إسرائيل صديقة لمعادي السامية في أوروبا!

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

تحرص أحزاب اليمين الشعبوية في أوروبا على إبراز دعمها لإسرائيل. الكاتب إيان بروما يرى قواسم مشتركة بين اليمين الأوروبي وحكومة نتنياهو وهو ما يفسر التقارب بين تل أبيب وحكومة المجر المعروفة بمعاداتها للسامية وشعور كثير من اليهود الليبراليين بعدم انتمائهم لإسرائيل تحت هذه القيادة.

الكاتبة ، الكاتب: Ian Buruma

عندما يزعم القادة السياسيون والمعجبون بهم أن الناشط الخيري المجري الأمريكي اليهودي، جورج سوروس، يتحكم في الشؤون العالمية، فإننا ندرك أن هذه الأفكار مرتبطة بمعاداة السامية. ولكن الطبيعة المعادية للسامية لهذه الادعاءات لم تمنع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، والرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وأتباعهما من الترويج لها.

وغالبًا ما يشير كل من أوربان وترامب إلى دعمهما لإسرائيل حتى يُبرهنا أنهما ليسا معاديَين للسامية. إذ قال ترامب في تشرين الأول/أكتوبر بافتخار: "لا يوجد رئيس قدم لإسرائيل أكثر مما قدمت لها". ومن جانبه، استشهد أوربان بإسرائيل والمجر باعتبارهما "نموذجين لمجتمعات محافظة ناجحة". ولكنه قال أيضًا أن المجريين "لا يريدون أن يصبحوا شعوبًا من أعراق مختلطة"- وهو بيان يذكرنا بأسلوب العنصرية الذي ساد في الماضي أكثر من التعاطف مع الشعب اليهودي.

ولكن في البيئة السياسية الحالية، لا يعتبر كونك مؤيدًا لإسرائيل ومعاديا للسامية في نفس الوقت تناقضًا. إذ في الواقع، هناك الكثير من القواسم المشتركة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأعضاء الأكثر راديكالية في حكومته وبين الشخصيات القومية اليمينية في أوروبا، والولايات المتحدة ممن تحالفوا معها.

وعلى أي حال، فإن السياسيين الإسرائيليين من اليمين المتطرف، لديهم انتماء عرقي-قومي، شأنهم في ذلك شأن أوربان. فعلى سبيل المثال، ينظر وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إلى الهوية الوطنية من منظور عرقي، ودعا إلى طرد المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين المشتبه في "عدم ولائهم" للدولة اليهودية. ومَثله الأعلى هو مئير كهانا، الحاخام المتطرف الذي شبه التعايش مع الفلسطينيين بـ"التعايش مع السرطان".

 

وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير - إسرائيل. National Security Minister Itamar Ben-Givr in a dark suit and white kippah during a heated session in the Israeli Knesset (image: Ariel Schalit/AP Photo/picture alliance)
السياسيون الإسرائيليون من اليمين المتطرف، لديهم انتماء عرقي-قومي شأنهم في ذلك شأن رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان: فعلى سبيل المثال، ينظر وزير الأمن القومي، إيتامار بن غفير، إلى الهوية الوطنية من منظور عرقي، ودعا إلى طرد المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين المشتبه في "عدم ولائهم" للدولة اليهودية. ومَثله الأعلى هو مئير كهانا، الحاخام المتطرف الذي شبه التعايش مع الفلسطينيين بـ"التعايش مع السرطان".

