام- فيُسمح للمسلمين تناول المنتجات المشتقة المطابقة. وبالتالي فإنَّ استخدام مسحوق البروتين المستخرج من الحشرات لديه فرصة جيِّدة للوصول إلى المواد الغذائية المُميَّز بختم الحلال المطلوب وجوده عليها بالنسبة للمسلمين.
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: وكالة الأنباء الكاثوليكية / موقع قنطرة 2023