 

فهل من المستغرب إذن أن يزيد شعور اليهود الليبراليين في جميع أنحاء العالم بعدم انتمائهم لإسرائيل تحت قيادتها الحالية؟ لقد قال عضو الكونغرس الديمقراطي، جيك أوشينكلوس، في الآونة الأخيرة، إن ناخبيه اليهود يختلفون في العديد من القضايا لكنهم متحدون في قلقهم من أن إسرائيل تتجه نحو "ديمقراطية غير ليبرالية". وحتى رابطة مكافحة التشهير الشديدة الولاء للصهيونية أدانت "العنصرية اليهودية" التي تميز الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

ومن المؤكد أن بعض هذه التوترات يمكن أن تُعزى إلى الخلافات السياسية. إذ ترفض الحكومة الإسرائيلية الآراء الليبرالية التي يؤمن بها العديد من اليهود المغتربين. ولكن الانقسام المتزايد يعكس أيضًا تحولًا أعمق.

وعلى مَر تاريخ أوروبا، اقترنت القومية العرقية بمعاداة السامية، وفي بعض النواحي، ساعدت في تعريفها. إذ اتهم فيلهلم الثاني، وهو آخر إمبراطور ألماني، الذي تأثر بالبريطاني هوستون ستيوارت تشامبرلين، المعادي للسامية، الولايات المتحدة وبريطانيا بـ"انتهاجهما للسياسة اليهودية". وعلى عكس هذين البلدين، اللذين يرى "فيلهلم" أن المال هيمن عليهما، وأنهما كانا يمنحان الجنسية لأي شخص يرغب في الدفع مقابل ذلك، من المفترض أن جذور جميع الألمان الحقيقيين تعود إلى وطنهم الأصلي. وشاطر أدولف هتلر هذا الرأي بالطبع.

وفي حين أن العديد من الأوروبيين والأمريكيين المعادين للسامية ينظرون إلى اليهود على أنهم بلاشفة بالفطرة، فإن الشكوك تجاه الشعب اليهودي لم تراود اليمينين فقط. إذ لم يعتمد جوزيف ستالين أيديولوجية "الدم والتربة"، ولكنه ما زال يعتبر اليهود "كوزموبوليتيين بلا جذور"، ويرى أن ولاءهم كان دائمًا موضع شك.

 

دونالد ترامب حين كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. Donald Trump, during his time in office as President of the United States, at the Wailing Wall in Jerusalem (image: Getty Images/AFP/R. Zvulun)
غالبا ما يشير كل من رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى دعمهما لإسرائيل حتى يُبرهنا أنهما ليسا معاديَين للسامية: إذ قال ترامب في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بافتخار: "لا يوجد رئيس قدم لإسرائيل أكثر مما قدمت لها". ومن جانبه، استشهد أوربان بإسرائيل والمجر باعتبارهما "نموذجين لمجتمعات محافظة ناجحة". ولكنه قال أيضاً إن المجريين "لا يريدون أن يصبحوا شعوبًا من أعراق مختلطة"- وهو بيان يذكرنا بأسلوب العنصرية الذي ساد في الماضي أكثر من التعاطف مع الشعب اليهودي.

 

وغالبا ما يربط معادو السامية "الكوزموبوليتية" اليهودية بالطابع المتعدد الأعراق للمجتمع الأمريكي. وكان هذا التحيز مرتبطًا في كثير من الأحيان بمناهضة الرأسمالية، حيث كان السعي وراء الثروة يعتبر سمة مميزة لكل من اليهود والأمريكيين.

وخير مثال على التحيز اليساري رسم كاريكاتوري سياسي نُشر في الآونة الأخيرة في جريدة الغارديان. ويصور الكارتون ريتشارد شارب، رئيس هيئة الإذاعة البريطانية المنتهية ولايته، والمصرفي السابق في بنك غولدمان ساكس، على أنه رجل بلوتوقراطي أنفه كبير وشفته سميكة، ويحمل صندوقًا يحتوي على حبار ينشر لوامسه اللزجة، ودمية لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. والرسالة لا لبس فيها: شارب، وهو يهودي، يسيطر على سوناك من وراء الكواليس.

إن الشعبوية الراديكالية، التي غالبا ما يتسم بها أقصى اليمين، ولكن لا تستثني اليسار المتطرف، هي جزئيًا استجابة للعولمة، وسلطة البنوك، والشركات المتعددة الجنسيات، والمؤسسات فوق الوطنية، والتدفق الحر لرأس المال. إذ مرة أخرى، أثارت المخاوف الواسعة النطاق من اكتساح هذه التيارات العالمية شوقا للقادة الذين يقدمون وعودا بإعادة السلطة إلى "السكان الأصليين"، والقضاء على النخب "العولمة" الفاسدة.

ومنذ وقت ليس ببعيد، كان القادة الشعبويون المتطرفون يصفون هؤلاء الأشرار المناصرين للعولمة على أنهم أمريكيون ويهود. ومع ذلك، تحت تأثير ترامب ومعاونيه، أصبحت الولايات المتحدة نفسها منارة للرجعيين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك قادة إسرائيل الحاليين.

ومع أن الصهاينة الأوائل سعوا إلى إقامة دولة إسرائيل كوطن لليهود، إلا أنه لم يكن مقصودًا أن تقتصر على اليهود. فاليهود الذين وصلوا إلى إسرائيل وجعلوها موطنًا لهم لم يكونوا من مواطني هذه الأرض، وفقط اليهود الأرثوذكس المتدينون يعتقدون أن الله قد أعطاهم إياها. ووُلد كاهانا، الذي كان يعتقد ذلك بالتأكيد، بالفعل في بروكلين، نيويورك (وفي عام 1990 اغتيل في مانهاتن). ويشاطره الرأي إلى حد كبير المسيحيون الإنجيليون في الولايات المتحدة الذين يعتقدون أن اليهود هالكون ما لم يعتنقوا المسيحية عندما يحين موعد نهاية العالم.

 

At @CPAC #DALLAS: GREAT meeting with modern hero of nationalism, leader in the defense of Europe against Jihadist emigration, and ally of Israel - #Hungary PM Viktor Orbán@abouthungary @BalazsOrban_HU pic.twitter.com/3SMBzJMuB6

— Yishai Fleisher يشاي ישי פליישר (@YishaiFleisher) August 4, 2022

 

وفي مؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC) الذي عُقد العام الماضي 2022 في دالاس، تكساس، التقى أوربان الذي كان المتحدث الرئيسي في المؤتمر بالسياسي يشاي فليشر، وهو أحد المعجبين به وزميله في إلقاء الخطاب، والمتحدث الدولي باسم المستوطنين اليهود في الخليل. وبعد أن نشر فليشر تغريدة ألحق بها صورة سيلفي تجمعه مع أوربان، سُئل عن معاداة رئيس الوزراء المجري المزعومة للسامية، فأجاب بأنه لا يكترث لذلك.

وقال فليشر إنه لم يكن "يهوديًا مغتربا"، بل كان إسرائيليًا. وبصفته "زميلًا في السيادة"، اعتبر أوربان حليفا في الكفاح لواجهة "الأجندة العالمية التي تسعى إلى فرض حدود مفتوحة ومحو الهويات الوطنية". ولا يمكن وصف الصدع المتنامي في العلاقات بين إسرائيل والشتات اليهودي بصورة أفضل.

في عام 1898، التقى تيودور هرتزل، والد الصهيونية الحديثة، بويلهلم في القدس، على أمل الحصول على دعمه لوطن يهودي. وجلس القيصر على حصانه الأبيض، وكان هرتزل واقفًا. ولم يكترث القيصر له. ولكن لو كان هرتزل على قيد الحياة اليوم، واقفا في نفس المكان، لربما كان سعيدًا بما رآه.

 

 

إيان بوروما

ترجمة: نعيمة أبروش

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2023

 

 

ar.Qantara.de

 

إيان بوروما أستاذ جامعي في شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة. وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "قتل في أمستردام: مقتل تيو فان غوخ وحدود التسامح"، وصدر له أيضا كتاب: "السنة صفر: تأريخ لعام 1945".